دخلت الحرب السورية عامها الثامن وسط مؤشرات تدل الى احتدام الصراعات والتعقيدات الإقليمية والدولية على أرضها، والى أن أمد الصراع سيطول لفترة إضافية بعدما كان الاعتقاد السائد نهاية العام الماضي أن سورية توشك على الانتقال من حالة الحرب الى مرحلة التسوية، استنادا الى اتفاقات أميركية ـ روسية والى مسار الأستانة الموازي لمسار جنيف.
وما عزز هذا الاعتقاد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سارع الى إعلان مبكر لنهاية الحرب وسحب الوحدات الرئيسية إيذانا بإطلاق عملية المفاوضات والحل السياسي، ولكن بدا أن الأمور عادت مرة جديدة الى دائرة الحرب، في مرحلة التصفيات النهائية والمراحل الحاسمة، مع فارق أن الحرب لم تعد داخلية بين نظام ومعارضة حتى في معركة الغوطة الحالية الأقرب الى هذا التوصيف، وإنما طغت عليها الأبعاد والامتدادات الإقليمية والدولية.
الحرب السورية تطورت من حرب أهلية الى حرب إقليمية بعد تدخل إيران وتركيا، والى حرب دولية باردة بعد تدخل روسيا عسكريا وقرار أميركا بالتدخل العسكري المقنع (عبر الأكراد) والبقاء عسكريا حتى بعد القضاء على «داعش».
سعت روسيا بعد أن أنقذ تدخلها العسكري وضرباتها الجوية نظام الأسد الى حفظ مكاسبها العسكرية عن طريق إبرام تسوية سياسية لها مشروعية دولية تساعدها على تعويض خسائرها في الصراع، ورمت خطة موسكو الأولية الى تدعيم موقف الأسد من طريق إضعاف الجماعات المعارضة.
وشملت الخطة كذلك فرض تسوية حقيقية لتقاسم السلطة بين النظام والمعارضة المسلحة، ولكن هذه الاستراتيجية لم تعد فعالة ومفيدة.
روسيا أخفقت في أداء دور الوسيط بين النظام والمعارضة، ومناطق خفض التصعيد طويت وانتهى العمل بها، والمنطقة الوحيدة التي لايزال خفض التصعيد فيها ساريا تقع في جنوب غرب سورية وهي ثمرة تفاوض روسي- أميركي خارج عملية الأستانة، ولضمان الحصول على النفوذ والتأثير السياسي، يحتاج الروس الى المرابطة على الأرض للإمساك بها والسيطرة، ولكنهم يعتمدون في الأغلب على القوة الجوية. أما من يتحكم بالميدان ويبسط سلطته على الأرض فهو إيران.
وهي تلتزم استراتيجية توريط روسيا، في وقت تبدو غير واقعية رهانات وآمال الأميركيين بتقويض نفوذ إيران في سورية أو بإحداث شرخ بين إيران وروسيا.
الرهان على خلاف إيراني ـ روسي في سورية وعلى سورية أمر مستبعد حتى الآن، لكون المستفيد الأول من هذا الخلاف هو واشنطن، ولحاجة كل طرف الماسة للآخر في سورية، وللمصالح التي تربط كل من روسيا وإيران على مستوى المنطقة والتي تتجاوز النطاق السوري.
إن هذا الواقع يثبت الوجود الروسي والإيراني في سورية الواقعة تحت سيطرة الأسد، الأسد في نظر الأميركيين هو المنتصر حتى الآن، قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف فوتيل قال قبل أيام في مجلس الشيوخ إن الأسد انتصر بدعم من روسيا وإيران، وسياستنا الخاصة في هذه المرحلة لا تسعى الى إطاحة الأسد، وتركيزنا لايزال منصبا على هزيمة تنظيم «داعش».
الاستراتيجية الأميركية في سورية لا تزال ضبابية، وكان الوجود الأميركي في سورية تتحكم به عدة عوامل أبرزها: محاربة ما تبقى من «داعش» واجتثاثه من سورية - مواجهة النفوذ الإيراني المستفحل في المنطقة انطلاقا من سورية، وحيث لا يمكن لأميركا أن تترك الميدان وترك الساحة لإيران ـ البقاء في شرق سورية التي يصح وصفها بـ «سورية المفيدة» كونها تحوي الثروات النفطية والغازية والزراعية والمائية.
في العام السابع للحرب طرأ عاملان مهمان:
ارتفاع درجة التدخل التركي الى حد التورط في المستنقع السوري على أساس مشروع ضرب الكيان الكردي وإقامة شريط حدودي آمن، ودخول إسرائيل كلاعب جديد، بعدما ظلت غائبة عن التأثير المباشر، وفي ظل مسار تصادمي مع إيران المصرة على التواجد العسكري الدائم في سورية، في حين تصر إسرائيل على منع بناء هذا الوجود.
وأما وقد تعددت الأطراف فإن استعادة النظام السوري السيطرة الكاملة باتت مستبعدة، إذ لا عودة للنظام الى الشمال الذي استحوذ عليه الأميركيون بواسطة الأكراد واستحصل الأتراك على رقعة منه، ولا عودة الى الجنوب الذي يتشارك الأميركيون والأردنيون والإسرائيليون الإشراف عليه، فيما يتقاسم الروس والإيرانيون والنظام وسط البلاد لكن بوضعية صراعية مرتبكة.
إذا لم تكن هذه أولى ملامح التقسيم أو تقاسم النفوذ بالتوافق الضمني الموقت فلا بد أنها خطوط المواجهات المحتملة على طريق التقاسم الدائم.