أشار بنــــك الكويت الوطني في موجــــزه الاقتصـــادي الاخير حول أسواق النفط وتطورات الميزانية الى أن أسعار النفط تصدرت العناوين مجددا خلال الشهر الماضي، مع تخطي سعر مزيج برنت حاجز 100 دولار للبرميل، وذلك للمرة الاولى منذ الارتفاع الحاد الذي حصل في العام 2008، فقد بلغ معدل سعر برميل النفط في شهر يناير 96.3 دولارا للبرميل، أي بارتفاع نسبته 5% عن شهر ديسمبر، ولكن ذلك لم يعكس تماما الارتفاع الحاد الذي شهده مؤخرا والبالغ 6 دولارات.
ولاحظ «الوطني» أن سعر برميل الخام الكويتي قد شهد ارتفاعا موازيا في نهاية الشهر مقداره 5 دولارات، لكن لاتزال التعاملات تتم بأسعار أقل من أسعار باقي أنواع النفط الخام العالمية. وبلغ سعر برميل الخام الكويتي ذروته في المدى القصير عند 95.9 دولارا للبرميل في الثاني من فبراير الجاري.
ورأى «الوطني» أن السبب الرئيسي في ارتفاع الاسعار الحاد في نهاية شهر يناير يرجع الى الاضطرابات السياسية التي عمت مصر في أعقاب الاحداث التي عصفت بتونس، مشيرا الى انه رغم غياب اي دلائل على تعطيل ذي أهمية لخطوط النفط التي تمر اما عبر قناة السويس أو عبر خط أنابيب «سوميد»، وهي خطوط توزع مجتمعة ما يقدر بأربعة ملايين برميل يوميا من النفط ومشتقاته، فان ردة فعل الاسواق تعكس احتمال حدوث تأخيرات أو اغلاقات، وانتقال عدوى الاضطرابات الى الدول الاخرى، والارتفاع في الخطر الجيوسياسي في المنطقة.
واشار «الوطني» الى انه بالاضافة لمصر، فان التأثير الايجابي الاقل أهمية على أسعار النفط قد يكون تجدد انخفاض قيمة الدولار، والذي تراجع من أعلى مستوى له في منتصف شهر يناير فاقدا ما يقارب 7% مقابل اليورو، ويرجع هذا التحرك للدولار جزئيا الى وجهات نظر ترى أن السياسة النقدية خارج الولايات المتحدة قد تكون أكثر انكماشا في الفترة المقبلة، وذلك استجابة لارتفاع أسعار السلع الغذائية.
ولفت «الوطني» الى انه بعد الارتفاع الكبير الذي سجله في العام 2010، يتوقع أن يتباطأ نمو الطلب على النفط عالميا هذا العام لتصل الزيادة الى ما بين 1.2 و1.6 مليون برميل يوميا، أي بنسبة نمو تتراوح ما بين 1.4% و1.8%، ويعكس هذا التباطؤ العودة الى أسعار أكثر اعتدالا للنمو الاقتصادي اثر الارتفاع الذي شهده العام الماضي والذي جاء نتيجة انتعاش أعقب الازمة الاقتصادية، كما يعكس أيضا التأثير المحتمل لسياسة الانكماش الاقتصادي على الطلب النهائي مع سعي الحكومات لتقليص العجز في ميزانيتها ومع تحرك البنوك المركزية لاعادة الاوضاع النقدية الى طبيعتها بعد فترة من السياسات التوسعية.
النمو الاقتصادي
ورجح «الوطني» أن يأتي النصيب الاكبر من النمو من الدول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث النمو الاقتصادي فيها قد يكون سريعا نسبيا، ولان المرحلة الاولى من التنمية في تلك الدول أميل لدعم النمو في القطاعات الصناعية الثقيلة، والتي تكون في العادة كثيفة في استهلاكها للنفط، من جهة اخرى قد يكون الارتفاع في أسعار النفط بحد ذاته عاملا آخر في تباطؤ نمو الطلب وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك في الدول التي تستورد النفط.
ولاحظ «الوطني» أن انتاج «أوپيك» (باستثناء العراق) شهد في شهر ديسمبر أكبر زيادة له منذ 18 شهرا، حيث ارتفع بمقدار 130.000 برميل يوميا ليصل الى 26.77 مليون برميل يوميا، وليس بالضرورة أن يعزى ذلك الى تغيير متعمد في سياسة «أوپيك»، حيث تعوض الزيادة الانخفاض الكبير الذي حصل في الانتاج في شهر نوفمبر، واللافت أن انتاج المملكة العربية السعودية، والتي غالبا ما تكون العضو المرجح في قرارات المنظمة، قد شهد ارتفاعا كبيرا للشهر الثاني على التوالي، ما قد يشير الى محاولة للحد من الارتفاع في الاسعار. وسينعقد اجتماع «أوپيك» المقبل في يونيو، وقد كرر الاعضاء رأيهم بأن العرض في السوق جيد وأن أي ارتفاع في الاسعار مرده الى المضاربة المالية، ورغم ارتفاع العرض بمعدل 0.5 مليون برميل يوميا في العام 2010، فان انتاج دول «أوپيك» الاحدى عشرة لايزال أقل بما يقارب 2 مليون برميل يوميا عما كان عليه في العام 2008.
أما بالنسبة لانتاج النفط من الدول خارج «أوپيك»، فتوقع «الوطني» أن يكون قد ارتفع بمقدار مليون برميل يوميا، فيما يتوقع أن يزداد انتاج «أوپيك» من سوائل الغاز الطبيعي، الذي لا يخضع لنظام الحصص، بمقدار 0.5 مليون برميل اضافي يوميا، ورغم انخفاض الزيادة الكلية في الانتاج من تلك المصادر هذا العام والمقدرة بنحو 1.1 مليون برميل يوميا، فانها تظل زيادة مؤثرة. وقد ترى أوپيك في هذه الزيادة مبررا للحذر من امداد السوق بمزيد من النفط بسرعة كبيرة.
ارتفاع اسعار النفط
وأشار «الوطني» الى أن توقعاته الاساسية الاخيرة لاسعار النفط هذا العام تفترض زيادة في الطلب على النفط تبلغ 1.3 مليون برميل يوميا، وهي زيادة قريبة من توقعات منظمة أوپيك، ويفترض أن يزداد انتاج الدول من خارج أوپيك بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا، بما في ذلك الانتاج الاضافي من كندا والبرازيل وزيادة كبيرة أخرى في سوائل الغاز الطبيعي الذي تنتجه أوپيك.
مستويات المخزون
ورغم أن هذه الارقام تعني ضمنيا الحاجة الى 0.2 مليون برميل يوميا من نفط أوپيك، فستكون هناك حاجة للمزيد اذا ما أريد تفادي تواصل التراجع في مستويات المخزون، وقد تكفي زيادة في انتاج أوپيك بواقع مليون برميل يوميا، عند نحو النصف الثاني من العام، لدرء انخفاض آخر في المخزون. وفي ظل سيناريو كهذا، قد يحتفظ سعر النفط الكويتي ببعض الزخم في النصف الاول من العام، مرتفعا الى 98 دولارا مع حلول الربع الثاني من العام 2011، قبل أن يتراجع الى 94 دولارا بحلول الربع الاخير من العام حين يظهر تأثير انتاج «أوپيك» الاضافي.
ولفت «الوطني» الى أن منظمة أوپيك قد تزيد انتاجها بأقل من مليون برميل يوميا، اما بسبب توقعاتها الاكثر تشاؤما للطلب العالمي هذا العام أو بسبب بعض التوقف غير المتوقع في الانتاج الذي قد يعاني منه البعض من أعضائها، واذا ما رفعت أوپيك انتاجها بمقدار 0.7 مليون برميل يوميا فقط، فان مستويات المخزون قد تنخفض مجددا والاسعار قد ترتفع أكثر بكثير. وقد يبلغ سعر النفط الكويتي 116 دولارا مع نهاية العام.
ولكن اذا ما تردى نشاط الاقتصاد العالمي بأكثر مما هو متوقع، ربما بسبب تقييد عالمي أكبر في السياسات المالية والنقدية، فقد يرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا فقط، وقد يتراجع سعر النفط الكويتي الى 84 دولارا للبرميل مع حلول الربع الثالث من العام 2011 والى 74 دولارا مع نهاية العام. وسيكون رد «أوپيك» المرجح على انخفاض كهذا في أسعار النفط، التراجع عن الزيادات في الانتاج التي تكون قد قامت بها اثتناء هذا العام، وذلك في محاولة للحد من المزيد من الانخفاض. واستنتج «الوطني» من السيناريوهات الواردة أعلاه معدلا لسعر النفط يتراوح بين 80 و81 دولارا للبرميل في السنة المالية الحالية، حيث يقع التأثير الرئيسي للتغييرات في العرض والطلب على الاسعار في السنة المالية المقبلة، ويعتبر السعر المتوقع للسنة المالية الحالية ضعف السعر الافتراضي في تقديرات الميزانية والبالغ 43 دولارا للبرميل.
وقد فاقت الايرادات الفعلية في الاشهر التسعة الاولى من العام، والتي بلغت 15.1 مليار دينار، تقديرات الحكومة للايرادات للعام كله بنسبة 56%، واذا ما جاء الانفاق الفعلي كما يتوقع، أي دون تقديرات الميزانية بنسبة 5% - 10%، فان الفائض هذا العام قد يتراوح ما بين 4.9 و6.1 مليارات دينار. وذكر «الوطني» ان البيانات الحكومية قد أشارت الى عجز متوقع في الميزانية قدره 4.5 مليارات دينار في السنة المالية 2011/2012، رغم عدم صدور الارقام المفصلة، وذلك بناء على سعر مفترض للنفط يبلغ 60 دولارا للبرميل.