دفع شقاق أثاره رد الفعل الاوروبي لوصول مئات الآلاف من اللاجئين فجأة، البعض في بروكسل للإعراب عن مخاوفه بشأن مستقبل الاتحاد الاوروبي.
وأصبح الاتحاد الذي يضم في عضويته 28 دولة ممزقا بين التضامن والأمن في الوقت الذي تكافح فيه حكومات لمجاراة طوفان البشر الهاربين من الحرب والقمع واغلبهم من سورية اضافة الى أفغانستان والقرن الأفريقي وهوالطوفان الذي أثار عاصفة سياسية في كثير من الدول.
ودفعت الأزمة الكبرى التي تواجه الاتحاد منذ الحرب العالمية الثانية، الى عقد قمة مصغرة أمس، جمعت رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر مع قادة من وسط وشرق اوروبا بهدف الاتفاق على أسلوب لمواجهة تدفق اللاجئين قبل دخول الشتاء.
والقمة المصغرة التي يقول ديبلوماسيون إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هي من سعت لعقدها تعد الأحدث في سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى للاتحاد الاوروبي والتي فشلت في الاتفاق على نهج مشترك بشأن كيفية التعامل مع تدفق آلاف المهاجرين يوميا إلى دول الاتحاد.
وقال يونكر في مقابلة مع صحيفة (بيلد ام سونتاج) الألمانية الاسبوعية «كل يوم يفرق وإلا فسنرى قريبا عائلات تموت بشكل مأساوي في الانهار الباردة بالبلقان».
وأضاف «التحدي الآن هو ابطاء تدفق المهاجرين والسيطرة على حدودنا الخارجية.
وعلينا أيضا توضيح انه لا يحق لمن لا يبحثون عن الحماية الدولية بين من يصلون إلى حدودنا دخول الاتحاد الاوروبي».
وقال فرانز تيمرمانز نائب رئيس المفوضية الاوروبية المسؤول عن تنسيق جهود الاتحاد الاوروبي في أزمة المهاجرين في مركز أبحاث فريندز أوف يوروب «ما كان غير متصور من قبل أصبح ممكنا اليوم وهو تفسخ المشروع الاوروبي».
ويقول بعض قدامى الخبراء في بروكسل ممن شهدوا أزمات سابقة كثيرة إن الارتياب المتبادل بين حكومات الاتحاد الاوروبي بلغ مستويات تدعو للانزعاج.
وفي حين تحث ميركل دول الاتحاد الاوروبي على فتح أبوابها وقلوبها للمهاجرين يرى زعماء آخرون أن الأولوية القصوى هي للسيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي لوقف تدفق المهاجرين وترحيل من لا يسمح لهم باللجوء ودفع أموال لدول ثالثة حتى تبقي اللاجئين على أراضيها.
ويتهم عدد من الشركاء في الاتحاد الاوروبي وعلى رأسهم رئيس وزراء المجر فيكتور اوربان ميركل بالتسبب في تضخيم موجة المهاجرين عندما قررت من جانب واحد في أغسطس الماضي قبول اللاجئين السوريين دون تطبيق قاعدة اوروبية تلزم طالبي اللجوء بالتقدم بطلب اللجوء في أول دولة يصلون إليها من دول الاتحاد الاوروبي.
ويقول مسؤولون ألمان إنها لم تفعل سوى الاعتراف بواقع انهيار لوائح الاتحاد الاوروبي التي فرضت عبئا ثقيلا على اليونان وايطاليا وإن الامر كان يستلزم استجابة انسانية.
ودفع الاقبال الشديد من اللاجئين على التوجه لالمانيا عبر المجر رئيس الوزراء أوربان لاغلاق حدود بلاده مع صربيا وكرواتيا ما أدى إلى سلسلة من ردود الفعل من جانب الحكومات المضغوطة.
وأدى ذلك إلى تكدس الآلاف في ظروف غير انسانية في دول غرب البلقان مع اقتراب فصل الشتاء.
واشتد التأييد لأحزاب اليمين المتطرف التي تنشر المخاوف من الأجانب والاسلام والارهاب في فرنسا والنمسا والدنمارك والسويد وهولندا، كما استغل المعارضون لبقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي الأزمة لدعم المطالبة بالتصويت للانسحاب منه في استفتاء من المقرر اجرائه.
وتعارض حكومات في وسط أوروبا وشرقها مطالب من برلين وبروكسل من أجل فرض حصص إجبارية من اللاجئين، وفي الداخل تواجه ميركل ضغوطا متزايدة في حزبها المحافظ لاغلاق الحدود الالمانية والحد من عدد المهاجرين، وقد خفضت حكومتها الامتيازات المخصصة لطالبي اللجوء وتعمل على التعجيل بترحيل من ترفض السلطات طلباتهم.
لكن هذه الخطوات دفعت دول البلقان الى التهديد بدورها بإغلاق حدودها ومنع دخول اللاجئين، بدعوى أنها لا تريد أن تكون منطقة عازلة لمنع اللاجئين من دخول أوروبا.
كما فتحت الأزمة الباب لتباين وجهات النظر بين مؤسسات الاتحاد الاوروبي إذ تعتبرها المفوضية الاوروبية تحت رئاسة جان كلود يونكر تحديا انسانيا على المدى البعيد لدمج اللاجئين في المجتمع الاوروبي.
وعلى النقيض فإن رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك رئيس وزراء پولندا السابق الذي يرأس القمم الاوروبية يصف موجة المهاجرين بأنها «تهديد» يجب «القضاء عليه» أو «احتواؤه» لاسيما من خلال دفع أموال لتركيا لابقاء اللاجئين السوريين على أراضيها.
ويمثل طوفان اللاجئين تحديات عميقة للمجتمعات الاوروبية الثرية التي ترتفع فيها نسبة كبار السن والتي كانت تواجه صعوبات للتكيف مع العولمة والتعددية الثقافية.
وهو يأتي في وقت حول فيه كثير من ناخبي الطبقة العاملة تأييدهم إلى اليمين المتطرف انطلاقا من الاستياء من البطالة وانخفاض مستويات المعيشة والهجرة.
وفي حين أن بعض زعماء أوروبا يصورون موجة اللاجئين على أنها قضية مؤقتة يمكن الحد منها بفرض قيود أفضل على الحدود قال تيمرمانز «أسوأ شيء يمكن أن نفعله هو تصوير الأمر للناس أننا إذا اتخذنا هذه الاجراءات فستتوقف المشكلة.
لا لن تتوقف.
فستظل معنا على امتداد جيل».
وحتى إذا تم التوصل لتسوية سلام في سورية وهو احتمال يبدو بعيدا فسيظل تحدي اللجوء والهجرة قائما.
وخلال مؤتمر حزب الشعب الاوروبي القوة المهيمنة بين حكومات الاتحاد الاوروبي وأكبر حزب في البرلمان الاوروبي أثار أوربان تصفيق الحاضرين عندما ندد بسياسة الانفتاح التي تنادي بها ميركل لانها ستجذب «المهاجرين بسبب عوامل اقتصادية واللاجئين والمقاتلين الأجانب»، وصور أوروبا على أنها «ثرية وضعيفة - وهذا أخطر مزيج ممكن».
ورغم أن كثيرين من الزعماء الاوروبيين قد يأسفون للأساليب التي يتبعها ولغة الخطاب التي يستخدمها فهم يدركون تمام الادراك التحدي الذي تمثله الأزمة لبقائهم السياسي وللتعاون على مستوى الاتحاد الاوروبي.
وقال أوربان للحاضرين «أزمة الهجرة ستحدد مستقبل أسرتنا السياسية.
نحن في مشكلة عميقة.
فأزمة الهجرة قادرة على زعزعة استقرار الحكومات والدول بل والقارة الاوروبية».