منذ ان أطلق حضرة صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح دعوته لتحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري في المنطقة قبل عدة سنوات أصبح الجميع يشدد على أهمية تحقيق هذه الرغبة السامية لسموه.
انما للأسف فقد تم بذل القليل من الجهد للتفكير في كيفية تحقيق هذه الرغبة على أرض الواقع، لذا فان تحقيقها يعتبر تحديا حقيقيا للحكومة ممثلة بسمو رئيس مجلس الوزراء وأعضاء حكومته بالاضافة الى أعضاء مجلس الأمة ورجال الأعمال.
وتشير التصريحات الحكومية الى ان الكويت مؤهلة لتحتل هذا الموقع فقد اكد سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد في كلمته على هامش أعمال منتدى الكويت العالمي الأول الذي عقد في بروكسل العام الماضي ان الكويت مؤهلة لأن تكون مركزا ماليا وتجاريا في منطقة جنوبي غرب آسيا وبوابة للتجارة الدولية بين الشمال والجنوب لامتلاكها مجموعة من المقومات يأتي في مقدمتها الانسان الكويتي ثم الأرض والاستقرار السياسي والثروة الطبيعية والمالية.
ولكن على الرغم من توافر كل المقومات والمزايا لتكون الكويت مركزا ماليا وتجاريا في المنطقة فان هذه الرغبة السامية النور لم تر حتى الآن ما يستدعي وقفة للمناقشة والحديث عن ماهية المركز المالي والتجاري ومدى أهميته وما مقوماته والعقبات التي تعترض تحقيقه.
وقد ذكر السفير الاميركي السابق في الكويت ريتشارد ليبارون في كلمة له في مؤتمر «الكويت مركزا ماليا وتجاريا» الذي عقد في الكويت عام 2006 ان تحول الكويت الى مركز مالي وتجاري في المنطقة ممكن من خلال اجراء مجموعة من التغييرات والاصلاحات التي يمكن ان يكون لها تأثير ايجابي على البيئة الاستثمارية لتجعلها مكانا جاذبا للاستثمارات الاجنبية ومن ثم قدرتها على تقديم نفسها كمركز مالي وتجاري منها الاسراع في خطوات الخصخصة وزيادة مساحة المشاركة للقطاع الخاص في المشاريع وادخال بعض الاصلاحات على البنية التشريعية والقانونية خاصة فيما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالاستثمار والاقتصاد وتعديل النظام الضريبي المتعلق بالشركات الاجنبية.
وقال استاذ الاقتصاد بجامعة الكويت د.رياض الفرس في لقاء مع «كونا» ان تحقيق الرغبة السامية غير ممكن في ضوء المعطيات الحالية الا ان ذلك ليس مستحيلا اذا توافرت النية الجادة والارادة السياسية لتحقيقها.
واضاف ان الرغبة السامية تعتمد على مدى التعاون بين الأطراف الثلاثة الأساسية في المرحلة القادمة وهي الحكومة ومجلس الأمة والقطاع الخاص اذ ان لكل طرف منها دورا مهما في هذه العملية فالحكومة يكمن دورها في التخطيط والاشراف على التنفيذ ومجلس الأمة يقوم بالتشريع والرقابة والقطاع الخاص يقوم بالمبادرة والتنفيذ.
وقال الفرس ان تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري يعني تحقيق هدفين مهمين ولكنهما مختلفان من حيث المقومات والأهمية فالمركز المالي (على الأقل الاقليمي) يعني ان تكون الكويت مركزا للمستثمرين ورجال الأعمال العاملين في المنطقة للحصول على الخدمات المالية التي يحتاجونها لمزاولة أنشطتهم التجارية.
وأوضح ان الخدمات المالية تشمل العمليات المصرفية من قبول الودائع ومنح القروض وتحويل العملات بالاضافة الى الخدمات الاستثمارية كانشاء الصناديق الاستثمارية وتسويق السندات وتقديم الاستشارات المالية الى جانب خدمات التأمين المختلفة على الحياة والممتلكات ووجود الاسواق المالية كأسواق الأسهم والسندات التي يمكن من خلالها توفير مصادر تمويل للشركات.
واضاف ان كل ذلك يحتاج الى ما يسمى بالبنية التحتية المالية والتي تتكون من البنوك وشركات الاستثمار وشركات التأمين وشركات الاستشارات المالية فاذا ما استطاعت الكويت ان تتحول الى مركز مالي فان ذلك يعني ان المؤسسات المالية ستستفيد بشكل كبير من خلال تقديم خدماتها المالية لشريحة أكبر من العملاء كما ستحصل على فرصة أكبر للدخول الى أسواق المال العالمية واكتسابها الخبرة ورفع كفاءتها من خلال العمل في بيئة أكثر تنافسية وأكثر تطورا.
وعن مدى امتلاك الكويت لمقومات المركز المالي قال الفرس «نعم، ولا، فمن ناحية عدد البنوك التي تبلغ 13 بنكا فالعدد يعتبر قليلا جدا مقارنة بالدول المجاورة أما من حيث شركات الاستثمار التي يتعدى عددها 80 شركة فتعتبر من أفضل الشركات على المستوى الاقليمي والكويت تمتلك ميزة نسبية تستطيع من خلالها منافسة الدول المجاورة من خلال قيامها بدور مركز استثماري لادارة الأصول والثروات أما شركات التأمين بشقيها التقليدي والتكافلي فتعتبر مناسبة من حيث العدد والخدمات مقارنة بالحجم المحدود للسوق المحلي.
واضاف ان المؤسسات المالية ليست المقومات الوحيدة للمركز المالي حيث ان هناك دورا مهما للبيئة التشريعية والتنفيذية والرقابية التي تلعب دورا مؤثرا في دعم وتعزيز أداء المؤسسات المالية وهناك حاجة ملحة لاصدار عدد من القوانين وتعديل عدد آخر ذات صلة بالنشاط المالي كقوانين الشركات والضريبة والعمل وسوق المال واصدار الصكوك.
أما فيما يتعلق بالمركز التجاري فقد أوضح الفرس ان هذا يعني تحويل الكويت لممر أو قاعدة لنقل السلع والبضائع بين الدول من خلال القيام بعمليات اعادة التصدير، مشيرا الى ان تحقيق ذلك يترتب عليه العديد من الفوائد للاقتصاد الوطني بشقيه الخاص والعام.
وذكر ان القطاع العام سيستفيد من الرسوم التي يحصل عليها من خلال تقديم الخدمات في مرافق البنية الأساسية من موانئ ومطارات ومراكز حدودية ومن تنويع مصادر الدخل القومي من خلال تشجيع الانشطة الاقتصادية في مجال الخدمات اللوجستية بالاضافة الى توفير فرص العمل للمواطنين في القطاعين العام والخاص.
واضاف ان القطاع الخاص سيستفيد من قيامه بتقديم الخدمات اللوجستية من نقل وتخزين وادارة المرافق كالمطارات والموانئ وخدمات التأمين والتخليص الجمركي والتغليف وغيرها من الخدمات كذلك سيتجاوز عقبة محدودية حجم السوق المحلي للخدمات اللوجستية من خلال الارتفاع الكبير في العمليات الناتجة عن قيام الكويت بدور المركز التجاري.
وعند سؤاله: هل الكويت مؤهلة لهذا الدور؟ أجاب د.الفرس بانها مؤهلة وغير مؤهلة في نفس الوقت فالكويت مؤهلة اذا كان الأمر يتعلق بدور القطاع الخاص الذي أثبت جدارة فائقة في قدرته على تقديم الخدمات اللوجستية على جميع المستويات المحلية والاقليمية والدولية اذ ان معظم الشركات اللوجستية الكويتية تقوم بادارة وتشغيل عدد من المرافق اللوجستية حول العالم وتقدم خدمات النقل والشحن والامداد في العديد من الدول.
واضاف انها غير مؤهلة لهذا الدور بسبب البنية التحتية للخدمات اللوجستية حيث انها قديمة نسبيا وتعاني العديد من المشاكل فيما يتعلق بالمرافق والمعدات من جهة ومن الكفاءة الادارية المتدنية من جهة اخرى بالاضافة الى تقادم أو غياب القوانين التي تنظم النشاط التجاري في هذا القطاع الحيوي وندرة الأراضي الشاسعة التي تعتبر المقوم الأساسي للنشاط اللوجستي.
من جهته اعتبر رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب في شركة (بيان للاستثمار) فيصل المطوع ان رؤية صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الصباح في تحويل الكويت الى مركز مالي وتجاري هي رؤية عريقة ومستقبلية في آن واحد.
واوضح المطوع انها رؤية عريقة كونها تستلهم جذورها من تراث الكويت وخبراته ومستقبلية لانها تعتمد في منطلقاتها على التوظيف الحكيم للمزايا الاقتصادية لدولة الكويت مشيرا الى ان تحويل الكويت الى مركز مالي مرموق أمر لا بديل عنه يساعد على توفير فرص عمل منتجة وكبيرة لاحتياجات أبناء الوطن.
وأكد انه عند تنفيذ هذه الرؤية السامية سيكون لدولة الكويت مورد آخر بالاضافة الى ما حباها الله به من موارد طبيعية مثل النفط فبذلك يكون هناك تنويع في مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر واحد ناضب ومتقلب الاسعار.
وأعرب المطوع عن أسفه لانه بالرغم من ان الكويت تتمتع بمزايا نسبية كبيرة تؤهلها لتكون مركزا ماليا وتجاريا وخدميا رئيسيا في المنطقة بشكل مرموق الا أن الاقتصاد الكويتي لا يزال يعاني من اختلال كبير في الهيكلية من خلال وجود البيروقراطية المهيمنة على قطاعات الدولة والمعرقلة لنمو الاصلاح الاقتصادي والبطالة المقنعة ووجود أكثر من 95% من العمالة الكويتية العاملة في القطاع الحكومي ومعظمها غير منتج الى جانب محدودية دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بالبلاد وتقادم القوانين والتشريعات الاقتصادية اذ ان المركز المالي يحتاج الى بيئة رحبة وليست طاردة.
واضاف ان هناك حاجة الى تبني برنامج اصلاحي اقتصادي متكامل يؤدي الى تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي ومنح الفرصة للقطاع الخاص لاستعادة دوره الريادي في دفع عملية النمو الاقتصادي.
وقال المطوع انه «ليس من العيب ان نعترف بأننا تأخرنا في كثير من الميادين ولكن العيب ان نظل أسرى لهذا التأخر وعدم الاستفادة من الفرص الضائعة رغم كل الامكانيات الكثيرة والمتاحة».
واضاف انه من المعروف ان الانشطة المالية والتجارية بطبيعتها وعالميتها تعتبر أكثر الانشطة رفضا للادارة الحكومية وروتينها وبطء قراراتها فالحرية الاقتصادية تخلق الثروة وليس هناك بلد ينمو ويخلق ثروة بدون حرية اقتصادية.
ويرى المطوع ضرورة اسناد ملكية وادارة مختلف الخدمات والانشطة الحكومية الى القطاع الخاص وتحريرها من هيمنة الدولة بالاضافة الى تطوير القدرات التكنولوجية في الخدمات الحكومية.
وختم حديثه قائلا ان «الحكومة وهي المسؤول الاول عن تنفيذ هذه الرؤية لم تقم حتى الآن بأي عمل جدي لتحويل هذه الرؤية الى واقع ملموس».
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )