محمد البدري
قال البنك الدولي ان المعونة العربية لعبت دورا مهما في تمويل التنمية العالمية على مدى العقود الأربعة الماضية منذ ستينات القرن الماضي وحتى الوقت الراهن.
وأشار البنك في تقرير أصدره حديثا، إلى أن المساعدات الإنمائية المقدمة من البلدان العربية خلال أربعين عاما لم تحظ بالدراسة والاهتمام الكافيين، لافتا الى ان البلدان العربية المانحة، التي تتصدرها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، من بين أكثر البلدان سخاء في العالم.
وأوضح البنك الدولي في تقرير له جاء تحت عنوان «المساعدات الانمائية العربية: أربعة عقود من التعاون»، أن المساعدات الإنمائية الرسمية العربية شكلت في المتوسط 1.5% من إجمالي الدخل القومي لها خلال فترة السنوات 1973 - 2008، وهو أكثر من ضعف المستوى الذي تستهدفه الأمم المتحدة والبالغ 0.7%، وخمسة أضعاف متوسط المساعدات التي تقدمها بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي «لجنة المساعدات الإنمائية».
وعلى مدار عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وبالاضافة إلى المساعدات الحكومية/ الحكومية، أنشأ المانحون العرب عددا من المؤسسات المالية المتخصصة لتقديم المساعدات التنموية للبلدان الأقل دخلا، وقد كان في مقدمة هذه المؤسسات الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، كما تم تأسيس خمسة صناديق اقليمية للتمويل الإنمائي، هي: الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والبنك العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا، والبنك الاسلامي للتنمية، وصندوق أوپيك للتنمية الدولية، صندوق النقد العربي، وعلى الرغم من ان بعض هذه المؤسسات لم تكن عربية خالصة إلا أن البلدان العربية كان لها نصيب الأسد من مساهمات تلك المؤسسات التمويلية وعلى الأخص دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد ارتفعت نسبة المساعدات المقدمة من قبل هذه المؤسسات بمعدل 4.4% سنويا خلال الفترة من «1990 – 2008».
كما لعب برنامج الخليج العربي لمؤسسات التنمية المتحدة دورا خاصا في تمويل المساعدات التقنية والانسانية بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة المتخصصة.
وقد ساهمت مؤسسات التمويل العربية الكبرى المانحة بما يزيد عن 155 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 1962 و2008، وبلغت نسبة الزيادة السنوية المطردة لهذه المساعدات 4.4% خلال الفترة من 1990 الى 2008.
وقال البنك ان هناك أسبابا وجيهة للاعتقاد بأن المعونة العربية ستواصل لعب دور مهم في المساعدات الإنمائية الدولية في المستقبل المنظور.
وقد زادت البلدان العربية المانحة مؤخرا من حجم معوناتها رغم حدة الأزمة المالية العالمية، كما تتمتع المؤسسات المالية العربية بقاعدة رأسمالية قوية، مع قدرتها على زيادة المساعدات.
وتمثل المساعدات الإنمائية الرسمية العربية في المتوسط 13% من إجمالي المساعدات التي تقدمها لجنة المساعدات الإنمائية، وقرابة ثلاثة أرباع المساعدات الرسمية المقدمة من البلدان غير الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية، وقد جاء نحو ثلث إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية خلال سبعينيات القرن الماضي من البلدان العربية المانحة.
وكان ارتفاع مستويات المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة من البلدان العربية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي انعكاسا لارتفاع أسعار النفط في المقام الأول، وإلى حد ما، انعكاسا للتكاليف الكبيرة لبدء النشاط المصاحب لتكريس برامج المعونة ورسملة صناديق وبنوك التنمية (الشكل الأول).
وشهد مستوى المعونة العربية في سبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي ارتفاعا استثنائيا بالمعايير الدولية ولم يكن من الممكن أن يستمر على مدار الزمن، كما انكمش الحيز المالي للبلدان المانحة مع مرور الوقت نتيجة لتراجع عائدات النفط وزيادة الإنفاق الوطني على الأجور والتحويلات وخدمة الديون والخدمات الاجتماعية للسكان الذين تنمو أعدادهم.
وقد ارتفعت مستويات المعونة منذ عام 2002 من حيث الحجم ومن حيث نسبتها من إجمالي الدخل القومي مع ارتفاع أسعار النفط، وزيادة احتياجات إعادة الإعمار في أعقاب انتهاء النزاعات، وعلى نحو ما كان في الماضي، فإن أغلب المعونة تأتي من السعودية والكويت والإمارات على الترتيب.
وبالإضافة إلى المعونة المقدمة من الحكومات إلى الحكومات، فقد أقامت البلدان العربية المانحة عددا من مؤسسات المال المتخصصة لتقديم المساعدات الإنمائية لعدد متزايد من البلدان النامية في مختلف أنحاء العالم.
وزادت المساعدات المقدمة عبر هذه المؤسسات كثيرا بالقيمة الحقيقية بما يتجاوز 4% سنويا وذلك على مدى العشرين عاما الماضية.
ومع مرور الوقت، وسعت البلدان العربية المانحة انتشارها فيما يتعلق بالبلدان المتلقية للمساعدات لتتجاوز البلدان العربية والبلدان ذات الأغلبية المسلمة وأيضا فيما يتعلق بالقطاعات، بحيث تجاوزت قطاع البنية الأساسية.
وتغطي المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة من البلدان العربية في الوقت الراهن مجموعة كبيرة وواسعة النطاق من البلدان، منها بلدان فقيرة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء مثل مالي وموريتانيا والسنغال والصومال والسودان، وفي آسيا مثل كمبوديا وبنغلادش ونيبال وباكستان وسريلانكا وطاجيكستان وفيتنام.
ويمثل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والصندوق السعودي للتنمية وصندوق أوپيك للتنمية الدولية الجهات التي لها تركيز عالمي كبير إذ إنها تمول مشروعات أيضا في كل من أوروبا وأميركا اللاتينية.
وقد لعبت المعونة العربية دورا رئيسيا في إجمالي تدفقات المساعدات الإنمائية الرسمية إلى العديد من البلدان النامية مثل سورية والمغرب ولبنان واليمن والأردن على سبيل المثال لا الحصر، ومثلت المساعدات العربية ما بين 10: 20% من حجم المساعدات الانمائية الدولية المقدمة لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة، الصومال، وتركيا، ومصر، السودان، موريتانيا، وجيبوتي.
واتسع نطاق تركيز المساعدات الإنمائية الرسمية العربية مع مرور الوقت ليشمل قطاعات الزراعة والصحة والتعليم والإسكان والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية والطاقة ومكافحة الفقر.
من ناحية أخرى، شهدت المساعدات الإنمائية العربية الثنائية تنوعا وتحولا نوعيا في مكوناتها، فحتى عام 2000 مثلت المنح نحو ثلثي هذه المساعدات، ولكن على مدار العقد الأخير «2000 – 2010» تراجع حجم المنح لما نسبته 40%، وأصبح الجزء الأكبر من تلك المساعدات يأتي في صورة قروض ميسرة.
نظرة مستقبلية
تشير الدلائل الاقتصادية إلى أن مؤسسات التمويل العربية ينظر إليها باعتبارها آليات مؤهلة للتعاطي الفعال مع التحديات التي تفرضها الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، كما أن هذه المؤسسات قادرة على المدى البعيد على تفعيل دورها وعملياتها التمويلية في الحد من التداعيات السلبية التي قد تواجهها الأسواق والاقتصادات في البلدان الناشئة والأقل نموا.
وخلص البنك الدولي في ختام تقريره للقول ان هناك أسبابا موضوعية وجيهة للاعتقاد بأن المعونة العربية ستواصل لعب دور مهم في المساعدات الإنمائية الدولية في المستقبل المنظور، وقد زادت البلدان العربية المانحة مؤخرا من حجم معوناتها رغم حدة الأزمة المالية العالمية، كما تتمتع المؤسسات المالية العربية بقاعدة رأسمالية قوية، مع قدرتها على زيادة المساعدات.