- رائدة علي طه استرجعت لحظات اليتم والوحدة وصراعها مع نفسها
سماح جمال
«ألاقي زيك فين يا علي» لن نختلف على إتقان وموهبة كاتبة وممثلة العرض رائدة علي طه والتي هي بالأصل عرض لتجربتها الشخصية وليس خيال مؤلفة، وكذلك براعة مخرجته لينا ابيض بتقديم عرض «مونودراما» بمعايير حرفية عالية، معتمدة على نسج من البساطة الشديدة في كل ما ظهر على الخشبة ليكون فقط في محله ولأن العرض يحتاجه، بل نريد التشديد على اعجابنا بالصدق مع النفس والابتعاد عن التنظير او المزايد حول قصص الشهداء، وارجاع الحكاية الى بعدها الانساني البحت والتحدث عنهم من قبل واحدة منهم بهذا المكاشفة لواقع مسكوت عنه.
فضمن انشطة مهرجان «القرين الثقافي بدورته 22» وبالتعاون مع لوياك للفنون الادائية «لابا»، احتضن مسرح الدسمة العرض الذي يتناول عائلته الشهيد والمعاناة التي تلحق بهم جراء التضحية الكبيرة التي يقدمها المقاومون فداء للوطن، إيمانا منه بأنه الوطن هو القضية الأسمى والأبقى.
فنرى قصة علي رب الأسرة الشهيد الذي خاض عملية بخطفه لطائرة، تاركا وراءه زوجة في السابعة والعشرين من عمرها، وأبناء أكبرهن تبلغ سبع سنوات، وأصغرهن ثمانية أشهر، لتدور الأحداث حول الجانب الآخر الذي يكون عادة خفيا في مثل هذه الحالات فنسمع من الابنة عن الانتهاكات التي تعرضت لها الأسرة من اناس يفترض بهم ان يكونوا خط الدفاع الأول، فتارة تروي لنا محاولات التحرش بوالدتها من قبل اشخاص يفترض بهم مواساتها، وتارة اخرى تتذكر بحسرة وحزن محاولة الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له على يد احد رجال السلطة في منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك اثناء عملها كسكرتيرة صحافية للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، واما مأساة «جثة» والدها التي احتفظ بها الجيش الإسرائيلي لسنوات داخل ثلاجة مشرحة، رافضين اعطاءها لأسرته ليتم دفنه، حتى استطاعت شقيقته «سهيلة»، تلك المرأة البسيطة استرجاعها ودفنها، فتلك قصة اخرى امتزجت فيها الاوجاع بالشجاعة.
العرض الذي استعان بشاشة كانت تعرض لبعض الصور ومقاطع فيديو تظهر وتدعم ما ترويه رائدة، التي بدورها برعت في تلبس كافة الشخصيات رجالا ونساء وحتى الأطفال، استطاعت ان تسرق اهتمام الجمهور ودموعه في كثير من الأحيان التي انهمرت من صدق ادائها ولن نقول هنا تمثيلها، فحالة البوح التي كانت بين الصالة والخشبة رغم قلة الحضور لم تمنع أحاسيسها الصادقة الممزوجة بخفة ظلها من ان تملأ الأجواء الليلية، وهي تسترجع لحظات اليتم والوحدة بل والتخبط في جدلية صراعها مع نفسها حول قرار والدها بالاقدام على هذه التضحية تاركا وراءه اسرته وبناته، فرائدة التي لم تقل «بابا» ولو لمرة واحدة وهي تتحدث عنه بل اكتفت بمناداته بـ «علي»، جعلتنا نشعر بمدى الوجع الذي ملأ روحها.
ربما لن تعود الأغنية الشهيرة «ألاقي زيك فين يا علي» للفنانة صباح في اذهان من حضر العرض كما كانت سابقا كنموذج لأغنية خفيفة تمتلأ بالدلع، بل ستتحول غالبا الى غصة في اذهانهم ومحرك لأوجاع رائدة واسرتها.