عبدالحميد الخطيب
ليلة هي الأخيرة في هذا العرس الفني، حيث حملت مسك الختام في مهرجان الخرافي الخامس للإبداع المسرحي، وذلك بعرض مسرحية «اضحك انت عربي»، التي بدأت من وسط الجمهور، حيث دخلت مجموعة المشاركين بالعرض وهم يهتفون «باع، باع، العربي باع» هنا يتحدث احدهم قائلا: سأقص عليكم حكاية هزلية تروى عربنا المبيع، كلمات العروبة المتجسدة في الروح الميتة التي تأكل وتنام بلا نفع ولا فكر ولا عناء.
ويستطرد قائلا: «هان مان» صرخة رجل عربي مهان لنلبس الرداء الاسود ولنبك على أيام زمان، فنحن بحكم شرقيتنا نلعن الظلام الف مرة ولا نوقد القنديل لينير لنا الطريق، نكثر الكلام حذلقة، ونعشق فن التمثيل لدرجة ان العروبة اصبحت رذيلة والشرقية لعنة، وينادي الجميع على المسرح «اضحك انت عربي» ويكمل هذا الشخص قائلا: يا أصحاب العربية والعيون العسلية اخجلوا قليلا واخلعوا قناع الشرف فلستم الا في البلاد العربية، حاولوا ان تفرقوا بين جد المعاملة والجدلية. فيرد عليه الموجودون «اضحك انت عربي»، فيستطرد الرجل المستنكر للاوضاع العربية في كلامه حيث يقول: لا عتب ان يدعي الجاهل العلم ويجلس على مقاهي العبقرية، فكلها مسائل شخصية، فنحن نعيش في زمن الشعارات الفارغة فـ «اضحك انت عربي» ويوجه كلامه للجمهور «عربي كلمة السر الواقفة وراء الطبالين والشعراء في طابور المعاش بهذا الواقع المرير».
يقوم الممثلون على المسرح بأداء ادوار للدول العربية وما تعانيه فيخرج هذا العاجز الذي يسأل الناس عن كيلو كرامة لوجه الله، وهذا الآخر الذي يريد حسنة قليلة لكي يمنع بها مشاكل كثيرة والبنت التي تريد عريسا تتزوجه.
مشاكل ورغبات
يسألهم الرجل المثقف: ما مشاكلكم ومطالبكم حتى أستطيع توفيرها لكم؟ فيخبرونه برغباتهم وهنا تأتي له فكرة حيث يقرر ان يكتب كتابا مضمونه مشاهد مختلفة من قصص هؤلاء العرب، ما يعطي انتشارا كبيرا لمشاكلهم بحيث يصل صوتهم لكل العالم من حولهم وبالفعل يبدأ في تطبيق هذه القصة عليهم ويأتي مشهد الاوتوبيس الذي حمل جرأة عالية من فرقة مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث يوجد بالحافلة خبير انجليزي وآخر صيني ورجل ايطالي ويتناقشون حول سبب وجودهم بالوطن العربي فيقول الانجليزي لأن احدى الآلات تعطلت فأتيت لاصلاحها حيث وقع منها برغي، اما الايطالي فقال: انني أتيت لأوقع صفقة كبيرة للاحذية، فيسأله الصيني لماذا تعقد صفقة للاحذية وأنت متخصص بالقبعات؟ فيجيب: ان اكثر شعوب العالم احتياجا الى الاحذية هي الشعوب العربية، فهم يهتمون بالارجل اكثر من الرؤوس في هذا الوقت يتوقف الباص ليقل رجلا عربيا وزوجته وتدور المشاحنات، فيتحول الرجل الى امرأة والمرأة الى رجل، وهنا يضحك عليهم الخبراء الاجانب، ويقولون لولا هذا التفكير المتحجر من هؤلاء العرب لما استطعنا ان نعقد الصفقات الكبيرة، فلابد ان يكونوا دائما بحاجة لنا.
صنع الحضارات
مشهد آخر، حيث يوجد معلمة وثلاثة طلاب اولهم سيزوكي وهو تلميذ ياباني والثاني جي دبليو جاك وهو اميركي والثالث قحطاني وهو عربي وتسألهم المعلمة كيف يمكن ان نصنع الحضارات، فيقول سيزوكي من خلال الاختراعات والماديات، فتقول له المعلمة لا يمكن صنع الحضارات بالماديات وننسى الحب، ويتدخل جاك معهم في الحديث، حيث يخرج من مخبأته مسدسا، معتبرا اياه صانعا للسلام، فتعترض المعلمة على هذا الاسلوب في صنع الحضارة، وتتوجه بسؤالها الى قحطاني الذي يقول لها ان صنع الحضارات يعتمد على استرجاع التاريخ والقدرة على التفكير في التطوير الذي يخضع للحالة الموجودة بين الشعوب والتي يجب ان يسودها السلام في هذه الاثناء يقوم هرج ومرج على المسرح متعجبين من هذه الآراء العربية.
