عمر راشد
على الرغم من تأكيد العديد من المحللين والمهتمين بعدم تأثر القطاع المالي بأزمة الرهن العقاري، وأن الأزمة تأثيرها لا يكاد يذكر مقارنة بآثارها العنيفة في الدول الأوروبية وأميركا فإن البعض الآخر لايزال يراهن على أن الأزمة قد تتحول إلى خطر حقيقي إذا تحولت من الشق المالي إلى الشق الاقتصادي الأمر الذي قد ينذر بعواقب وخيمة على كافة القطاعات الاقتصادية في العديد من الدول التي ترتبط مصالحها الاقتصادية بالولايات المتحدة الأميركية.
وقد أشارت العديد من التحليلات الى أن أسواق الأسهم العربية بمنأى عما يحدث في الأسواق العالمية والسبب في ذلك يعود إلى أن غالبية اللاعبين في هذه الأسواق هم من المستثمرين الأفراد الذين ليس لهم تواجد يذكر على الساحة العالمية إضافة إلى قلة الترابط بين أسواقنا والأسواق الدولية.
وأوردت تلك التحليلات أن المستثمرين من بنوك ومؤسسات وشركات عالمية والذين استثمروا في السندات المغطاة بأصول عقارية أو في صناديق التحوط التي تأثرت بشكل مباشر بالأزمة المالية الراهنة، سيتعرضون لخسائر يصعب الآن تقديرها.
وعن تأثر قطاع البنوك العربية بالأزمة أوضحت التحليلات أن انكشاف المصارف العربية على اثر أزمة الرهن العقاري الأميركي وأدواته المالية يعتبر محدودا فمعظم البنوك العربية لا تستثمر سوى القليل في مثل هذه الأدوات، أما البنوك التي لها حيازة في صناديق تحوط تستثمر في سندات مغطاة بأصول عقارية فخسارتها ستكون بقدر حيازتها لمثل تلك الأصول.
وحسب استطلاع أجرته شركة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز» أخيرا فإن مجموع استثمارات بنوك المنطقة في سندات الرهن العقاري ذات التصنيف الائتماني المنخفض لا يزيد على 1% من مجموع أصول هذه البنوك، حيث تنصب غالبية استثماراتها في الأدوات والمشتقات المالية ذات التصنيف الائتماني الجيد (aaa) أو (aa) وبشكل عام فإن الأداء المالي الجيد للبنوك العربية خلال السنوات الأخيرة إضافة إلى قاعدتها الرأسمالية القوية وربحيتها العالية ستمكن هذه البنوك من امتصاص أية خسائر قد تتعرض لها جراء هذه الأزمة.
ومن الآثار السلبية للأزمة تأجيل إصدار وتسويق سندات دين أو صكوك صادرة من المنطقة أو إعادة تسعير هذه السندات وبشكل ينعكس تراجع السيولة في السوق وضعف الطلبين المحلي والعالمي على أدوات الاقتراض هذه.
وأصبحت البنوك العربية أكثر حيطة وانتقائية عند توفير التمويل المطلوب لشركات الاستثمار المباشر في وقت ضعف فيه طلب المستثمرين على أدوات الدين التي يتم إصدارها لهذا الغرض.
ويعني الأمر أن صفقات الحيازة والدمج التي تعتمد بشكل مفرط على الاقتراض من مصادر محلية أو إقليمية قد يتم إعادة تسعيرها أو إلغاؤها، وسيكون التركيز أكثر على الصفقات التي يمكن تمويلها بشكل أكبر من التدفقات النقدية للشركات المستهدفة ومن القروض التجسيرية التي توفرها البنوك.
وسيلجأ المزيد من صناديق الاستثمار المباشر إلى بنوك الاستثمار التي تستطيع توفير هياكل إقراض إسلامي متطورة لتمويل عمليات الحيازة.
ويرى البعض في الجانب الآخر، أن التقلبات الحاصلة في أسواق المال العالمية سيكون لها بعض الأثر على البورصات العربية، خصوصا أسواق الأسهم التي تسمح للمحافظ العالمية بالاستثمار فيها.
ففي فترات الأزمات يتجه المستثمر إلى تخفيض مخاطره ويتحول من الأسواق الناشئة إلى استثمارات أكثر سيولة وأمانا مثل السندات الحكومية وعلى الرغم من صغر حجم تدفقات محافظ الاستثمار العالمية إلا أنها ساهمت في تحديد التوجه العام للبورصات العربية.
وقد قامت صناديق التحوط العالمية والتي أصبحت أخيرا أكثر نشاطا في أسواق الأسهم العربية، ببيع جزء من حيازتها في هذه الأسواق في محاولة منها لدعم أدائها المالي وتوفير السيولة المطلوبة وكذلك تأثرت أسواق أسهم دول المنطقة سلبا بتراجع عمليات الاستحواذ للشركات المدرجة مع ارتفاع تكلفة الاقتراض لتنفيذ مثل هذه العمليات.
ويشير البعض إلى أن المخاطر الكبرى التي قد تنجم عن الأزمة المالية الحالية هي احتمال حصول تباطؤ اقتصادي عالمي، فالهبوط الذي سجل أخيرا في أسعار العقارات السكنية في أميركا وغيرها من الأصول والذي صاحبته ضغوط إضافية على عملية التسليف، سيكون له أثر سلبي على المستهلك الأميركي المثقل أصلا بأعباء الديون، مما قد يؤدي لاحقا إلى ظهور أزمة في قطاع التسليف عن طريق بطاقات الائتمان وارتفاع في معدلات تخلف الشركات عن سداد ديونها.
وهذه كلها بوادر لعملية تباطؤ اقتصادي قد تطول أو تقصر بحسب السياسة المالية والنقدية للولايات المتحدة.
وسيشعر القائمون على السياسة النقدية في دول المنطقة بأنهم مضطرون لمجاراة السياسة النقدية التوسعية التي أخذت الولايات المتحدة في اتباعها أخيرا، وهذا سيؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة المحلية وأسعار صرف العملات العربية المرتبطة بالدولار وسيزيد من الضغوط التضخمية التي ظهرت مؤخرا في عدد من دول المنطقة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )