التدهور في الموقف بين إسرائيل وإيران بدأ، عندما قصفت إسرائيل قاعدة جوية إيرانية في حمص داخل مطار الـ «تي فور» وقتل جراءها ١٤ شخصا، بينهم سبعة ضباط إيرانيين.
وقد تعهدت إيران رسميا وعلنا بالانتقام.
الإثنين الماضي، قال بهرام قاسمي، الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إن «إسرائيل ستتلقى ضربة، آجلا أو عاجلا، على هذه العملية العدوانية.
فقد انتهى الزمن الذي كنتم فيه تضربون وتهربون بلا حساب».
وردت إسرائيل على التهديد، إذ قال مسؤول إسرائيلي أمني كبير إنه «في حال اندلعت مواجهة عسكرية مع إيران في سورية، فإن إسرائيل ستسقط النظام السوري».
ثم نشر الصحافي توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» تصريحا اعتبره «زلة لسان» من ضابط برتبة رفيعة في الجيش الإسرائيلي، قال خلاله إن إسرائيل هي التي ضربت القاعدة الإيرانية وقتلت الضباط الإيرانيين.
ثم نشرت أنه تم «بالخطأ استدعاء قوات الاحتياط في إسرائيل، وذلك نتيجة لخلل في الحاسوب».
وحسب مسؤول إسرائيلي فإن الخطأ لم يكن خطأ وزلة اللسان لم تكن زلة لسان، إنما هي أمور تندرج في إطار الخطط الحربية.
قبل يومين، خلال لقاء مع ديبلوماسيين أجانب معتمدين لدى إسرائيل، طلب بنيامين نتنياهو مناشدة دولهم تبني الخطاب المناهض لإيران، حيث قال إنها «تشكل عدونا جميعا، هي عدو لإسرائيل وللعالم العربي وللحضارة فهي تعلن على الملأ وتجاهر هذه الأيام وفي عام ٢٠١٨ والقرن الواحد والعشرين بتدمير إسرائيل».
وجاء رد طهران من خلال تصريحات نائب قائد الحرس الثوري حسين سلامي، الذي هدد على هامش خطبة الجمعة في طهران بفتح جبهتين عبر حرب صاروخية وبرية من شمال وغرب إسرائيل، في إشارة إلى شمال لبنان وقطاع غزة، وقال «جاهزون للضغط على زناد البنادق والصواريخ».
وردا على القيادي الإيراني، قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان «لا تجربونا.
نحن جاهزون ليس فقط للجبهة الشمالية بل لعدة جبهات معا».
وأضاف «نحن نسمع مثل هذه التهديدات الإيرانية منذ أعوام طوال ولا نتأثر».
في موضوع الحرب المفترضة أو الواردة بين إسرائيل وإيران في سورية، نتوقف عند ثلاثة آراء وتوقعات لخبراء ومحللين في إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة:
١- الخبير العسكري الإسرائيلي أليكس فيشمان يعتبر أن تسلسل الأحداث خلال الأسبوع الأخير في إسرائيل، والذي شمل سلسلة من الأخطاء، لم يكن مجرد مصادفة، بل هو إستراتيجية تتبعها إسرائيل، هدفها الدخول لمواجهة عسكرية مع إيران على أرض سورية.
وأضاف أنه بعد الأسبوع الأخير، بات «من الصعب التخلص من الانطباع الذي يقول إن أحدهم يحاول دفع الإيرانيين لفقد صوابهم، وأن الفكرة هي الخروج عن معادلة «ضربة مقابل ضربة»، وأن التوجه هو اتخاذ خطوة مدوية أكثر».
وتابع «كما يبدو فإن إسرائيل تسعى لمواجهة عسكرية في المرحلة الحالية، أي قبل أن تتمركز إيران نهائيا في سورية، وأنها قد تسعى لاتخاذ خطوة من شأنها الدفع بالإيرانيين والنظام السوري للرد، وعندها سيكون الرد الإسرائيلي عنيفا لدرجة تدمير مراكز القوة الإيرانية وتلك التابعة للنظام السوري، لمنع الانتشار العسكري الإيراني في سورية، حتى لو كلف الأمر مواجهة عسكرية مباشرة».
وأشار فيشمان إلى أن «الاستنتاج الإسرائيلي في هذه المرحلة هو أن الطرق الديبلوماسية والضربات العسكرية المحدودة التي تنفذها لم تعد تفي بالغرض، وأن عليهم اتخاذ خطوات جديدة، وهي إخماد النار بمزيد من النار، على أمل أن تتمكن إسرائيل من السيطرة على حجم اللهب طوال فترة الإخماد، وهذه السياسة تحتوي على مقدار كبير من المخاطرة».
وتتوقع إسرائيل حاليا أن تتدخل روسيا في الموضوع وتقبل الخطوط الحمر التي تضعها وترفض بموجبها أي وجود عسكري إيراني في سورية.
وتقول إنه لا توجد لروسيا مصلحة في مواجهة بين إيران وإسرائيل في الوقت الحاضر، إذ إن من شأنه أن يعلق وربما ينسف كل الاتفاقيات والتسويات التي توصلت إليها روسيا في سورية حتى الآن.
٢- وزير خارجية بريطانيا السابق مالكولم رفيكيند يعتبر أن الأكثر خطورة حاليا من الملف النووي هو ملف سياسة إيران في سورية.
وأوضح أن سياسة إيران لا تقوم فقط على دعم رئيس النظام بشار الأسد للبقاء في السلطة، بل مد نفوذها الى المتوسط من خلال إقامة رابط حسي ملموس، في إشارة الى سعي الإيرانيين الى إقامة ممر يربط حدودهم بشواطئ المتوسط من خلال أراضي العراق وسورية ولبنان.
وتابع: «الذي حصل الآن خطير.
فقد أقامت إيران قرب حمص قاعدة طويلة الأمد (في مطار «تي فور»)، ومنها تم إطلاق طائرة «درون» أسقطتها إسرائيل التي ردت بضرب القاعدة وقتلت فيها إيرانيين.
إسرائيل تشعر بقلق الآن.
حزب الله على حدودها مع لبنان ولديه آلاف الصواريخ التي وفرتها له إيران.
والآن على حدودها مع سورية يتكرر الأمر نفسه، حيث يتم تصنيع صواريخ إيرانية على الأرض السورية ولم تعد هناك حاجة الى استيرادها من إيران».
٣- السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد يقول إن ثمة اتفاقا واسع المجال بين المحللين السياسيين في واشنطن الآن على أن الحرب بين إسرائيل وإيران في سورية باتت أمرا لا مفر منه.
ولا يعرف أحد متى - على وجه التحديد - ستنشب هذه الحرب، لكن الموقف الراهن بين إسرائيل وإيران يتغير ويختلف بوتيرة سريعة.
ويضيف: لم تكن حالة التوتر لدى الجانب الإسرائيلي مرتفعة بشأن الحرب الأهلية السورية.
ولم تكن تجرى أي اتصالات رفيعة المستوى بين واشنطن وإسرائيل بشأن الأزمة السورية.
بيد أن التوجهات الإسرائيلية اختلفت كثيرا الآن، إذ أخبرني أحد ضباط الجيش الإسرائيلي، الذي يزور واشنطن حاليا، أن القوات الإيرانية تملك صواريخ أكثر دقة وأطول مدى من الصواريخ التي كانت بحوزة حزب الله اللبناني في عام ٢٠٠٦.
ويساور الجانب الإسرائيلي القلق بشأن الهجمات الصاروخية الهائلة الآتية من سورية ولبنان، التي قد تطغى على الدفاعات الإسرائيلية المضادة للصواريخ.
كما يساورهم قلق مماثل من أنه في أي مواجهة برية، سيضطر الجيش الإسرائيلي إلى خوض حرب، ليس ضد حزب الله اللبناني فحسب، وإنما ضد المقاتلين المحنكين من الميليشيات العراقية، وربما ضد «فيلق القدس» الإيراني ذاته.
وقد قال الجانب الإسرائيلي إن تل أبيب لن تقبل بالوجود الدائم للقوات الإيرانية في سورية، وستتخذ الإجراءات العسكرية اللازمة ضد هذا الوجود إذا لزم الأمر.
كما أنهم يحذرون من أن الحرب المقبلة لن تشمل سورية فقط، بل لبنان أيضا.