تتجه المسرحية الى النهاية مع هذا الصوت الذي يمثل صوت صلاح الدين الايوبي عندما يسأل العربي عن احوال القدس والوطن العربي، فيجيبه العربي نحن بأفضل حال وأصبحت لدينا المحطات الفضائية المتلاصقة بعضها الى جانب بعض، وكذلك نحب الفروسية ونمتلك عددا هائلا من الخيول، والغرب لديه دبابات وطـــــائرات ولكن عزاءنا أننا متـــــحدون في القوة، ولكن للاسف افكارنا غربية يقفل الستار على هذا الصوت الذي تحسّر كثيرا علـــــى ما وصلت اليه احوال العرب.
مسرحية «أضحك أنت عربي» كانت موفقة في تناول الاوضاع السائدة واستــــطاعت حمل انتقــــادات مــــباشرة للاوضاع العربية. فالــــرجل العربي المهان والمعاناة والتراجع الــــذي يعانيه تجعلنا بالفعل نلبس الرداء الاســــود ونعيش في الظلام ونبكى ايام زمان، وذلك ما بينه المخرج علي الحسيني في هذه الرؤية الرائعة والاستيعاب المميز للقصة وخصوصا في مشهد الاتوبيس الذي أظهر لنـــــا مــــدى احتياج الدول العربية للدول الغربية الــــتي تسيطر على كل شيء في حياتنا حتى عقولنا.
المؤتمر الصحافي
بعد انتهاء عرض مسرحية «اضحك انت عربي» اقامت اللجنة المنظمة لمهرجان الخرافي الخامس للابداع المسرحي مؤتمرا صحافيا وذلك بحضور د.عبدالله الغيث عميد المعهد العالي للفنون المسرحية ود.فهد سليم رئيس قسم الاخراج والتمثيل، والمخرج علي الحسيني حيث استهل المؤتمر الزميل عبدالستار ناجي الذي هنأ المشاركين في المسرحية على هذا العمل الذي فجر فينا الهم القومي وجعلنا نعيش معهم كل لحظة في العرض.
من جانبها أكدت الزميلة غادة عبدالمنعم انها شعرت باطالة في النص ورتابة في بعض الاحيان.
اما الزميل مفرح حجاب فأشار الى ان العرض كان مميزا ولكنه افتقد اثارة الاحداث في بعض المناطق الدرامية مما اعطى ايحاء بان هناك اطالة ورتابة في المسرحية.
بدوره ألمح الزميل عماد جمعة الى ان المسرحية حركت فينا الروح الوطنية وقال ان النص احتوى على الكثير من الخطب والشعارات مما جعل الحالة الفنية ليست مكتملة كما انه لم يشعر بدخول الممثلين الى العرض الا بعد مرور اكثر من مشهد وتطرق الى التوظيف الجيد للسينوغرافيا والازياء واثنى على الجهد المبذول رغم سطحية الفكرة.
تعب وجهد
من جانبه وجه د.عبدالله الغيث شكره لجميع المشاركين في العرض واكد ان المسرحية هي نتاج تعب وجهد طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية وجاءت المسرحية تأكيدا لايمان المعهد بدوره في صنع شباب قادرين على الابداع.
اما د.فهد سليم فاعتبر ان البداية الحقيقية للمسرح بالمعهد جاءت مع عرض «اضحك انت عربي» حيث اكد انه استمتع كثيرا عندما شاهد هذا الانجاز الكبير والرسالة الراقية التي اوصلها طلاب المعهد من خلال العرض مما اظهر الامل والطموح لدى الجميع الى تحقيق المستحيل. واوضح ان مشاركة المعهد العالي للفنون المسرحية هي خالصة من الالف الى الياء لطلاب المعهد تحت مظلة ورعـــاية ادارة المعهد العالي للفنون المسرحية التي تحاول ان تقدم جيلا مميزا يرفع راية الفن الكويتي.
بدوره تقدم المخرج علي الحسيني بالشكر لادارة المعهد لثقتها به وهنأ زملاءه المشاركين في العرض على الاداء المتميز حيث قال: ان ما صنعوه اليوم هو واجبهم تجاه الجمهور والمعهد واكد ان النص هو قصة لكاتب سوري وحاول بقدر استطاعته ان تخرج بصورة مترابطة وبرؤية اخراجية متكاملة واضاف ان العرض استمر لمدة ست وستين دقيقة ولم يتجاوز الوقت المقرر للعرض حسب لائحة مهرجان الخرافي التي تنص على ان تكون مدة عرض المسرحية بين ثلاثين الى خمس وسبعين دقيقة.
واشار الى ان النص مباشر حتى لا تضيع الحبكة المسرحية ولنقل الواقع كما يعيشه الناس وتوصيل فكرة العروبة بمصداقية.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )