بيروت ـ ندى مفرج سعيد
الأربعاء 26 نوفمبر 2014 صباح لن ينساه اللبنانيون الذين استفاقوا على خبر وفاة شحرورة لبنان صباح عن عمر يناهز 87 عاما.
حقيقة ليست شائعة بعد ان قضت شائعات بالمئات على حياتها منذ سنوات وكان آخرها منذ يومين.
وكانت الصبوحة «عاشقة الحياة» تنفيها بابتسامة.
فارقت الحياة الثالثة فجرا بهدوء وهي نائمة ووصيتها أن يكون وفاتها «يوم فرح».
فجر الأربعاء 26 الجاري أمطرت صفحات التواصل الاجتماعي لكل اللبنانيين بخبر وفاة الشحرورة مقرونة بصورها، وتصدر خبر موتها نشرات الأخبار الصباحية.
رحلت صباح وقد نشرت الخبر صفحة الفنانة صباح بإدارة كلودا بعبارات جاء فيها: «يا أحباب الصبوحة، الصبوحة اليوم راجعة على ضيعتا عالأرض اللي حبتا وحبتا، الصبوحة اليوم راحت عالسما عند الرب الكبير راحت عند اهلا واخوتا اللي اشتاقتلن كتير، صباح الحياة صباح الفرح صباح الابتسامة المشرقة دايما صباح الضحكة المرسومة باصعب الاوقات، بتودعكن وبتقلكن ما تبكوا وما تزعلوا عليي وهيدي وصيتي الكن، قالتلي قوليلن يحطوا دبكة ويرقصوا بدي ياه يوم فرح مش يوم حزن، بدي ياهن دايما فرحانين بوجودي وبرحيلي متل ما كنت دايما فرحن، وقالتلي قلكن انه بتحبكن كتير وانو ضلوا تذكروها وحبوها دايما، يا احباب الصبوحة، الصبوحة ما عادت موجودة معنا بجسدا في هاللحظة، الساعة 3 فجر اليوم طلعت روحا الى الخالق وهي نايمة، حتى في رحيلها كانت هنية ومتل النسمة وما زعجت حدا ولا تعبت حدا، الصبوحة رحلت بالجسد بس رح تضل موجودة بقلوبنا الى الابد، رح نشتقلك كتير كتير كتير يا حبيبتنا، يا ريت كان بايدنا نعطيكي كل لحظة من عمرنا ونخليكي معنا اكتر واكتر.
بس هاي ارادة ربنا، منحبك صبوحة منحبك للأبد وما رح ننساكي ابدا ابدا الله يرحمك يا صبوحة ويغفرلك وتكون نفسك بالسما مع الابرار والقديسين، رجاء كلكن ترفعوا الصلوات هلق لراحة نفس الصبوحة».
الأسطورة
هي صباح التي صنعت إمبراطوريتها بنفسها وبسنوات من العذاب. ولدت جانيت فغالي في حي الفغالية في وادي شحرور في العام 1927.
ورسمت مسيرتها بصوتها وحضورها على المسارح وعبر الشاشة الصغيرة وفي أدوارها السينمائية.
من لبنان الى مصر والعالم العربي، وصولا الى العالم، أطلت ودخلت قلوب الجماهير وعشقها اللبنانيون والعرب.
عرفت بالعديد من الألقاب منها: الاسطورة والشحرورة والصبوحة، وتركت الفنانة صباح خلفها الكثير من الأعمال الفنية الخالدة اذ إن لها 83 فيلما بين مصري ولبناني، و27 مسرحية لبنانية، ومايزيد عن 3500 أغنية بين مصري ولبناني، وتعتبر ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم في أواخر الستينيات تغني على مسرح الأولمبيا في باريس مع فرقة روميو لحود الاستعراضية وذلك في منتصف سبعينيات القرن العشرين، كما وقفت على مسارح عالمية أخرى كأرناغري في نيويورك ودار الأوبرا في سيدني، وقصر الفنون في بلجيكا وقاعة ألبرت هول بلندن، وكذلك على مسارح لاس فيغاس.
سيرتها الفنية
بدأت صباح مسيرتها الفنية في النصف الثاني من القرن الماضي من مقاعد الدراسة، حيث لفتت الحضور ببطولتها في احدى المسرحيات، وتحولت الى مطربة قبل أن تحترف التمثيل بموازاة الغناء، وكانت البداية الفنية من لبنان، حيث لفتت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية الأصل آسيا داغر التي كانت تعمل في القاهرة، فأوعزت إلى وكيلها في لبنان قيصر يونس لعقد اتفاق معها لثلاثة أفلام دفعة واحد، وكان الاتفاق بأن تتقاضى 150 جنيها مصريا عن الفيلم الأول ويرتفع السعر تدريجيا، فذهبت الصبوحة إلى مصر - اسيوط برفقة والدها ووالدتها وحلوا ضيوفا على آسيا داغر في منزلها بالقاهرة، وكلف الملحن رياض السنباطي بتدريبها فنيا ووضع الألحان التي ستغنيها في الفيلم، وفي تلك الفترة اختفى اسم «جانيت الشحرورة» وحل مكانه اسم «صباح» في فيلم «القلب له واحد»، ويقال ان السنباطي لاقى صعوبة كبيرة في تطويع صوتها وتلقينها أصول الغناء لأن صوتها الجبلي كان مازال معتادا على الأغاني البلدية المتسمة بالطابع الفولكلوري الخاص بلبنان وسورية، وهي شقيقة الممثلة لمياء فغالي.
بعد المشاركة في أوبريت وطني الأكبر والعديد من الأعمال المصرية وتبرعها بعائدات حفلاتها التي أقامتها في مصر لصالح المجهود الحربي، قام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بمنحها الجنسية المصرية عام 1963 تكريما لها وعن ذلك تقول صباح في إحدى مقابلاتها: منحني عبدالناصر الجنسية المصرية ولم يسحبها مني كما تردد، بل أنا من تخليت عنها، لأنني كلما أردت السفر لزيارة لبنان للغناء، كان علي الانتظار طويلا للحصول على إذن السفر، وفي إحدى المرات بعدما حصلت عليه، وكنت في الطائرة متوجهة للمشاركة في «مهرجانات بعلبك»، تم إنزالي من الطائرة وإخباري أنه علي التوجه أولا لإحياء حفل بالجزائر.
قدمت في العديد من الأفلام شخصية من يبحث عن الأمان في أفلام عديدة، لعل أبرزها «الأيدي الناعمة» عام 1963 وعمرها 38 عاما وظلت في نفس المرحلة حتى عام 1973 قدمت فيها 27 فيلما ختمتها بـ «كلام في الحب» و«ليلة بكى فيها القمر» والتي غنت فيه أروع وأشهر أغانيها «ساعات.. ساعات»، وقدمت فيه دور مطربة وممثلة شهيرة ترتبط بقصة حب وزواج مع شاب أصغر منها ولعب الدور حسين فهمى قبل أن تفاجأ بخيانته لها مع فتاة من عمره.. الفيلم قدمته عام 1980 وختمت بعده ظهورها السينمائي مع فيلم «أيام اللولو» في عام 1986. وكانت صباح وقتها قد بلغت 61 عاما.
شاركت في الكثير من المهرجانات أمثال: «بعلبك، جبيل، بيت الدين».
ومن المسرحيات التي قدمتها من: «موسم العز، دواليب الهوا، القلعة، الشلال، ست الكل، حلوة كثير، عصفور سطح، فينيقيا، شهر العسل، ست الكل، الأسطورة 1، كنز الأسطورة» وهي آخر مسرحياتها، وكان إلى جانبها بالمسرحية الفنان جوزف عازار وزوجها السابق فادي لبنان والفكاهي كريم أبو شقرا وورد الخال والأمير الصغير.
وكان أخر أعمالها هي أغنية «يانا يانا»، التي سبق لها تقديمها بالسابق، إلا أنها عادت وقدمتها بتوزيع موسيقي جديد وشاركت معها الغناء رولا سعد عام 2007.
واتبعتها بظهور خاص في رمضان من العام 2011 ضمن أحداث مسلسل «الشحرورة» الذي تم قدمته الفنانة كارول سماحة عن قصة حياتها لتظل صباح، رمزا حقيقيا لمعنى التمسك بالحياة والإصرار على أن تعيشها للحظة الأخيرة.
زيجاتها
لم تكن حياة صباح معبدة بالورود بل بالمآسي، فمنذ بداياتها الفنية جاءت جانيت الى القاهرة لتصوير فيلم القلب له واحد، رافقها والدها جرجي، فكان شديد السيطرة عليها، يتصرف بأموالها، ويوقع العقود السينمائية عنها، وما ان بلغت السن القانونية أي الثامنة عشرة، حتى هربت من والدها، لتتزوج من نجيب الشماس كان في مثل سن أبيها أو أصغر ببضع سنوات، ولم يكن أقل من الأب في فرض القيود عليها وحرمانها من مكاسبها، ومع أنها رزقت منه ابنها الأول الدكتور صباح شماس عام 1946، فإنها لم تستطع الاستمرار في العيش معه في لبنان، الذي عادت اليه بعد زواجها فأقامت دعوى طلاق بعد 5 سنوات من الزواج وصدر الحكم بها من قبل المحكمة الروحية المختصة.
بعد طلاقها من نجيب الشماس، وافقت صباح على الغناء في ملهى طانيوس في عاليه وكان ذلك في عام 1949، وهي تسعى الى أن تكون اطلالتها بمنزلة مفاجأة للناس والمهتمين بشؤون الفن، وكانت المرة الأولى التي تتحمل مسؤولية عملها الفني كاملة، في هذه الفترة سرت شائعة حب ربطت بينها وبين أحد الأثرياء من السعودية لعدة أشهر، ولكن الطلاق وقع نتيجة لرفض أسرته لهذا الزواج وضغطها عليه حتى وقع الانفصال.
وبعده المصري أنور منسي عازف الكمان وتزوجته لأربع سنوات أنجبت منه خلالها ابنتها هويدا، ولكنها طلبت الطلاق نتيجة لإدمانه للقمار، وبعده وفى عام 1960 تزوجت من المذيع المصري الراحل أحمد فراج لثلاث سنوات بعد أن شاركها بطولة فيلم «امرأة وثلاثة رجال» وحدث الانفصال نتيجة لاختلاف طبيعتهما، وقالت عن الانفصال إن أخلاق أحمد وطباعه تختلف عن أخلاقي وطباعي، لقد حاولت أن أوفق بين ما يريده هو وما أريده أنا، فكانت النتيجة التي سببت الانفصال.
وتلته برشدي أباظة عام 1967 ولمدة خمسة أشهر، حيث طلب منها الزواج أثناء سهرة ببيروت واتفقا أن يكون سرا لكن الخبر تسرب للصحافة، وتقول صباح، في أحد حواراتها، إنها طلبت الطلاق بعد أن بالغت الصحف في نشر صور سامية جمال وحزنها على ترك رشدي لها وأنها أصبحت وحيدة مما دفعها لطلب الطلاق، وتشير بعض الروايات إلى أنها غضبت من نفي أباظة خبر الزواج في الصحافة المصرية مما دفعها لطلب الطلاق، ولكنه رفض مما دفعها لاستغلال ثغرة قانونية بعد أن عادت لمسيحيتها بعد انفصالها عن أحمد فراج، والذي كانت قد أشهرت إسلامها بسبب زواجها منه، وبالطبع صمت رشدي وعاد لسامية جمال.
وتزوجت يوسف شعبان لشهر واحد فقط، والنائب اللبناني يوسف حمود عام 1970، وقضت معه عامين وانفصلا لاختلاف الطباع وانشغال كل منهما بعمله هي بفنها وهو بمهامه النيابية، ثم الفنان اللبناني يوسف طبارة عام 1973 لأربعة أعوام، وقد اختلفت معه في كندا، تركته هناك، وتوجهت إلى لندن، ليكون فادى لبنان آخر زيجاتها في لندن عام 1987، وظلت معه 15عاما، حيث وقع الانفصال عام 2002.
9 زيجات رسمية أعلن عنها لصباح مع خبر زواج لم يتأكد من عمر محيو ملك جمال لبنان لمدة عام واحد فقط وتركته للفارق الكبير في السن بينهما، ورأت الشحرورة أن أغلبية أزواجها كانوا يستغلون شهرتها وثروتها لمصالحهم، وهي تقول إنهم يسمونها «مدام بنك» لأنها تنفق المال من غير تفكير على من تحب، ومعروف عنها حبها للجمال وللأزياء وكانت تقول: «أتمنى أنني إذا خسرت ثروتي لا أخسر جمالي وأناقتي».
الموت بابتسامة
في 26 نوفمبر 2014 انتهت قصة أسطورة انتظرت الموت بابتسامة: «من زمان أنتظر الموت، أنا أرغب به، أريد أن أعرف سره، وماذا يوجد بعد الموت، كل الأصحاب والأحباب، ومن صنعت معهم ألعابنا وحكاياتنا وفننا رحلوا، لازم روح «أموت». هذه قصة صاحبة أغنية «ساعات ساعات.. بحب عمرى وأعشق الحياة.. في لساني مهيش جديدة.. واد ايه منيش سعيدة.. وان النجوم النجوم بعيدة.. وتقيلة خطوة الزمن.. تقيلة دقة الساعات ساعات ساعات».
وصية صباح.. ودفنها في مأتم شعبي ورسمي
يواري الثرى جثمان «صباح» يوم الأحد المقبل في كنيسة مار جريس في بيروت الساعة الثانية بعد الظهر في مأتم شعبي ورسمي.
وكانت وصية صباح قبل موتها بحسب ما نقله أولاد شقيقتها كلودا: «أن لا يبكوا ولا يكتسوا بالسواد، بل ان يضعوا أغانيها ويرقصوا، وأن لا يتعرض أحد للجيش اللبناني، وأن لا يذكر أحد كل من وديع الصافي وفيروز بالسوء في الإعلام» لأنها أرادت ان يكون موتها فرحا.
وكان أوتيل «كونفورت» في الحازمية مقر إقامة صباح خلال السنوات الماضية غص بمحبيها وأقربائها، علما ان صباح توفيت وهي تتمتع بصحة جيدة ومن دون أي وعكة صحية، وتم نقل جثمانها الى مكان لم يفصح عنه لينقل الى مثواه الأخير الأحد المقبل.
النجوم يودعون صباح الوداع الأخير بكلمات مؤثرة
قدم عدد كبير من الفنانين والاعلاميين والممثلين الكلمة الاخيرة بوداع شحرورة لبنان الصبوحة، حيث نعى راغب علامة الصبوحة على «تويتر» وكتب: «بعد نصري وعاصي ومنصور وذكي ووديع حان الآن موعدك مع الرحيل كبارنا يرحلون ارزاتنا يتناقصون وداعا يا شحرورتنا. وداعا يا حبيبتنا. رحمك الله»، وكتب عاصي الحلاني: «صباح يا حبيبة الكل رح يبقى صوتك معنا مرافقنا رغم البعد يا شحرورة رح تبقي بقلوبنا بيقولوا النجوم ما بتموت بتغيب وبترجع تتسهر العشاق تحت الشتي»، وايضا قال وليد توفيق: «شحرورة الوادي تغادرنا.. شكرا لما تركت لنا من إرث فني عظيم.
بدورها غردت نانسي عجرم: «اليوم خسر لبنان أسطورة، رحلت صباح ولكنها باقية في قلوبنا.. ستخلد صباح بفنها وستبقى ذكراها في عقول وقلوب الملايين... اتقدم باحر التعازي لعائلتها وأصدقائها وللبنان، صبوحة نفسك بالسما». وكتب زين العمر: «رحلت حلوة لبنان وبكت السماء عاصفة على خسارة اسطورة ستبقى مشرقة في كل صباحاتنا. صبوحتنا بنحبك يا أرزة من أرزات لبنان».
مروان خوري: «الموت...حياة للكبار وداعا يا حلوة لبنان».
من جانبها، كتبت نادين الراسي: «صباح خجول، الدني عم تبكي. الأرزات محنية عم بتودع أحلى أرزة..صباح يا حبيبة الكل بغضب الدني ودموع الأحبا عم منودعك اليوم.. الله يرحمك»، وايضا كتبت كارول سماحة على صفحاتها بالانترنت: «عشت أحاسيسها، أفراحها وأحزانها.. واليوم رحلت تاركة اثرها في مكان عميق في حياتي. وداعا صبوحتي، وشحرورة لبنان». وقال ناجي اسطا: «صباح لبنان العاصف يبكي على الشحرورة».
نيشان: «سكتت شمس الشموس.. غابت صباح الخير»
بدوره قال سعيد الماروق: «رحلت أسطورة لبنان الشحرورة صباح الله يرحمك». بينما قال سليم سلامة: «الوطن عم يبكي حزنان والسما عتم نورا بسني وحده خسر لبنان بو فادي والشحروره».
أما طارق سويد فقال: «هيك رح تبقى صورتك بذاكرتي..متل هالصورة...هيدي صورتك ضحكة ـ تواضع ـ فرح»، وقال بيتر سمعان: «ياضيعان قلبك، ياضيعان عمرك. عميتروحوا متل الطيور، عمبتهاجروا عالضو لكبير.الساعات وقفت، الشحرور غص.والعسل صار بلا لون...الله معك يا صباح ارتاحي».
وشاركت رابعة الزيات في نعي الفنانة صباح وقالت: «كنت كلما شعرت بالضيق أو الحزن أتذكر الضحكة التي علمتني حب الحياة، ستبقى ضحكتك دليلنا الى الأمل»، فيما قالت رولا حمادة: «راحت الصبوحة، لملمت صوتها بهالعاصفة وراحت تزرع فرح بمطارح تانية». وغرد رامي عياش على «تويتر»: «بحزن كبير تلقيت خبر وفاة الحبيبة العظيمة صباح..تعازينا الحارة للبنان ولكل أفراد عائلتها الكريمة..الله يرحمها مثواها الجنة ان شاء الله»، وكتب نيشان: «تيتم الوادي شحرورته سكتت شمس الشموس غابت صباح الخير رحلت.... وفاة السيدة صباح». وكتبت أحلام: «وداعا جميلة لبنان.. العوض بسلامتكم يا أهل لبنان.. ورحلت صباح». وقالت كارمن لبس: «شو بتمنى يكون خبر رحيل الصبوحة كذبة متل كل مرة... بس للاسف ليوم لبنان خسرها عنجد... صباح اسطورة لبنان الله يرحمك» وغيرهم الكثير من النجوم الذين ودعوا الشحرورة بكلمات مؤثرة من القلب.
صباح أحبت الكويت وغنّت لبناتها «السُمر الحلوين»
بقلم: محمد ناصر
«شو فيها الدني»، عبارة رددتها كثيرا في سنواتها الأخيرة قبل أن يهزمها الموت الذي لم تهبه يوما بل أوصت صاحبة البسمة الدائمة بألا يقام لها عزاء لا تحبه، بل أن تصدح يوم وفاتها الأغاني والأفراح والدبكة.
فنانة لا ترثى ولا تموت، فهي الحاضرة دائما بتاريخها الفني الحافل الذي رافق أجيالا متعاقبة رأت فيها عنوانا للحياة التي عاشتها صباح بحلوها ومرها، بنجاحاتها واخفاقاتها، بضحكها وبكائها، فبقيت دائمة التوهج، نضرة الذاكرة، حتى في عز شيخوختها ومرضها متابعة لأدق التفاصيل، وراصدة لأي كلمة مدح أو نقد تقال في حقها.
أسطورة الغناء، كانت فنانة بحجم وطن، هو الوطن العربي الذي غنت له يوما «وطني حبيبي.. وطني الأكبر»، وربما العالم الذي غنت على أبرز مسارحه وفي أهم مهرجاناته، فكانت تضيف للأماكن مكانة وأهمية ان استقبلت احدى رائدات الفن العربي.
صنعت نجوما كثيرين ولم تطلب منهم مقابلا ولا منة، بل آمنت بموهبتهم فدعمتهم، كأنها صانعة نجوم، بل حتى انها عرضت نفسها للشائعات التي لا ترحم مقابل أن توصل فلانا أو فلانة إلى سلم الشهرة.
كما عظماء الفن لم تلتفت يوما لأهمية وشهرة اسم الملحن أو الكاتب، بل كانت القيمة الأساسية عندها هي المضمون وليس الأشخاص، فالفن عندها هو الكمال الذي دأبت على ممارسته حتى في عز وهنها وضعفها، إذ كانت تُصرّ قائلة «سأغني حتى آخر نفس في حياتي».
أفضال الكويت لا تُنسى
«أحب الكويت وأموت فيها وبشعبها الطيب، وأعتز بصداقاتي الكثيرة فيها»، هكذا كانت علاقة الشحرورة صباح بالكويت التي غنت فيها مرات عديدة على مسرح سينما الأندلس، كما قدمت عددا من مسرحياتها فيها كمسرحية «ست الكل» عام 1974 والتي خصت الكويت خلالها بأغنية:
واعتبرت«برمت المعمورة وما لقيت ألطف من شعبك يا كويت
في إلنا بيت بلبنان وإلنا فيكي 100 بيت
جايين نزورك جايين لربوعك شو مشتاقين
البنات السُمر الحلوين لشبابك ياما غنيت
بوابك مفتوحة للضيف وموالك موال الكيف
وإن ما حكيتي بيحكي السيف حكايات عليها تربيت» النجمة الراحلة في أحد أحاديثها عندما أتت إلى الكويت عام 2007 أنها أعجبت بتطور الكويت الكبير والعمران الجميل وكمية الإخضرار فيها، خصوصا أنها تذكر الكويت عندما كانت الطرقات رملية بينما أصبحت اليوم جنة، كما وصفتها، معتبرة ان أغنية «برمت المعمورة» التي تقول فيها ان لها 100 بيت في الكويت لها مكانة خاصة في قلبها.
وأكدت الشحرورة صباح في أحاديث سابقة على عمق علاقات المحبة التي تربط بين الشعبين الكويتي واللبناني، قائلة «بموت بالكويت وشعبها اللي بيحمل بقلبه كل الحب للشعب اللبناني».
ودائما ما كانت الشحرورة تذكر الكويت في معظم أحاديثها بقولها الدائم «الكويت أفضالها لا تُنسى علي، ولم أزر الكويت مرة إلا ووجدت أكبر الترحيب والاستقبال الطيب الذي يعبر دائما عن أصالة الشعب الكويتي الذي يقدر الفن وأهله».