دمشق - هدى العبود
بحضور رسمي عالي المستوى وجماهيري وشعبي غصت به قاعة دار الاوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون في قلب العاصمة السورية دمشق بدأت الفنانة الكبيرة السيدة فيروز منذ أمس ولمدة ثمانية أيام تقديم مسرحيتها الغنائية «صح النوم».
وبعد غياب دام عشرين عاما عادت السيدة فيروز الى وطنها الثاني سورية والى محبيها وعشاق صوتها الملائكي لتقدم فنها الراقي الجميل ضمن انشطة احتفال «دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008»، وتقدم الحضور الرسمي نائب الرئيس السوري فاروق الشرع والسيدة عقيلته وحشد كبير من الوزراء من بينهم وزير الثقافة د.رياض نعسان آغا والسيدة عقيلته، ووزيرة المغتربين د.بثينة شعبان، ووزير الدفاع السابق العماد أول مصطفى طلاس اضافة الى حشد كبير من السفراء العرب والأجانب المعتمدين بدمشق وعقيلاتهم ورؤوساء الجامعات السورية، وشخصيات معروفة في جميع الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وما أن أطلت السيدة فيروز حتى بدأ الحضور بالتصفيق وبدا وكأن القاعة تتجلجل من تحت أقدامهم، وكأنهم عاتبون عليها بمحبة لغيابها ومن خلال تصفيقهم والدموع التي ملأت مآقيهم يقولون سيدة الصوت الملائكي فيروز، طال غيابك عن سورية عن دمشق التي تتشوق لرؤياك عن مسرح افتقدك وعن جمهور استعاض عن حضورك بصوت رافقه في صباحه ومسائه.
دار الأوبرا، التي ستسعد على مدى ثمانية أيام بلقاء السيدة فيروز غصت عن آخرها بمحبي فن فيروز وحضورها ولم يقتصر الاحتفاء بسيدة القلوب على مستوى القائمين على «احتفال دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008» بل تعدى ذلك إلى مختلف وسائل الإعلام من تلفزيون وإذاعة وصحافة، وكل ذلك وصوت فيروز يتغنى به الكبير والصغير وهي تقول: شآم أهلوك أحبابي - اذا هم على نوب قلبي على نوب، كما تفاعل الجمهور السوري مع أداء الفنانة الكبيرة التي تغنت بدمشق عبر أبدع القصائد والالحان، وبادلها المحبة التي لم تنقطع بين فيروز والرحابنة وسورية، في أجواء من الطرب والحنين يحفزه عشق موسيقا الرحابنة وألحانهم الراقية التي طالما تغنوا فيها بمجد سورية.
عطرت الشام
«الأنباء» رصدت انطباعات كبار المسؤولين السوريين الذين حضروا المسرحية وخرجت باللقاءات التالية:
في البداية وزير الثقافة د.رياض نعسان آغا قال: لم يغن للشام مبدع أعذب مما غنت فيروز ولم تعطر الشام سلاما أطيب شذى مما عطرت لفيروز، وما زلنا نتذكر منذ صغرنا كيف كنا نهرع الى مسرح معرض دمشق الدولي نبحث عن بطاقة نشتريها لحضور حفلة للسيدة فيروز وأملنا أن نراها وهي تسكب في قلوب عشاق صوتها نشوة الابداع الإلهي، واضاف انا أعبر عن اعتزازي بصداقتي مع الفنان الكبير منصور الرحباني الذي جمع ذروة من مواهب الشعر والمسرح والتلحين، اليوم ترحب الشام بفيروز التي لم تغادر وجدانها يوما وستبقى فيها تردد اعتذار غيابها الحاضر: قد غبت عنهم وما لي في الغياب يد.. أنا الجناح الذي يلهو به السفر.
من جانبها قالت الدكتورة بثينة شعبان وزيرة المغتربين: لا توجد عاصمة في العالم غنت لها السيدة فيروز كما غنت لدمشق الشآم، علاقة دمشق مع فيروز والرحابنة تعود الى خمسينيات القرن الماضي حين بدأوا بتسجيل بعض أغنياتهم في اذاعة دمشق، واذا كانت إذاعة دمشق هي مهد الأغنية الرحبانية الأول، فإن مسرح معرض دمشق الكبير قد سجل على خشبته احلى ذكريات فيروز، وهذا الحضور الكبير من نخبة المجتمع السوري والعالمي والعربي دليل قاطع على أنها فنانة القلوب.
وسام الاستحقاق
اما د.محسن بلال وزير الإعلام السوري فاوضح ان علاقة الرحابنة وفيروز مع دمشق ليست علاقة عابرة سبيل، انها علاقة تعود الى سنة 1952، ولا ننسى انه في عام 1967 تم تكريم السيدة فيروز بوسام الاستحقاق السوري، وفي عام 1972 قدم القائد الراحل حافظ الأسد طائرة خاصة لنقل الموسيقار الكبير عاصي الرحباني للعلاج في فرنسا بعد أن أصيب بجلطة دماغية، فيروز مرحب بها بين أهلها ومحبيها فأهلا وسهلا بها.
بدوره اشاد أمين معاون وزير الإعلام د.طالب قاضي قائلا: بزيارة السيدة فيروز الى وطنها الثاني دمشق تتزين البلاد بالورد والياسمين وتعتز وتشمخ عاليا، فحين تغني ملكة الصباحات الجميلة ينحني لها الفن اكبارا واعجابا بروعة صوتها ويتمايل الكون طربا فيعجز الكلام عن التعبير عما يعتلج في الروح من مشاعر أحبها صغارنا قبل كبارنا احترمها شيوخنا بحضورهم بيننا في قاعة الاوبرا، فيروز رمز للعروبة وللهوية القومية وللثقافة المتأصلة بداخلنا.
دفء الصوت
وفي السياق ذاته اعلن د.مهدي دخل الله رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لحزب البعث الحاكم وزير الاعلام السابق قائلا: ليس غريبا أن تكون فيروز في دمشق الفيحاء وهي المدينة التي احتضنتها وفنها منذ بداياتها الأولى لكن الغريب ان تغيب فيروز عن دمشق أكثر من عشرين عاما واظب خلالها الجمهور السوري على سماع صوتها يتدفق عبر اذاعاتها في كل صباح باعثا الدفء والأمل في النفوس، سورية التي قدمت المسرحي اللامع أبو خليل القباني وصباح فخري وميادة الحناوي تقدر تماما فن الرحابنة وتعطيه حقه وقيمته التي يستحقها.
من جانبها تحاول فيروز إقناع الأهالي بأن يدعوا الوالي نائما، لكنهم يوقظونه في النهاية ليرى ما تم إنجازه. وسرعان ما يكتشف سرقة الختم عندما يبدأ بختم المعاملات، وباستجواب قصير تعترف قرنفل بفعلتها. ويأمر بمعاقبتها بأن تربط على فرس وحشية وتُترك لتهيم على وجهها. وهنا تبرز المشكلة، يحتاج هذا الأمر للختم أيضا، وبذلك تقترح قرنفل النزول إلى البئر لتبحث عن الختم، وتجده وتعيده إلى الوالي الذي يسامحها على جريمتها ويوكل إليها مهمة ختم جميع الطلبات. وبالفعل فإن القائمين على المسرحية يصممون بئرا خصيصا لهذه الغاية تنزل به قرنفل (فيروز) لإحضار الخاتم وتغني من داخله وتستمر عروض المسرحية التي يلعب الادوار الرئيسية فيها الفنانون: فيروز وانطوان كرباج وايلي شويري وآخرون حتى الرابع من شهر فبراير المقبل على مسرح دار الاوبرا بعد أن تم تمديد عرض المسرحية يومين اضافيين بسبب الاقبال الجماهيري اللافت.
200 دولار للبطاقة
الى ذلك تتراوح أسعار بطاقات الحضور من 40 دولارا إلى 200 دولار علما بأن ريع البطاقات سيرصد لتمويل مشروع ثقافي ضمن إطار الاحتفال. وتقدم السيدة فيروز مسرحية «صح النوم» تأليف وألحان الأخوين رحباني للمرة الثانية في دمشق، بعد أن سبق وقدمتها عام 1971، وهذا يشكل فرحة استثنائية وخاصة لجيل تسنى له حضورها في نسختها الأولى، ليروا فيها تجديدا برز على أكثر من صعيد، خاصة في التوزيع الموسيقي، حيث قام نجلها الموسيقار زياد الرحباني بإعادة تسجيلها محافظا على «روحها» كما سبق وفعل في كثير من أغاني الرحابنة (ألبوم إلى عاصي 1995 وحفلات بيت الدين 2000، 2001، 2003 ودبي 2003) وان كان التدخل في التوزيع جاء هذه المرة بدرجة أقل، ومبرزا في الوقت ذاته جمال الأغاني والفواصل كاشفا عن مواطن القوة فيها عن طريق إغناء توزيعها وإدخال إيقاعات جديدة إلى بعضها، مثل المقدمة الموسيقية في كلا الفصلين، وأغنية «يا هالبير» التي غدت بإدخال الوتريات عملا أوركستراليا ولا أجمل. إضافة لهذا قام الرحباني الابن بإبراز دور الكورس على الخشبة عبر استخدام مجموعة إنشاد مستقلة، ومشاركة العازفين لفيروز على المسرح كما يفعل عازف الطبل الذي يرافقها في عدة مشاهد. كما يبرز التجديد بأداء لافت للسيدة فيروز لم تنقص من روعته السنون بل زادته نضجا وتعبيرا، حيث تجوب المسرح طولا وعرضا، وهي «قرنفل» العفريتة صاحبة الشمسية، المعترضة على الظلم الواقع عليها، فتسعد الحاضرين بتعبيرها وروحها المرحة.
قصة المسرحية
يذكر بأن مسرحية صح النوم قد قدمت بنسختها الأولى على مسرح البيكاديلي في بيروت في السبعينيات، أما النسخة الجديدة، فقد قدمت لليلة واحدة ببعلبك في صيف 2006، ومن ثم توقف العرض نتيجة العدوان الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، ليعاد تقديمها على مسرح (بييل) في بيروت ليلة بدء الاعتصام الشعبي في بيروت (ديسمبر 2006)، ومن ثم في عمّان في شهر نوفمبر 2007. وعلى ما يبدو انه تم اختيار هذه المسرحية بالذات منطقيا كونها لا ترتبط بحقبة معينة من تاريخ لبنان والمنطقة بشكل عام، وبذلك تخلو من الإسقاطات السياسية والتاريخية، ومن المباشرة في الخطاب السياسي على عكس مسرحيات أخرى كـ«جبال الصوان» 1969 و«بترا» 1977.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )