بروين إبراهيم
مضى الجزء الأكبر من شهر يناير وقبله مضى ديسمبر وتساقطت الثلوج وهطلت الأمطار في كل مكان واجتاح البرد كل البيوت، ومدافئ السوريين تنتظر المازوت لتقتل البرد الذي «نخر عظامهم» كما يقول المثل العامي، ودعم «يخضع للمعالجات» ومازال «قيد الدراسة لدى الحكومة» بحسب تصريحات الوزراء المختصين.
وبانتظار هذه «المعالجات» «و«الدراسات» الحكومية، ليس أمام المواطن الا «التجمد» من البرد أو ابتكار حلول أخرى قد تكون مميتة أحيانا.
يقول أبو فادي: «الحديث عن الموضوع أصبح متعبا، فأنت مضطر ان تنتظر لساعات أما محطات المازوت لتحصل على بعض الليترات هذا عدا الاستغلال الواضح لأصحابها، وفي حال مللت من الوقوف ولجأت إلى شراء الغاز، فهناك تجربة استغلال أخرى فأصحاب مستودعات الغاز زادوا السعر أضعاف ما هو عليه، فأثناء الموجة الثلجية السابقة وصل سعر أسطوانة الغاز إلى 500 ل.س».
أما أم سامر التي غرق بيتها أثناء موجة الثلج والأمطار التي اجتاحت سورية قبل أسابيع، لم تجد من يعيرها بعض المازوت لتشعل حمامها الذي يعمل فقط على المازوت بعد أن لوثت مياه الصرف الصحي بيتها وأغراضها. وقالت: «لقد سخنت الماء على الغاز لأنظف البيت وأستحم أنا وأولادي فأنا لم أشتم رائحة المازوت هذا العام، وكنا في انتظار دعم المازوت الذي تأخر كثيرا وقد لا يأتي ناهيك عن الكهرباء التي تنقطع أكثر مما تأتي».
ويرى عبد الرحيم وهو صاحب «سوبر ماركت» أن غلاء المازوت هو الذي عمل على غلاء كل أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، فأحيانا الناس لا تدرك هذا الأمر، فأغلب الآلات تعمل على المازوت. هذا بغض النظر عن غلاء تسعيرة «السرافيس» لأنها تعمل أيضا على المازوت لذا نحمد الله أن السيارات التي تعمل على المازوت قليلة.
الحاجة أم الاختراع.. لكنها مميتة
منصور وعلاء اللذان يعملان كناطورين لأحد المعامل في منطقة في محافظة حمص لقيا حتفهما بعد أن توصلا لاختراع يقيهم من سعر المازوت والغاز، فأشعلا بعض الحطب داخل علبة من الحديد، وبعد أن استحال الحطب جمرا أدخلا العلبة التي تحتوي الجمر إلى الغرفة وناما من شدة التعب بعد أن حظيا ببعض الدفء. ولكنهما لم يستيقظا أبدا. فقد تفحمت جثتيهما وتحنطنا على حد قول من شاهدهما في صباح اليوم التالي وقد فارقا الحياة.
أما سماح ووسيم فقد نجيا بالصدفة وليتهما لم ينجوا، ففي إحدى قرى اللاذقية والتي تعتبر من أعلى المناطق وأبردها، كان كل من سماح ووسيم يتدفأن على نار مدفأة الغــاز بعد أن عجز الأهل عن تأمين المازوت، ولم يشعرا كما قالت سماح عندما نامت هي وأخوها الذي يدرس للثانوية العامة. ومن باب الصدفة استيقظت سماح قبل أخيها فور سماعها طرق الباب، وعلى الرغم من الدوار الذي أحست به إلا أنها استطاعت الوصول للباب وسارع الجيران بنقلها إلى المستشفى مع اخيها الذي لن يحظى بفرصة التقدم للامتحانات لأنه دخل في غيبوبة بعد أن تسمـــم بمدفأة الغاز التي أوقفت وصول الأكسجين إلى الدماغ.
الغاز والحطب
وبعد الغموض الذي لف دعم المازوت وتناقض التصريحات الذي نجده عند أصحاب القرار كلما سأل سائل عن دعم المازوت، اضطرت الأسر السورية للجوء للغاز كوقود بديل للتدفئة عن المازوت، ولكن الأزمة وصلت للغاز فبعد أن أصبح الأمر في عهدة صندوق المعونة الاجتماعية الذي يتبع وزارة العمل لم يعد هناك أمل للمحتاج والفقير إلا في المدافئ التي تعمل على الغاز باعتبارها أرخص نسبيا من المازوت. ولكن هذا الأمر دفع الكثير من أصحاب مستودعات الغاز إلى رفع سعر أسطوانات الغاز، أما من لا قدرة له على تحمل حتى نفقات مدافئ الغاز بسبب ضيق الحال فقد لجأ إلى مدافئ الحطب التي يتذكرها آباؤنا وأجدادنا الذين عايشوا فترة الخمسينيات وما قبل. لكن حتى استخدام مدافئ الحطب لا يخلو من آثار سلبية على الصحة والطبيعة فهو يشجع الكثير من المحتاجين وغير المحتاجين على قطع الأشجار والتعدي على الغابات الحراجية على الرغم من أننا قد نصادف الكثير في بعض البساتين القريبة في ريف دمشق وما حولها يقطعون الأشجار وفي عز النهار و«على المكشوف».. فأبو وليد يقول: «أنا أعيش نصف الشهر على الغاز والنصف الآخر على الحطب الذي يؤمنه لي أخي من بعض محال النجارة، وأحيانا أخرج إلى بعض البساتين المجاورة وأجمع بعض الأغصان الواقعة على الأرض وأحيانا أخرى أقطع بعض الأغصان اليابسة تماما باعتبار أن الأغصان الخضراء أو حتى الحطب الذي مازال أخضر قد لا يشتعل وإذا اشتعل لا يعطي الكثير من الدفء لكنه يفي بالغرض».
سيناريوهات المازوت
وعلى الرغم من اقتراب «الشتوية» من نهايتها، خرجت بعض التسريبات من مجلس الشعب حول «السيناريوهات» التي ستقدم لتوزيع دعم المازوت على مستحقيه بعد المسح الاجتماعي والقوائم المنجزة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وبيان الراتب وكانت كالآتي:
السيناريو الأول: دعم للعاملين المتزوجين في الدولة والذين تقل رواتبهم عن 12 ألف ليرة ومقدارها 12 ألف ليرة على دفعتين.
السيناريو الثاني: دعم للمتقاعدين الذين تقل رواتبهم عن 10 آلاف ليرة وسيوزع الدعم على دفعتين كل دفعة 5 آلاف ليرة.
السيناريو الثالث: دعم من شملهم المسح الاجتماعي الذي قامت به وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وعددهم قرابة 550 ألف أسرة وسيوزع الدعم على دفعتين كل دفعة 5 آلاف ليرة.