محمد البدري
مع فتح «ملف» تطوير سوق الكويت للأوراق المالية على مصراعيه، أصبح الأمل يراود المستثمرين والمراقبين في أن تشهد الفترة المقبلة إصلاحات جذرية ومعالجات للكثير من الشوائب والسلبيات التي يعاني منها السوق وفي مقدمتها التقسيم غير المتناسق لقطاعات البورصة، حيث تبرز قضية إعادة هيكلة تلك القطاعات، بما يجعل البورصة أكثر استقرارا، وتنظيما، وأقل تعرضا للتذبذبات، وأفضل حالا من حيث مستوى الشفافية والمنطقية في حركة الأسهم وقياس أداء الشركات المدرجة، وبالتالي جعلها في مستوى أكثر تأهيلا لخدمة الاقتصاد الوطني، وأفضل استثمارا وصونا لثروات المستثمرين من المواطنين والأجانب على السواء.
كما تستهدف إعادة الهيكلة زيادة ربط السوق ونشاطه بالاقتصاد المحلي، بحيث تعكس حجم ونوعية النشاط الاقتصادي للبلاد، ومعرفة التغيرات القائمة في مختلف النشاطات الفرعية.
وعلى أقل تقدير، سوف تساهم هذه العملية في أن تعكس حالة الاقتصاد الكلي للكويت أو ستكون قريبة من ذلك ولو بنسب مقبولة ومقنعة للمستثمرين والمراقبين على السواء.
بالإضافة لهذه الأسباب العامة، وبحسب مراقبين وخبراء كثر فإن إعادة هيكلة القطاعات، والتي أصبحت تقتضيها دواع ملحة، سوف تقضي على الكثير من السلبيات الموجودة بسوق المال الكويتي من ناحية، ومن ناحية أخرى ستحقق الكثير أيضا من الفوائد للسوق على المديين المتوسط والطويل.
ويأتي في مقدمة هذه الدواعي والفوائد ما يلي:
1 - انه في إطار خطة تطوير السوق تنظيميا ورقابيا، من خلال تأسيس هيئة أسواق المال، وتحديثه تكنولوجيا، عن طريق استبدال نظام التداول الراهن بنظام تداول آلي أكثر تطورا، في ضوء ذلك، يصبح من الأجدر والأنسب النظر في إمكانية إعادة هيكلة القطاعات المكونة لسوق المال، وتعظيم الاستفادة من نظام التداول الجديد المزمع تشغيله بحيث لا تقتصر فوائده على النواحي التقنية وحسب، لاسيما أن هناك دراسات ومقترحات عدة سبق طرحها في هذا الخصوص من قبل جهات مختلفة وناقشتها إدارة البورصة.
2 - مواكبة النمو المطرد في عدد الشركات المدرجة وتنوع أنشطتها، فقد ظلت قطاعات سوق الكويت للأوراق المالية ثابتة دون تغير (8 قطاعات) لفترة طويلة على الرغم من زيادة عدد الشركات المدرجة (أكثر من 200 شركة في الوقت الحالي)، وتنوع واختلاف نشاطاتها، ونتيجة للزيادة الكبيرة في عمليات طرح وإدراج الشركات والمتوقع نموها في المستقبل أصبحت الحاجة ملحة إلى إعادة تشكيل وتوزيع قطاعات السوق بناء على المعطيات المتاحة حاليا.
3 - فض التشابك بين الشركات التي تعمل في أنشطة مختلفة غير متجانسة، لكنها تندرج حاليا تحت قطــاع واحــد (كما هــو الحال بالنسبة لقطاع الخدمات على سبيل المثال)، وإنشاء قطاعات جديدة تستوعب الشركات المدرجة داخل هذا القطاع، أو إنشاء قطاعات فرعية داخل القطاع الرئيسي القائم ومن ثم إعادة توزيع الشركات المدرجة في هذا القطاع على القطاعات الفرعية الجديدة.
4 - ان إيجاد قطاعات أكثر تخصصية سيعطي انطباعا حقيقيا لمجريات الأداء للأسهم، وقياس نبض الواقع الفعلي للسوق.
5 - من شأن إعادة هيكلة قطاعات السوق وفرزها ومن ثم إعادة تصنيفها من جديد وفق معايير موضوعية وواقعية، أن تساهم في تطوير المؤشرات الرئيسية للبورصة (السعري والوزني)، وأن تفتح المجال لإمكانية وجود مؤشرات قطاعية فرعية تعبر بشكل أدق عن التطورات التي تحدث في كل قطاع على حدة، وبناء مؤشرات أكثر عدالة تبين حقيقة تطورات السوق المحلية، والتي ستخدم بدورها في بناء قرارات أكثر فاعلية بالنسبة للمستثمرين خاصة الصغار منهم، وفي نفس الوقت تعكس بشكل أفضل التغيرات السعرية في أسهم الشركات المدرجة بالسوق، مما يجعل المؤشر العام للسوق أكثر واقعية.
6 - أيضا من الجوانب الايجابية لمستقبل السوق بعد تقسيم قطاعاته تكافؤ الفرص بين أسهم الشركات ذات النشاط الواحد.
7 - تجميع الأنشطة المماثلة داخل قطاع واحد بغرض إعداد مؤشرات سعرية على مستوى كل قطاع بحيث تعكس بصورة دقيقة وسليمة لحركة التداول (الشراء والبيع) على أسهم القطاع، واستخراج مؤشرات تداول الأسهم بكل قطاع وتطورها (عدد الأسهم، قيمة الأسهم، عدد الصفقات المنعقدة، القيمة السوقية) بما يمكن من مقارنتها بحركة التداول بالقطاعات الأخرى وعلى مستوى السوق ككل، بالإضافة إلى إجراء التحليل المالي لشركات القطاع بما يساعد في استخراج مؤشرات مالية دقيقة يمكن الاعتماد عليها ومقارنتها بالشركات المماثلة على مستوى القطاعين (الفرعي والرئيسي) وعلى مستوى شركات السوق كما يمكن المستثمر من إجراء تقييم وتحليل لأداء القطاع (أو شركة معينة) الحالي أو خلال فترة زمنية ماضية.
8 - توضيح الرؤية الاستثمارية للسوق، والقطاعات والشركات المدرجة فيها، وتقليص مخاطر السوق من خلال عكس الصورة الصحيحة للتذبذب، حيث ان إعادة الهيكلة تساهم في زيادة درجة الشفافية الموجودة بالسوق، وترشيد قرارات المستثمرين، والحد من التذبذب العام للبورصة، كما أن وجود مؤشرات قطاعات بالسوق سوف يحد من تعرضها لأزمات نفسية قد تنجم عن إطلاق شائعات أو وقوع أحداث عارضة محلية أو خارجية، وهو ما يخفف من الأثر النفسي المبالغ فيه أحيانا كثيرة جراء التغيرات في قيمة المؤشر العام.
9 - توفير إمكــانيــة الاستثمار المستقبلي في مؤشر القطاع نفسه بدلا من السهم، حيث يوزع المستثمر مخاطر الاستثمار على جميع أسهم القطاع حسب وزنها، ولا يتقيد بالمخاطرة على سهم واحد.
10 - إعادة الهيكلـــة القطاعية سوف توفر رؤية استراتيجية وتعطي تحليلا شموليا لأوضاع البورصة، حيث ان إعادة الهيكلة ستوفر حالة من التكامل في أدوات التحليل للسوق إن جاز التعبير، فتجعل التحليل الاقتصادي الكلي والتحليل الأساسي وكذلك التحليل الفنــي والتحليل النفسـي ذات معان أوضح وأكثر واقعية ومنطقية، مما يسهل معه المقارنة بين نشاط الشركات أو القطاعات لتعطي معنى أفضل، كما يمكن أيضا، في تلك الحالة، مقارنة تطورات أوضاع السوق الكويتي بالأسواق الإقليمية والدولية بشكل فعال.
11 - يتيح التوزيع القطاعي الجديد للمستثمرين، خاصة الصغار منهم، مقارنة الأداء بين شركات متشابهة في النشاط، كما يمكن المؤشرات القطاعية المستثمرين ومديري المحافظ من مقارنة أداء محافظهم بأداء مؤشر القطاع المناسب.
معايير وضوابط إعادة الهيكلة
القضية الأهم، من وجهة نظر الخبراء والمراقبين تكمن في المعايير التي سيتم الاعتماد عليها لإعادة هيكلة قطاعات السوق، والضوابط التي ينبغي مراعاتها في هذه العملية بحيث تتم وفق منظور مستقبلي اكثر منه مجرد رد فعل للحاضر. وجرى الاعتماد بشكل أساسي عند تصنيف الشركات المدرجة ضمن أي من قطاعات السوق على النشاط الرئيس للشركة، على توظيف الأصول ونسبة إيراد كل نشاط من إجمالي إيرادات الشركة وذلك بالاضافة الى عدد من المتغيرات الاخرى.. وبوجه عام، هناك بعض المعايير الدولية التي تعمل بها الأسواق العالمية عند تقسيم وتشكيل قطاعاتها معتمدة على وجود قطاعات رئيسية للسوق يندرج فيها عدد من القطاعات الفرعية، غير أن خبرة الأسواق الإقليمية والمشابهة للسوق الكويتي تظهر أن التقسيم القطاعي للسوق وتوزيع الشركات فيه أمر يتم استنادا إلى النشاط الرئيسي للشركات الذي يتجه إليه الجزء الأكبر من الأصول والإيرادات. ومن أهم الضوابط المطلوب أخذها بعين الاعتبار عند إعادة الهيكلة القطاعية للسوق أن يكون نظام التصنيف وإعادة الهيكلة الجديد للقطاعات مرنا، بحيث يسمح بإمكانية نقل الشركات من قطاع الى قطاع آخر عند الحاجة، حيث يكون بإمكان هذه القطاعات استيعاب أي نشاطات أخرى مستقبلية، فعلى سبيل المثال عند طرح شركات يكون نشاطها الرئيسي لا يتوافق مع أي من القطاعات الحالية فقد يستوجب ذلك إضافة قطاع جديد، وفي حال تطلبت حاجة السوق في المستقبل إضافة قطاعات أو إعادة التوزيع يمكن أن يتم النظر في ذلك. كما تطرح إعادة الهيكلة تساؤلات مهمة تتطلب الإجابة عنها بواقعية ووضوح، أهمها عن كيفية معالجة البيانات التاريخية للقطاعات والمؤشرات الجديدة، وهو الأمر الضروري لبناء مؤشرات قطاعية فرعية أكثر واقعية.