مع احتدام الجدل والحوار في الساحة الاقتصادية الكويتية مؤخرا حول آليات تمويل الشركات المساهمة التي نص عليها قانون خطة التنمية وتعدد وجهات نظر الاطراف المعنية بهذه القضية وتنوع مبرراتها واجتهاداتها في هذا الخصوص، ارتأت غرفة تجارة وصناعة الكويت ضرورة توضيح موقفها ازاء هذا الموضوع الاقتصادي الحيوي، انطلاقا من غيرتها على خطة التنمية والآمال المعقودة عليها، والتزاما بمسؤولياتها تجاه مجتمعها واعضائها، واعمالا لدورها في دعم جهود الاصلاح الاقتصادي وتعزيز التوازن الاجتماعي.
وقد أوردت الغرفة مرئياتها في هذا الصدد في بيان صحافي تحت عنوان «مشاريع خطة التنمية: إشكالية إدارة لا مشكلة تمويل»، وذلك على النحو التالي:
أوضحت غرفة تجارة وصناعة الكويت في البداية المبررات التي دعتها لتوضيح موقفها من قضية آليات تمويل الشركات المساهمة ضمن خطة التنمية، فأشارت إلى أنه في الثاني من فبراير 2010 يوم أقر مجلس الامة الخطة الانمائية، التي تغطي السنوات الاربع من بداية ابريل 2010 الى نهاية مارس 2014، لم يدع احد ان الخطة جاءت شاملة كاملة لا تحتمل نقدا ولا تشكو قصورا، بل إن آراء كثيرة اعربت عن تخوفها من ان تكون طموحات الخطة ابعد من مداها، ومن ان يفوق حجم مشاريعها القدرات المتاحة لتنفيذها، ومن أن تعوق طريقة عرضها وتعدد مرجعياتها جهود القياس والتقييم والمتابعة.
مبينة ان هذه الآراء على أهميتها، لم تحل دون اقرار مجلس الامة لقانون الخطة بإجماع غير مسبوق، ولم تنل من احتفاء المجتمع الكويتي، بجميع اطيافه، وتوجهاته ومؤسساته، بهذه الخطوة، ذلك ان المواطنين استبشروا بالخطة فاتحة لتعاون وثيق ومثمر بين السلطتين، وتفاءلوا بها بداية لحقبة تنموية حقيقية تعوض سنوات التعثر والتردد، خاصة أنها تمثل أولى مراحل العمل على تنفيذ وثيقة الرؤية المستقبلية والأهداف الاستراتيجية للتنمية، والتي يمتد افقها الزمني حتى سنة 2035، أما القطاع الخاص الوطني ومؤسساته وشركاته فقد كان احتفاؤه بالخطة مضاعفا، ليس لاهتمامها بالتنمية البشرية المتكاملة والمتوازنة فحسب، وليس لاستهدافها معدلات طموحة في زيادة الناتج القومي وضمان عدالة توزيعه فقط، بل لأنها، إلى جانب هذا وذاك، تمثل قاطرة الاصلاح الاقتصادي القائم على احياء الدور المحوري للقطاع الخاص الكويتي، وهو الدور الذي حقق الريادة الكويتية التجارية في السابق، ويؤمل ان يعيد تحقيقها على اسس حديثة بتحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري.
ولفتت الغرفة الى ان هذه الاجواء المبشرة التي توفر للخطة اجماعا يحمي مصداقيتها وتصميما يعطيها انطلاقة قوية جادة تتعرض اليوم لاحتمالات تضعف زخمها وتشوه رؤيتها، جراء تصاعد وتيرة الحوار حول مصادر تمويل الشركات المساهمة العامة التي نصت المادة الثانية من قانون الخطة على تأسيسها، لتنفيذ وإدارة وتشغيل المشروعات التنموية الاستراتيجية.
لقد بدأ هذا الحوار بعد شهر واحد من اقرار قانون الخطة ونشره، وتابعته غرفة تجارة وصناعة الكويت منذ بدايته بكل تقدير لاطرافه واجتهاداتهم، ورغم تساؤلها الملح عن سبب تأخر هذا الحوار الى ما بعد اقرار الخطة بدلا من ان يطرح قبل ذلك ليغني مضمونها ويساهم في صياغتها، فانها لن تحاول البحث عن هذا التفسير، ليبقى الهدف الاول والاهم لهذه الورقة هو التنبيه الى مخاطر خروج الحوار عن اطاره الاقتصادي، ودخوله في مساومات الساحة السياسية وحساباتها، والتحذير من انعكاسات ذلك على الخطة الانمائية ومصداقيتها وفرص نجاحها، ما قد يؤدي بها الى اللحاق بالتجارب التخطيطية التي سبقتها، والتي بقيت مجرد وثائق متكررة لاخفاقات متواترة.
واكدت الغرفة عدم قناعتها بوجود مشكلة في تأمين تمويل مشاريع الخطة وشركاتها، وبالتالي فإنها لن تسعى لايجاد حلول لمشكلة غير موجودة، لافتة الى انها في محاولة شرح وجهة نظرها هذه تستعرض الافكار والمبررات التي تسوقها وجهة النظر الاخرى، كما تنتهز الفرصة للتذكير بمجموعة من الآراء والمقترحات التي يؤمل منها دعم الجدوى الاقتصادية والتجارية للمشاريع الانمائية وشركاتها، مما يسمح بتخفيض حجم التمويل الذي تحتاجه، وبزيادة قدرتها على اجتذاب هذا التمويل، مؤكدة انها لا تدافع عن مصلحة اي فرد او قطاع ولا تؤيد او تعارض اي طرف او مقترح، بل تحاول ان تؤدي واجبها وان توضح موقفها المتمسك بالمبادئ الاقتصادية والتمويلية السليمة والموثقة في قانون الخطة ذاته.
«مبررات» التمويل الموازي
ينطلق الرأي القائل بوجود مشكلة حقيقية في تمويل المشروعات التنموية الاستراتيجية، من ان الخطة تفتقد برنامجا واضحا لتمويل الشركات المساهمة العامة التي نصت المادة الثانية من قانون الخطة على ان تؤسسها الدولة كشركات قطاع خاص لتنفيذ وادارة وتشغيل المشروعات التنموية الاستراتيجية، ويرى اصحاب هذا الرأي ان سد هذا الفراغ، ان صح التعبير، لابد ان يكون من خلال التدخل الكبير والمباشر للمال العام، لأن الجهاز المصرفي المحلي عاجز عن اداء هذه المهمة، ويرتكز اصحاب هذا الرأي في تسويق فرضية عجز الجهاز المصرفي المحلي على اسباب رئيسية ثلاثة:
1 ـ ان حجم التمويل اكبر من ان تلبي وحدات الجهاز المصرفي المحلي احتياجاته التي تفوق سيولتها كما تفوق قدرات كوادرها الفنية والادارية.
2 ـ تتمثل نسبة عالية من التمويل المطلوب في قروض طويلة الاجل لا تتماشى مع الودائع قصيرة الاجل التي تشكل جل موجودات المصارف المحلية.
3 ـ بغية تحسين ربحية الشركات التي ينص قانون الخطة على تأسيسها، لابد من تخفيض كلفة تمويلها من خلال توفير قروض ميسرة وهذا ما لا تستطيع وحدات الجهاز المصرفي المحلي توفيره.
1 ـ عجز الجهاز المصرفي:
لم نسمع من المشرفين على وضع الخطة ومتابعتها ولا من اصحاب مقترح التمويل الموازي ما يبين لنا حجم التمويل الذي تحتاجه الخطة، غير ان الاطار العام للخطة والمرفق بقانونها ينص على ان حجم الاستثمارات المستهدفة لسنوات الخطة الاربع يصل الى قرابة 30 مليار دينار بمتوسط سنوي مقداره 7.4 مليارات موزعة بين القطاع العام النفطي (1.6) والقطاع العام غير النفطي (2.4) والقطاع الخاص (3.4 مليارات).
ومع اخذ هذه الارقام في الاعتبار، نذكر الحقائق التالية:
أ ـ التمويل المطلوب ليس قروضا نقدية بأكمله، بل تمثل الضمانات والكفالات المصرفية والتسهيلات التي يقدمها الموردون جزءا لا بأس به من حجم التمويل، والاهم من ذلك ان التمويل لا يكون دفعة واحدة، لكن على دفعات كثيرة وعلى مدى زمني يطول ويقصر تبعا لطبيعة المشروع وخطوات تنفيذه، وبالتالي سيكون متوسط حجم التمويل النقدي المطلوب سنويا اقل بكثير من الالتزامات المبرمة كل عام.
ب ـ يعتقد اكثر المراقبين تفاؤلا، ان القدرة الحقيقية على التنفيذ لن تتجاوز 60% من حجم الاستثمار المستهدف، وقانون الخطة ذاته اقر ضمنا بهذا الواقع حين ذكر في مادته السابعة ان الاهداف الكمية الواردة في الخطة تعتبر اهدافا تقديرية قابلة للتعديل حسبما يطرأ من مستجدات اثناء التنفيذ وهذا ما ينعكس انخفاضا كبيرا في حجم متوسط التمويل النقدي السنوي المطلوب.
ج ـ بحكم الدور والخبرة والقانون، يعتبر بنك الكويت المركزي اجدر الجهات الرسمية والاهلية واقدرها على معرفة امكانات الجهاز المصرفي المحلي، وقد ادلى محافظ البنك المركزي بشهادته في هذا الصدد بكل وضوح حين صرح يوم 8/8/2010 بـ«ان الجهاز المصرفي المحلي هو الاقدر على توفير مصادر التمويل اللازمة لمشروعات خطة التنمية، وبما يساهم الى حد كبير في تسريع تنفيذ الخطة، اذ تتوافر لدى الجهاز المصرفي المحلي الخبرات والكوادر الفنية والمهنية، كما تتوافر لديه السيولة اللازمة لتقديم التمويل المطلوب.
د ـ اننا نتحدث هنا عن مشاريع التنمية في دولة تعتبر قدرتها المالية اهم دعائم اقتصادها، كما اننا نتحدث هنا عن قطاعها المصرفي الذي يعتبر القطاع الاقوى بعد قطاع النفط، فضلا عن انه القطاع الذي تنعقد عليه آمال الكويت لتحقيق رؤيتها الاستراتيجية بالتحول الى مركز مالي وتجاري، وفوق هذا كله تعتبر مؤسسات هذا القطاع ووحداته المصرفية الاكثر تقدما بين مثيلاتها على مساحة الشرق الاوسط كله، فكيف يمكن تجاهل رأي البنك المركزي في قدرة وامكانات الجهاز المصرفي الخاضع لرقابته واشرافه؟ وكيف ندعو العالم الى الثقة بوطننا كمركز مالي، اذا لم نثق نحن بجهازنا المصرفي وقدرته على توفير التمويل المحلي؟
2 - القدرة على التمويل طويل الأجل:
من اسباب الدعوة الى «التمويل الموازي»، كما رأينا، ان المشاريع التنموية وشركاتها تحتاج الى تمويل طويل الاجل، بينما تشكل الودائع قصيرة الاجل المصدر الرئيسي لاموال الوحدات المصرفية المحلية، ومع التسليم بوجاهة هذا السبب وموضوعيته، نعتقد ان التعامل معه يعتمد الى حد بعيد على ملاءة الجهة المقترضة، والجدوى الاقتصادية والتجارية لمشاريعها، ومن جهة ثانية، يمكن تجاوز مخاطر عدم الانسجام بين مدة القروض واجل الودائع من خلال التحالفات بين المصارف المحلية بعضها مع بعض، والتحالفات بينها وبين المصارف الاجنبية لتقديم قروض مجمعة «syndicated loans»، كما تبرز في هذا الصدد اهمية قيام المصارف المحلية بزيادة رؤوس اموالها لترفع من قدرتها على التمويل متوسط وطويل الاجل، ولا يمكن ان نغفل هنا اهمية «السندات» كوسيلة تمويلية سخية الوعد في توفير تمويل طويل الاجل وفي اطار الجهاز المصرفي، وتحضرها شركة «ايكويت» كمثال لقدرة الشركات ذات الجدوى العالية والتدفقات المالية الواضحة على اجتذاب التمويل المناسب لها، فقد حصلت ايكويت على تمويل ضخم طويل الاجل من مصارف محلية واجنبية، وفي فترة كانت امكانات هذه المصارف فيها ادنى من الآن بكثير.
3 - تحسين ربحية الشركات:
من اهم المبررات التي يسوقها اصحاب مقترحات «التمويل الموازي»، ان مثل هذا التمويل يجب ان يكون ميسرا ومدعوما ومنخفض التكلفة لكي يخفض تكاليف الشركات التنموية المقترضة، ويزيد من الجدوى الاقتصادية والمالية لمشاريعها، ويسمح بتحقيق هامش ربح كاف للتوزيع على المساهمين وتسديد القروض، ومثل هذا التمويل يتعذر على الوحدات المصرفية المحلية والخارجية تقديمه، ولابد من تدخل المال العام لتوفيره، وفي هذا الصد نود ان ندرج النقاط التالية:
أ - المبدأ العام الذي يجب احترامه الى ابعد حد ممكن، هو ان تكون مشاريع التنمية وشركاتها ذات جدوى اقتصادية وتجارية حقيقية على المدى الطويل على الاقل، والا جاءت عبئا على الاقتصاد الوطني ونزفا دائما للمال العام، ولا تستثنى من هذه القاعدة الا مشاريع الامن الغذائي ومشاريع الامن الوطني.
ب - ان اقصى ما يمكن ان يحققه التمويل الميسر من وفر للشركة بالمقارنة مع التمويل العادي هو 4% من مبلغ القروض سنويا، وهذه نسبة لا تستحق ـ في اعتقادنا ـ التضحية بكل مزايا التمويل التقليدي، وتجاوز حدود احترام مبادئ المنافسة العادلة، وتعميق التشوهات الهيكلية في اقتصادنا الوطني.
ج - يمكن للدولة ان توفر للشركات المعنية ومشاريعها تمويلا ميسرا دون اللجوء الى اسلوب «التمويل الموازي»، من خلال تغطية الفرق بين تكلفة التمويل التقليدي وتكلفة التمويل الموازي، على ان يبقى الاقراض ملتزما بمعايير الملاءة والسلامة والجدوى، ومثل هذا الدعم من الدولة اقل تكلفة بكثير من مقترحات التمويل الموازي التي يفوق حجم المبالغ المطلوبة بموجبها عشرة مليارات دينار.
د - الامر الاهم والاجدر بالملاحظة والمتابعة، هو ان مقترحات «التمويل الموازي»، قد تجاهلت كل طرق ووسائل وعناصر تحسين ربحية الشركات ورفع جدواها الاقتصادية والتجارية، وركزت على عنصر واحد فقط هو تكلفة التمويل، رغم انخفاض الاهمية النسبية لهذا العنصر، واذا كانت كفاءة الادارة هي اهم محددات تكاليف الشركات وفرص نجاحها بشكل عام، فإن ثاني اهم هذه المحددات بالنسبة لشركات الخطة ومشاريعها الانمائية يكمن في شروط اتفاقاتها وعقودها مع الجهات الحكومية من جهة، والقيود المتشددة التي اقحمت ضمن نصوص القوانين ذات الصلة بفعل الضغوط السياسية ومنظور الشك والريبة من جهة ثانية.
هـ - ان «شروط الاذعان» التي فرضتها بعض المناقصات هي التي عرقلت تمويل مشاريعها وحالت دون تقدم الشركات لها، وان تعديلات تعيد لتشريعات عديدة، مثل قوانين «البناء والتشغيل والتحويل، b.o.t»، والخصخصة، والمناقصات، والعمل، والرهن العقاري، حيويتها وتوازنها، يمكن ان تعود بمردود ايجابي على المال العام، وان تزيد من ربحية المشاريع التنموية وشركاتها، ومن جدواها الاقتصادية والمالية وفرص نجاحها، بما يناهز اضعاف التأثير المستهدف من التمويل الموازي الميسر.
مشكلة إدارة لا مشكلة تمويل
يرى الداعمون الى التمويل الموازي لمشاريع التنمية وشركاتها، ان قنوات الائتمان المصرفي التقليدي تعاني اختناقات وانسدادات كثيرة ومعيقة لتمويل القطاع الخاص عموما وتمويل المقاولين والمشاريع الانشائية على وجه الخصوص، وقد عقدت غرفة تجارة وصناعة الكويت عدة ورش عمل مع المصارف المحلية والعديد من شركات المقاولات، تم خلالها تحليل هذه الظاهرة بشمول وعمق، وتبين للغرفة من خلاله ان الحديث عن انسدادات ومعيقات ائتمانية فيه كثير من الصحة، كما تبين للغرفة، بالمقابل، ان هذه الانسدادات تلحق ضررا كبيرا بمؤسسات وشركات القطاع الخاص وبالمصارف المحلية معا، وان العدد الاكبر والاخطر منها لا يتعلق بالعجز عن التمويل، بل يعود الى قصور في الادارة بمعناها الواسع وفي القطاعين العام والخاص على حد سواء، وبالتالي، ان معالجة هذه المعيقات والاختناقات الائتمانية لا تكون باللجوء الى التمويل الموازي بكل ما يحمله من مخاطر وما يتجاوزه من اصول وقواعد، بل لابد لهذه المعالجة من تعاون وتضافر جهود جميع الجهات المعنية، لتحقيق خطوات تشريعية وتنظيمية واجرائية عديدة، نذكر منها:
أ - سبق لمحافظ بنك الكويتي المركزي ان اعلن «ان سياسة البنك تسمح بمنح استثناءات من الضوابط المقررة في مجال منح الائتمان بالنسبة للمشاريع الكبيرة ذات الطابع الاستراتيجي، وان هذا ما تم تنفيذه بالفعل في العديد من المشروعات ذات الطابع الوطني في السابق».
وهنا يمكن ان نذكر بعض الاستثناءات التي نأمل ان تساهم في معالجة الاختناقات في خطوط الائتمان مثل: اعتبار حوالات الحق ضمن الضمانات التي يقبلها المركزي، وكذلك رفع سقف المبالغ الممكن اقراضها لمدين واحد او لقطاع واحد.
ب - المصارف المحلية مدعوة بدورها الى اتخاذ خطوات عديدة لتسهيل فتح خطوط الائتمان للقطاع الخاص، مثل: زيادة رؤوس اموالها لتزداد قدرتها على الاقراض عموما وعلى الاقراض بآجال متوسطة على وجه الخصوص، وكذلك العمل على تشكيل تحالفات او شركات فيما بينها، وبالتعاون مع مصارف خارجية لتستطيع تمويل المشاريع الكبيرة بقروض مجمعة، الى جانب العمل على اصدار سندات ذات آجال طويلة نسبيا.
ج- تعديل قانون البناء والتشغيل والتحويل b.o.t ليكون اكثر واقعية وتجاوبا مع الاحتياجات الفعلية، وبالتالي تسهيل اقراض هذه المشاريع وهذا ما ينطبق ايضا على قانون الخصخصة لمعالجة ما اعتراه من شروط مرهقة نتيجة الضغوط السياسية وتسويات اللحظة الأخيرة.
د- تيسير وتقصير الدورة المستندية لترسية المشاريع، بما في ذلك صرف الدفعات وتحصيلها، مما يسهل تمويل هذه المشاريع، ويخفض حجم احتياجاتها للتمويل النقدي.
هـ - ايجاد معايير واضحة تسمح باعطاء أولويات محسوبة للمقاولين الذين تؤكد وثائقهم وسجلات مشاريعهم السابقة التزامهم بشروط العقد، والذين يتقدمون بما يثبت حصولهم على موافقات مصرفية مسبقة على تمويلهم.
و- ايجاد نظام يسمح ضمن معايير واضحة بتعويض المقاولين عن ارتفاع اسعار المواد الانشائية باكثر من نسبة محددة، وخاصة عندما تمتد الفترة الفاصلة بين طرح المناقصة وارسائها اكثر من مدة محددة.
ز- ضمان حقوق المصارف المقرضة اذا ما سحبت الجهات الرسمية المعنية المشروع من المقاول، مع حق هذه الجهات بالعودة على المقاول في ذلك، اذا كان سحب المشروع منسجما مع نصوص عقد المقاولة.
ح- تشجيع شركات المقاولات على التحالف او الاندماج لزيادة عدد المقاولين المؤهلين لتنفيذ مشاريع التنمية.
مفهوم ودور شركات الخطة
اكدت غرفة تجارة وصناعة الكويت ان خطة التنمية تسعى خلال سنواتها الاربع الى اقامة مشاريع تنموية استراتيجية في مجالات بناء المدن، المستودعات، الخدمات التعليمية والصحية والاعلامية والسياحية، الاتصالات، العمالة، مترو الانفاق وانتاج الكهرباء على ان تقوم بتنفيذ وادارة هذه المشاريع شركات مساهمة عامة تؤسسها الحكومة وتحتفظ بما لا يزيد عن 24% من رأسمالها ويطرح نسبة 26% للشركاء الاستراتيجيين بالمزاد العلني ويطرح الباقي 50% للاكتتاب العام بالتساوي بين جميع المواطنين.
ومع التقدير الكامل لدوافع فكرة هذه الشركات والمتمثلة بتعزيز دور القطاع الخاص ومشاركة كل المواطنين في مشاريع التنمية وثمارها، فاننا نعتقد بان عدد هذه الشركات وحجمها واهميتها تفرض علينا وقفة مراجعة تجاه هذه الفكرة، تكون اكثر تأنيا وابعد رؤية واقل تسييسا وتأخذ في الاعتبار الحقائق التالية:
- ان مشاركة جميع المواطنين في هذه الشركات لن تزيد عن مبلغ زهيد جدا لكل مواطن، ولن نستغرب ان تسدده الدولة نيابة عنهم، ولكن الاهم من ذلك ان هذه المشاركة لن تستمر الا عاما وبعض عام، حيث لابد من ادراج هذه الشركات في سوق الكويت للاوراق المالية بعد سنة من انشائها، وعندئد ستنتقل ملكية اغلبية هذه الاسهم الى مجموعات استثمارية متخصصة، ومع ان هذا الانتقال يمثل تطورا ايجابيا لمصلحة الشركة ونجاحها، الا انه يأخذ منها هالة الشعبية التي احيطت بها وكانت من اسباب وجودها.
- لا تملك هذه الشركات احتياطات من سنوات سابقة ولن تكون لديها تدفقات نقدية لسنوات عديدة قادمة، وليس لديها خبرات في تنفيذ المشاريع وادارتها يحكم على كفاءتها من خلالها، مما يجعل حصولها على تسهيلات ائتمانية وقروض نقدية كافية امرا صعبا ما لم تحظ بضمانة المال العام.
- ستوزع مشاريع التنمية الاستراتيجية على هذه الشركات بالتجاوز لكل اعتبارات المنافسة العادلة والفرص المتكافئة وبالتجاوز للكثير من التشريعات والاجراءات المرعية وفي طليعتها قانون تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار.
- النسبة المخصصة للشركاء الاستراتيجيين في ملكية الشركة 26% نسبة غير مشجعة على الاطلاق لاجتذاب شركاء اصحاب خبرة وتقنية واستثمارات اجنبية خاصة اذا تم تقسيم هذه النسبة الى شرائح اصغر.
وباختصار، ان الوقفة التي ندعو اليها لاعادة دراسة مفهوم وعمل هذه الشركات انما يقصد منها ان نعود بها الى اصول العمل التنموي والاستثماري اذ يصعب تعزيز دور القطاع الخاص من خلال تجاوز اصول عمل هذا القطاع القائمة على المبادرة والمنافسة وتكافؤ الفرص.
عود على بدء
في هذه الورقة تعرب غرفة تجارة وصناعة الكويت بكل صراحة عن رأيها بان الحوار الذي يشغل الساحة الاقتصادية الكويتية في شأن تمويل الشركات المساهمة التي نص عليها قانون الخطة، هو حوار حول مشكلة مازالت في دائرة الظن، تتعلق بتمويل شركات لم تؤسس بعد، غرضها تنفيذ مشاريع قيد الدراسة، وهو حوار يكاد يخرج عن اطار الاعتبارات والمنطلقات الاقتصادية ليدخل اروقة اللعبة السياسية وحساباتها مما يعرض الخطة الانمائية ومصداقيتها والآمال المعقودة عليها الى مخاطر حقيقة.
والغرفة اذ ترفض القول بوجود مشكلة في تمويل مشاريع خطة التنمية ناجمة عن عجز الجهاز المصرفي المحلي لا تنكر ابدا وجود اشكالات تشريعية وتنظيمية وادارية تعوق وصول الخطوط الائتمانية المصرفية الى القطاعات الاقتصادية المختلفة بكفاية عالية وتكلفة عادلة.
من هنا، كان الهدف الاول والأهم لهذه الورقة هو التحذير من مغبة تسييس الحوار حول تمويل الخطة، والعودة به الى أصوله الفنية من خلال مقاربة هذه الاشكالات، وتسليط الضوء عليها، حرصا على الخطة الانمائية، ودعما للجهود الكبيرة التي بذلت من أجل وضعها واقرارها، وغيرة على الآمال الواسعة التي عقدت عليها.
وقد حرصت الغرفة على ان تكون مقاربتها لهذه «الاشكالات» منبثقة من منطلقات الخطة ذاتها، وخاصة ما ورد في اطارها العام المرافق لقانونها، والذي جاء فيه ـ بشأن سياسات التحول الى مركز مالي وتجاري ـ ما يلي:
ـ تحسين الوضع التنظيمي للاستثمار المالي في الكويت، والتحول الى صناعة ادارة الثروات، والترويج للكويت كمركز اقليمي لإدارة الثروات وإدارة الأنشطة المالية المختلفة، بالاضافة الى زيادة وتحديث قدرات القائمين بعمليات ادارة الثروات والاستثمارات المالية وتطوير أسواق الرهن العقاري وتمويل المشاريع الكبرى والسندات والصكوك والتوريق، وتستهدف هذه السياسة أن ينمو القطاع المالي بمعدل نمو قدره 7% سنويا خلال سنوات الخطة.
ـ تعزيز دور البنك المركزي كجهة رقابية وإشرافية على الجهاز المالي والمصرفي، واستخدام أدوات السياسة النقدية بما يسهم في دعم وتطوير السوق المالي المحلي.
ـ تعزيز مبادئ الإدارة السليمة في العمل المصرفي، وذلك بتشجيع إدارات المؤسسات المصرفية على اتباع أفضل الممارسات في العمل المصرفي من خلال توجيه تلك المؤسسات نحو تطبيق معايير العمل المصرفي الدولي.. وتهدف هذه السياسة الى حصول المصارف الكويتية على أعلى التصنيفات من مؤسسة التقييم الدولية.
فإذا أضفنا لهذا كله ما سبق ذكره عن تأكيد البنك المركزي على ان الجهاز المصرفي يملك من الخبرات والكوادر، ويملك من السيولة، ما يجعله الأقدر على توفير مصادر التمويل اللازمة لمشروعات الخطة التنموية، يمكننا الدعوة بكل ثقة وموضوعية الى ان يكون تمويل شركات المشاريع التنموية الاستراتيجية من خلال الجهاز المصرفي، وتحت رقابة وإشراف بنك الكويت المركزي، لأن في ذلك تحقيق الفوائد والمزايا التالية:
ـ تطوير القطاع المصرفي وتحقيق النسبة المستهدفة في الخطة لنموه، وهي 7% سنويا.
ـ الاستفادة من خبرات البنوك في ادارة المشاريع وتمويلها بالتعاون مع البنوك والمؤسسات المالية الخارجية.
ـ الاستفادة من خبرة البنوك في ادارة وتقييم المخاطر.
ـ تمكين البنك المركزي من أداء دوره الأساسي في رسم وتطبيق السياسات الائتمانية والسياسات النقدية.
ـ تفادي الانعكاسات التضخمية الخطيرة التي يمكن ان يؤدي اليها تقديم الائتمان خارج النظام المصرفي ورقابة المركزي.
ـ ان قيام الدولة بتقديم التمويل للمشاريع الخاصة بصورة مباشرة، وخارج الجهاز المصرفي ورقابة البنك المركزي، سيفتح الباب على مصراعيه للتدخلات والتأثيرات السياسية، وسيخلق نظاما تمويليا موازيا غير منظم وغير منضبط بفعل انكشافه أمام المساومات السياسية.
لقد نجحت الكويت في تمويل جهود ومشاريع إعادة الإعمار، بعد تحريرها في فبراير 1991، رغم ان احتياطات الدولة وصلت ذاك الوقت الى أدنى مستوياتها، ورغم ان المصارف الوطنية كانت تعاني أوضاعا مالية وإدارية وفنية بالغة الصعوبة، ونحن على ثقة بأن التجربة التنموية الجديدة ستكرر هذا النجاح، إذا ما نأت عن كثير من الريبة والشك، والتزمت المعايير الاقتصادية الصحيحة.
وأخيرا، شددت غرفة تجارة وصناعة الكويت على ان الحوار حول الخطة ليس ظاهرة صحية فحسب، بل هو ـ أيضا ـ ظاهرة ضرورية يجب ان تستمر، لكي تسمح بالتطوير في ضوء التنفيذ، وتعمل على تصحيح الخطأ قبل ان يتحول الى انحراف، غير ان مثل هذا الحوار يجب ان يبقى في اطاره الاقتصادي والاجتماعي، ويجب ان يحافظ على نهجه الموضوعي المتفهم للرأي الآخر، والمتقبل للصواب فيه، اما اذا تسيس هذا الحوار، فخرج عن اطاره وأفلت من نهجه، فسيأخذ الخطة الى جوار سابقاتها، وستكون التنمية ومشاريعها، والكويت ومستقبل أجيالها الضحية.
داعية الى التحاور من أجل الكويت ومستقبلها، لأن الحوار تلاقح في الأفكار يزيدها رشادا، والحذر من الجدل لأن الجدل تصادم في العناد يورّث ندما، ولنترسم كلمة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد حين قال: ان التعاون لا يعني عدم وجود اختلاف في الرأي، ولكن اختلاف المجتهدين في البحث عن الحقيقة تتعدد فيه الاجتهادات وتتباين فيه المواقف بحوار يتسم بالموضوعية والتجرد، يترفع عن النوازع الشخصية والمصالح الفردية، ويغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فترسخ به ومن خلاله ثقة المواطن في النظام الدستوري الذي ارتضيناه منهج حكم وأسلوب حياة.
تفاؤل مشوب بالحذر إزاء الموقف الحكومي
اشارت الغرفة الى الاجتماع الذي ترأسه سمو رئيس مجلس الوزراء يوم 18/8/2010 بحضور الوزراء المعنيين ومحافظ بنك الكويت المركزي لبحث موضوع تمويل مشاريع الخطة، الذي انتهى الى الاتفاق على نوعين من التمويل، الأول هو التمويل التقليدي من قبل قطاع المصارف المحلي ووحدات القطاع الخاص المختلفة وتحت رقابة البنك المركزي، والنوع الثاني من التمويل هو الدعم المالي الميسر لفترات زمنية طويلة ومن خلال وحدات النظام المصرفي ايضا، وتكليف البنك المركزي باعداد مشروع قانون ينظم ذلك. ورغم ما يكتنف هذا التصريح من غموض يفتح المجال امام اجتهادات مختلفة في التفسير، يمكن القول ان مدلوله العام ينبئ بترجيح تمويل مشاريع التنمية من خلال وحدات الجهاز المصرفي وتحت رقابة البنك المركزي، وبما يؤمن لمشاريع التنمية حجما ملائما من التمويل الميسر، ومع ان مثل هذا المدلول لتصريح المجتمعين يوم 18/8 يدعو الى تفاؤل مشوب بالحذر، فاننا نجد من المفيد التساؤل عن مدى ضرورة وجدوى اصدار قانون ينظم تمويل مشاريع الخطة؟ ان اعضاء مجلس الامة الافاضل الذين تقدموا باكثر من مقترح بقانون لتمويل مشاريع الخطة، انما فعلوا ذلك لانهم يرون الخروج عن الاسلوب التقليدي في هذا التمويل، والنأي عن وحدات الجهاز المصرفي في مصادره، وهذا ما يحتاج- بالتأكيد – الى قانون ينظمه. اما الفريق الحكومي فقد آثر الاسلوب التقليدي، وآثر حصر التمويل بوحدات الجهاز المصرفي، حتى لو كان هذا التمويل من قبيل الدعم المالي الميسر، وهذا ما يجري العمل به فعلا، وهو – ايضا – ما نص عليه الاطار العام للخطة بصورة مباشرة او غير مباشرة، خاصة عندما نص قانون الخطة، في مادته السادسة، على ان يراعى في اعداد مشاريع الخطة والموازنة العامة للدولة الاهداف والسياسات والبرامج الواردة في الخطط السنوية، وان تتم تقديرات الموازنة وفق ما جاء بالخطط السنوية، وبالتالي ليس ثمة حاجة في اعتقادنا – لاصدار قانون جديد ينظم تمويل الشركات التي نصت عليها المادة الثانية من الخطة، بل ان مثل هذا القانون سيحد كثيرا من المرونة اللازمة للتعامل مع الحالات والمشاريع المختلفة، وسيلقص – بالتالي – امكانيات الدعم المالي الميسر لآجال طويلة.