مفرح الشمري
Mefrehs@
دشنت دولتا قطر وفلسطين امس الاول عروض المسابقة الرسمية لمهرجان الكويت لمسرح الشباب العربي، حيث عرضت دولة قطر الشقيقة ممثلة في مركز شؤون المسرح التابع لوزارة الثقافة والرياضة مسرحية «همس الكراسي»، وذلك على خشبة مسرح التحرير بكيفان، والمسرحية من إخراج فيصل رشيد وتأليف أحمد المفتاح وتمثيل مشعل الدوسري وفهد القريشي ومحمد عادل ومحمد المطاوعة وعبد الله الملا ومحمد الملا.
تتمحور فكرة المسرحية حول رمزية الكرسي بكل أشكالها وتنوعاتها وليس فقط رمزية السلطة، حيث تتبادر للذهن بمجرد ذكر كلمة كرسي فكرة الحكم أو السلطة، لكن في «همس الكراسي» نرى كراسي الحدائق وقصص عالم العشاق، والعاشق الذي يعيش حياته في حالة انتظار دائم لمحبوبته أو عشيقته كما تقول الأحداث، وتبقى الكراسي شاهدة على حكايات عشق لم تكتمل وكراسي المقابر والحياة المفتقدة فيها وكراسي المقاهى وحواراتها التي تتطرق إلى كل شيء في الحب والسياسة والمجتمع وقضاياه التي لا تنتهي، فالإنسان في حالة بحث دائم عن الكرسي منذ ولادته كما رأينا في المشهد الاستهلالي وحالة المخاض التي يخرج منها الإنسان باحثا عن كرسيه حتى يصل إلى نهايته عبر الكرسي الكهربائي.
قدم فريق العمل مجموعة من اللوحات والمشاهد بروح جماعية وهارموني عبر تشكيلات حركية جمعت بين المواقف التراجيدية والكوميدية والإنسانية تحول فيها الكرسي إلى منصة لخطب الزعيم ودكة في المقابر وانتظار المحبوبة في مشهدية لا تخلو من المغامرة والمراوغة بالألفاظ والتحركات والتعامل المباشر بين الممثل والممثل، والممثل والديكور، والممثل والجمهور، في محاولة لكسر الإيهام، ومشاركة الحضور في اللعبة المسرحية عبر علاقات متشابكة تدور في أولها وآخرها حول الكراسي بكل أشكالها وأنواعها وأحجامها وقيمتها الرفيعة أو الدنيئة وسعي الإنسان الدائم إليها.
نجحت الموسيقى كعنصر مساعد في تعميق الفكرة المحورية، وأضفت نوعا من الحيوية والتدفق على العرض، بينما كانت الإضاءة أقل تأثيرا وكان يمكن استغلالها بشكل أفضل خاصة في مشهد النهاية، حيث يلقى الجميع حتفهم تحت الكراسي التي تتحول الى مشانق وكأن الإنسان يسعى لحتفه، وكان بالإمكان استغلالها لتلعب دورا محوريا في بقعة ضوئية تركز على عين المشاهد لتصله هذه الدلالة بعيدا عن التشتيت كما حدث في مشاهد التعذيب، أما الأداء التمثيلي فقد بذل الشباب مجهودا كبيرا، وكان واضحا التفاعل الجماعي وحالة الحب التي تجمع فريق العمل وحرصهم على تقديم أفضل ما لديهم، وقد نجحوا بالفعل في لفت انتباه الجمهور والتفاعل معهم، لكن يظل السؤال كما يقول المخرج فيصل رشيد لو همست الكراسي ماذا ستقول؟ وهل ستتجرأ؟ وإلى متى ستظل صامتة؟ أم أن صمتها لن يتحول إلى همس في هذا الزمن؟ لا زمان معينا ولا مكان محددا، وحول شخصيات تتقلب بين الحزن والفرح والضحك والبكاء.
«مروح ع فلسطين»
من جانب آخر، قدم شباب دولة فلسطين الشقيقة عرضا مسرحيا ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان «يرفع له العقال» بعنوان «مروح ع فلسطين».
نص المسرحية، التي عرضت على خشبة مسرح الدسمة، عبارة عن مشروع تخرج للشباب المشاركين فيه، قدموه عام 2016، وهو من إخراج ميكائيلا ميراندا وتمثيل رنين عودة، سماح محمود، أحمد طوباسي، إيهاب تلاحمة، عدنان بوبلي، نور دولة، موسيقى العرض ومؤثراته الصوتية كانت حية تصدى لها الفنان سامر أبوهنطش، اما تقنية الإضاءة والصوت فتصدى لها أحمد مطاحن والعرض من إنتاج مسرح الحرية بمخيم جنين.
كان العرض بمنزلة محاولة لتوثيق الحياة الفلسطينية من خلال قصص حقيقية، تم تجميعها من أماكن مختلفة من فلسطين كالأغوار والمناطق المحاذية للجدار والمخيمات وصولا إلى تجمعات البدو، ودارت الأحداث مع مشهد داخل مربع أبيض على خشبة المسرح رسم فيه الممثلون صورة لتمثال الحرية في الولايات المتحدة الأميركية، لتبرز من خلاله المفارقة بين الشعارات الأميركية وبين الواقع المعيش الذي يحمل شعار الحرية المزيفة، وكيف هي نظرة المجتمع الأميركي للشعوب العربية وخاصة فلسطين.
كانت الرؤية الاخراجية للعرض مميزة وقدمتها المخرجة ميكائيلا دون تعقيد حتى يتعايش معها المتلقي، حيث قدمت من خلال هذا العرض التراجيدي والكوميدي رسالة جميلة جدا لكل المغتربين، تحمل في طياتها دعوة للعودة وتحدي كل الصعوبات لأن فلسطين بحاجة اليهم.
وضعت مسرحية «مروح ع فلسطين» العروض المتبقية في المهرجان في مأزق شديد لأنها من الاعمال الراقية والمدروسة بشكل جيد، ونجح طاقمها التمثيلي وصولا للموسيقى الحية بتوصيل فكرة العرض من خلال أدائهم المتناسق الذي كان داخل مربع صغير من دون إضافات تجميلية ولا ديكورات، فاستطاعوا ان يلامسوا قلوب الحضور وتحريكها تجاه معاناة أهلنا في فلسطين الغالية.
قحطان: «همس الكراسي» كان يحتاج إلى تنظيم حركة الممثلين.. ودوارة: «مروح ع فلسطين» يثير الكثير من القضايا الجدلية
وبعد نهاية العرضين المسرحيين عقدت ندوتان تطبيقيتان، الأولى في قاعة مسرح التحرير بكيفان وخاصة بالعرض القطري تصدى لادارتها عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية ورئيس قسم التلفزيون د.فيصل القحطاني وعقب عليها الناقد العراقي علاء قحطان بحضور مخرج العمل فيصل رشيد والمؤلف أحمد المفتاح، وقال قحطان: «همس الكراسي» انطلق على مجموعة لوحات والتمسك بها، وانتهى بمفهوم الرمز الدلالي وهو الكرسي، وفيه سلوك سيكولوجي نفسي وهو الحب للكرسي، مشيرا الى ان العرض كان يحتاج الى تنظيم حركة الممثلين، مشيرا الى ان هناك تفاوتا في مستوى الفنانين المشاركين.
وتابع قحطان: طرح المؤلف عدة تساؤلات في هذا العرض، ماذا لو الكرسي تكلم او تمرد؟، وفي النهاية وجدنا ان الكرسي قتل من تحدث عنه.
وبعد ذلك فتح مدير الندوة د.فيصل القحطاني الحديث للحضور الذين أشادوا بالعرض وشكروا المخرج والمؤلف على ما قدماه.
ومن جهته وعد مخرج العمل فيصل رشيد بأخذ جميع الملاحظات والهنات التي ذكرها بعض الحضور بعين الاعتبار عندما يقدم هذا العرض مرة أخرى.
اما الندوة الثانية والخاصة بالعرض الفلسطيني «مروح ع فلسطين» فقد أقيمت في قاعة الندوات بمسرح الدسمة وتصدى لادارتها الكاتب السعودي فهد الحارثي وعقب عليها د.عمرو دوارة وذلك بمشاركة مساعد مخرج المسرحية أحمد طوماسي.
وفي مستهل حديثه توجه دوارة بالشكر للكويت والهيئة العامة للشباب وكل الوفود المشاركة، وقال: هذه الدورة من المهرجان متميزة، وأهم ما رآه فيها انتماء الشباب لكل الأعلام العربية ونبذ الخلافات، وهذه أهم إيجابيات مثل هذه التظاهرات الفنية.
وعن العرض، قال: إنه يثير الكثير من القضايا الجدلية، وهو عرض متماسك برغم ضيق المساحة المختارة، وغياب الإكسسوارات، لكن الممثلين استطاعوا وحدهم أن يقدموا عرضا متميزا وجادا وعميقا، وكل منهم قام بدوره على أكمل وجه وساعد غيره على الخشبة، اما الإضاءة فقد بدت بسيطة لكن فيها عمقا ووعيا، مشيدا بالموسيقى الحية في العرض، مؤكدا أنها أعادت الوجدان لفلسطين.
وأكد دوارة على أن قضية فلسطين هي قضية كل العرب، وموجودة في المسرح العربي منذ عقود.
ولفت إلى أن العرض به لمسات إنسانية مؤثرة، لكنه كان يحتاج لتقديم معلومات أكثر عن فلسطين تعكس الصراع، كما أن هناك ما وصفه بالهنات ومنها الإساءة للإنسان العربي والسخرية من عاداته، وبرر سبب توجيه هذا النقد بأنه يعتبر «مروح ع فلسطين» عرضا عالميا، لذلك يجب أن نضع في الاعتبار أدق التفاصيل. وفي الختام أكد الأكاديمي المصري أنه معجب بالعرض وسرعة إيقاعه والروح الجماعية.