في نوفمبر قام العمال في اكبر شركات مقاولات البناء في الامارات «ارابتيك» بالاضراب احتجاجا على امور يشاركهم فيها السواد الاعظم من العمال الوافدين في الامارات مثل تراجع قيمة درهم الامارات والدولار الاميركي مقابل العملات الاخرى وتصاعد تكاليف المعيشة.
وادى انخفاض سعر الصرف ومعدل التضخم الذي اقترب من رقمين عشريين الى تقلص المبالغ التي يستطيع الوافدون تحويلها الى بلادهم، وباتت العودة للعمل في الوطن خيارا افضل لبعض هؤلاء.
كما ان انخفاض الدرهم يترك اثارا على اصحاب الدخول الاعلى مع مبادرة كثيرين من الحرفيين ورجال الاعمال الى اعادة النظر في اوضاعهم. ويقول مدير مشروع مقره في بريطانيا انه اذا لم يطرأ تحسن على سعر الصرف بحلول فبراير فانه سيعود الى بلاده لأنه لا جدوى من البقاء اذا لم يكن باستطاعته توفير المال.
اعطى الاضراب نتائج ايجابية بالنسبة للعمال في دبي بموافقة المقاولين على منحهم زيادة 20% في اجورهم بعد تجاهل الدعوات المتكررة للحكومة لكي تفرض حدا ادنى للاجور، ويقول مقاول في دبي انهم بعد تقدير معدل التضخم وتقلبات سعر الصرف قرروا رفع اجور عمالهم بواقع 20%.
ولم يكن عمال البناء الفئة الوحيدة التي حصلت على زيادات كبيرة في الاجور، فالموازنة الاتحادية لعام 2008 ستكون الاضخم في تاريخ الامارات حيث تصل الى 9.5 مليارات دولار وسترصد زيادة في رواتب الموظفين الاتحاديين والمتقاعدين من المدنيين والعسكريين بنسبة 70%.
ومن المتوقع ان يزيد القرار من الضغوط التضخمية هذا العام، ويقول احد المحللين ان رواتب موظفي الحكومة الاتحادية هي ادنى من رواتب الموظفين الحكوميين على مستوى الامارة ولذلك كان التصحيح ضروريا، ولكن السؤال كما يقول المحلل هو تأثير هذه الزيادة على المستخدمين الاخرين في القطاعين العام والخاص الذين سيشعرون الآن بأن من حقهم الحصول على زيادة في رواتبهم.
اما القلق الاكبر فهو ان هذه الزيادات سترفع اكثر معدل التضخم وتكاليف المعيشة ودفع ذلك وزارة الاقتصاد والتخطيط الى اتخاذ موقف دفاعي بتحذير الموردين من رفع اسعار السلع والخدمات لاستغلال الزيادات في الاجور. ولكن بالرغم من التحذيرات افادت الصحف المحلية بأن اسعار مواد غذائية اساسية سجلت ارتفاعات تقارب 30% في بعض المتاجر.
في عام 2006 كان المعدل الرسمي للتضخم دون 10% ولكن الارقام غير الرسمية كانت اعلى من ذلك حيث قدره ستاندرد تشارترد بانك بـ 13%. وتقول الوزارة ان النمو السكاني السريع احدث ضغطا على الطلب على السلع الاستهلاكية والمساكن، اذ ارتفع عدد السكان من 2.4 مليون عام 1995 الى 4.1 ملايين عام 2005.
يعتبر الارتفاع الحاد في الايجارات العامل الرئيسي في ازدياد التضخم. فبعد القوانين الجديدة الخاصة بحرية التملك تدافع الاجانب لشراء المسكن الامر الذي قلص عدد المساكن في سوق الايجارات وواجه كثيرون من المقيمين زيادات في الايجارات وصلت الى 40% عامي 2005 و 2006. وتقول وزارة الاقتصاد ان معدل التضخم في الامارات بلغ 9.3% عام 2006 مدفوعا باسعار الوحدات والخدمات السكنية التي ارتفعت بمعدل وصل الى 15.3%.
وكان الحل الذي اختارته الامارات كل على حدة هو بفرض سقف على زيادات الايجارات، وكانت دبي الاولى في المبادرة عندما فرضت الحكومة سقف 15% على الزيادة السنوية في الايجار، وتبعتها ابو ظبي بفرض سقف 7% عام 2006 ، ثم بادرت دبي الى خفض سقفها الى 7% عام 2007. وتوقع المحللون ان ينخفض التضخم مع بداية 2007 الى 7-8% ولكن مع اوائل الصيف لم تظهر دلائل علة تباطؤه وافادت غرفة تجارة وصناعة ابو ظبي بأن معدل التضخم في الامارة كان 11.3%.
وفي أغسطس رفع بنك ستاندرد تشارترد توقعاته للتضخم لعام 2007 الى 9.3% لأنه شعر بأن السقف على زيادة الايجارات اخفق في حماية المستأجرين الجدد. وقبل ذلك في نوفمبر 2006 كان البنك قد خفض توقعه الاصلي للتضخم في الامارات من 9.6% الى 7.3%. وهو يتوقع ان تكون زيادة الايجارات قد ارتفعت في ابوظبي بمعدل 12% وفي دبي بمعدل 4% عام 2007.
ويعتقد كثيرون من المراقبين ان الحل للتضخم المتصاعد يكمن في اعادة تقييم الدرهم مقابل الدولار. بارتباط العملة بالدولار يعني ان البنك المركزي لا يستطيع استخدام اسعار الفائدة للحد من الطلب وبالتالي ابعاد الضغوط التضخمية عن السوق.
وقبل قمة مجلس التعاون الخليجي في اوائل ديسمبر كانت الضغوط تتصاعد على الحكومة لاتخاذ اجراء، ففي اواسط نوفمبر حثت غرفة تجارة وصناعة ابوظبي الحكومة على التخلي عن الارتباط بالدولار، واشارت الى المخاوف من ان الامارات تتبع السياسة النقدية الاميركية الموضوعة لاقتصاد يواجه احتمال الركود لا لاقتصاد خال من العجز فـــــي الحـــــساب الجاري ومن الــديون الخــارجية ويتـــــمتع بنمو قوي.
واعترفت وزارة الاقتصاد بان الارتباط يساهم في الضغوط التضخمية بينما ألمح عدد من المسؤولين الكبار الى احتمال اتخاذ الامارات قرارا احاديا بشأن الارتباط. وفي أواخر نوفمبر تحدث حاكم المصرف المركزي عن وجود ضغوط اجتماعية واقتصادية للتخلي عن الارتباط بالدولار لصالح الارتباط بسلة من العملات.
وفي الايام التي سبقت القمة توقع محللون كثيرون صدور اعلان اما عن اعادة تقييم عملات مجلس التعاون مقابل الدولار او فك ارتباطها بالدولار، وفي استباق منهم لمثل ذلك الاعلان بادر الصرافون في دبي الى تغيير اسعار الصرف وعرض بعضهم صرف الدولار مقابل 3.03 دراهم أي اقل بنحو 20% من السعر الرسمي.
بدا ان هنالك انقساما بين الوفود الى القمة، وكان يعتقد ان الامارات وقطر تفضلان اتخاذ اجراء فوري لمنع حدوث مزيد من التراجع بينما فضلت السعودية الابقاء على ارتباط عملتها. وترك ذلك للامارات خيار ان تقوم من طرف واحد باعادة تقييم عملتها ازاء الدولار. ويقول ايكارت فورتز من مركز ابحاث الخليج انه فهم ان قطر والامارات حصلتا من المجلس على حرية اعادة تقييم عملتيهما بشكل مستقل.
ولكن اعادة التقييم قد لا تكون حلا سريعا. صحيح انها ستخفض التضخم المستورد ولكن تأثيرها سيكون محدودا على السبب الرئيسي للتضخم وهو السيولة الفائضة. بل انها قد تزيد الضغوط التضخمية لأن اولئك الذين يتلقون رواتبهم بالدرهم سيشعرون بانهم ايسر حالا الامر الذي يمكن ان يدفع الاسعار الى مزيد من الارتفاع. ويقول فورتز اننا ينبغي الا نبالغ في تصوير تأثير اعادة التقييم على التضخم ، فاتباع سياسات السوق المفتوحة لامتصاص السيولة وفرض سقف على الاقراض سيكونان اكثر فعالية في غياب السيادة على اسعار الفائدة بسبب الارتباط بالدولار.
تقرير خاص في ملف ( pdf )