عمر راشد
تأثرت بشدة دول منطقة الشرق الأوسط ودول الخليجي بتداعيات هبوط الدولار الأميركي أمام اليورو لأدنى مستوى له خلال عشرين شهرا مما أدى إلى تزايد القلق بالنسبة لنمو الاقتصاد الأميركي عموما والدول المرتبطة عملتها بالدولار من ناحية أخرى وتضرر الكثير بوجود ارتفاعات غير مبررة للأسعار، ولاتزال تداعيات انخفاض الدولار مستمرة على دول الخليج وقد سعت بعض الدول لحماية اقتصادها من تلك التداعيات بفك الارتباط، كما يؤثر هبوط الدولار على أسعار الأسهم في أسواق المال التي تشهد تدنيا هي الأخرى.
ولكن، ماهو السبب وراء هبوط الدولار الأميركي؟ وما هي النتائج المترتبة على ذلك بالنسبة للاقتصاد الأميركي والعالمي؟
عجز الموازنة
وتشير بعض التحليلات إلى أنه يقف وراء هبوط الدولار العجز التجاري الكبير الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب العجز المالي في الميزانية الفيدرالية الأميركية. وتدني سعر الدولار يؤثر بصورة بالغة على اقتصاد الدول الآسيوية التي تحتفظ باحتياطي كبير من عملتها بالدولار. ولقد ظل المراقبون يبدون القلق على مدى الأعوام الماضية من حجم العجز في الميزان التجاري الأميركي، وهذا يعني الفارق بين ما تصدره الولايات المتحدة، وما تستورده من منتجات.
ويتجه هذا العجز ليبلغ بنهاية هذا العام 800 مليار دولار، أي ما يقارب 7% من إجمالي الاقتصاد الأميركي، ولا توجد دلائل على تناقصه، وفي الوقت نفسه فقد أدت التخفيضات الضريبية في الولايات المتحدة إلى جانب الحرب على العراق إلى نقص في الميزانية الأميركية يبلغ عدة مئات المليارات من الدولارات وذلك برغم ازدهار الاقتصاد الأميركي.
العملاق الآسيوي
ومعظم الفجوة التي يشهدها الاقتصاد الأميركي، ينبع من تعاملات الولايات المتحدة مع دول جنوب شرق آسيا مثل الصين، واليابان، وكوريا، وكلها تبيع منتجات إلى السوق الأميركي تفوق ما تستورده منه.
وقد تمكنت هذه الدول مجتمعة من ادخار فائض من العملة يبلغ ترليون دولار أميركي، كلها على شكل سندات تصدرها الخزانة الأميركية. وهكذا فان هذه الدول تموّل العجز في المجالين التجاري والميزانية الأميركية، بطريق غير مباشر.
وقد أدى وجود هذا الخلل في التوازنات الاقتصادية العالمية إلى ان حذر صندوق النقد الدولي، وهيئات دولية أخرى من نشوء خطر يهدد بوقوع كارثة اقتصادية عالمية.
الحل الصعب
ويتساءل العديد من المحللين والمهتمين عن الحل ان الحل لهذه المشكلة يكمن في تكييف أسعار العملات العالمية بحيث تصبح المنتجات الأميركية أرخص، والمنتجات الآسيوية أغلى بعض الشيء لضمان التوازن بين أسعار تلك المنتجات.
ولكن الكثير من العملات الآسيوية، وخاصة عملة اليوان الصينية لا تلقى إقبالا عليها في الأسواق العالمية ولطالما طالب المسؤولون في واشنطن الصين بتعويم عملتها في الأسواق.
ولكن ما يحدث الآن هو ان الأسواق قد بدأت تتخذ الخطوات اللازمة بنفسها لإجبار قيمة الدولار على الهبوط. وعلى المدى الطويل، يمكن ان يؤدي تدني العملة الأميركية إلى سد العجز التجاري الأميركي، وبالتالي إلى دعم الصادرات الأميركية. ولكن المدى القصير قد يحمل في طياته مخاطر، وهو الأمر الذي يقلق المسؤولين في صندوق النقد الدولــي.
وعبر مدير الصندوق رودريغو راتو عن ذلك اخيرا بالقول إن حل مشكلة عدم التوازن التجاري والمالي العالمي بصورة عشوائية ومتعجلة، قد تكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، ويرى راتو ان زيادة أسعار المنتجات المستوردة قد يؤدي إلى التضخم، وهذا بدوره يدفع البنك المركزي الأميركي إلى رفع نسبة الفائدة مما يؤثر على فوائد السلف العقارية، وهذا يزيد بدوره من التضخم.
اتفاق بلازا
وليست هذه المرة هي الأولى التي يواجه فيها الدولار مثل هذه الأزمة، إذ وقعت أزمة مماثلة في الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن المشكلة كانت مع المنتجات اليابانية بدلا من الصينيـة.
وقد تم حل الأزمة آنذاك عن طريق توفيق أسعار العملات، وتعويم بعضها، وخفض البعض الآخر فيما عرف آنذاك باتفاق بلازا. وقد أدى هذا الاتفاق إلى خفض قيمة الدولار الى مستوى معين قبل ان يبلغ حدا معينا ويتوقف عنده، بمساعدة من البنوك المركزية في عدة دول. ولكن الإدارة الأميركية الحالية لا تفضل مثل هذا الحل، وترى ان من الأفضل ترك قوى السوق يتجاذب بعضها مع البعض الآخر.
وبالنسبة لكبر حجم أسواق العملات الأجنبية التي تسود في العالم اليوم، لا ينتظر ان تتمكن البنوك المركزية من التأثير بالقدر نفسه الذي حدث في الماضي.
وهكذا، وفي ظل غياب اتفاق مماثل لاحتواء الموقف، يبدو ان الأسواق العالمية هي اللاعب الوحيد الذي يمكنه ان يتحكم حاليا في سعر الدولار، وغيره من العملات الأخــرى.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )