زكي عثمان
حذر مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا محسن خان، دول الخليج من أنها ستفقد نحو 400 مليار دولار من قيمة استثماراتها الخارجية المقومة أساسا بالدولار خلال 2008، البالغة نحو تريليوني دولار اذا رفعت قيم عملاتها بنسبة 20%، مشيرا الى أنه في الوقت الراهن وبما أن التضخم ليس مدفوعا بتراجع الدولار فان التركيز على فك الربط أو رفع قيمة العملة ليس هو الحل.
وتوقع خان خلال مشاركته في مؤتمر مركز الامارات للدراسات الذي اختتم مؤخرا أن يبلغ التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي في المتوسط هذا العام ما بين 7 و8% بالمقارنة بـ 7% العام الماضي، مشيرا الى أن العوامل التي تدفع التضخم للارتفاع خاصة في قطر والامارات الارتفاع الكبير في العقارات والايجارات والمواد الغذائية.
وذكر خان أن النمو الاقتصادي في الخليج ليس نتيجة لعائدات النفط فحسب، وانما هناك نمو يتعلق بالقطاعات غير النفطية أيضا.
وان الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي يتزايد بمعدلات كبيرة، ويتضح هذا أيضا من خلال ارتفاع دخل الفرد في دول مجلس التعاون.
وأشار الى أن أهم قضية في الوقت الحاضر تواجه الاقتصاديات الخليجية هي التضخم، وهو في ارتفاع منذ عام ونصف العام، وقد أسهمت أسعار المواد الغذائية وأجور السكن في الجزء الأكبر منه.
وأشار الى أن التجارة بين دول مجلس التعاون وغيرها في المنطقة محدودة، ولكن العلاقات تعد أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالخدمات المالية، كما تعد الحوالات المالية مهمة أيضا في العلاقات بين دول مجلس التعاون وبقية الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
من جانبة قال مستشار المدير التنفيذي في البنك الدولي سفيان العيسى أن هناك اختلافات بين دول مجلس التعاون على مستوى التحديات والاشكاليات من جهة والفرص والامكانات من جهة ثانية، مشيرا الى انه عند الحديث عن العقد الاجتماعي في دول الخليج العربية، ينبغي الاشارة الى أن النفط هو الذي رسم ملامح العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع في منطقة الخليج.
ويعد العقد الاجتماعي القائم في دول الخليج هو الأسخى في العالم، ومازال هذا العقد مقبولا من كل الأطراف، وهي متفقة على استمرار هذا العقد.
ومن مكونات هذا العقد الاجتماعي مثلا عدم فرض ضرائب على المواطنين والأنشطة الاقتصادية المحلية، والاعتماد الكبير على القطاع العام في الخدمات والبنية التحتية والتوظيف، فالقطاع العام يوظف أكثر من 90% من القوة العاملة الخليجية.
الا أن منطقة الخليج شهدت في الفترة الأخيرة تحولات اقتصادية قد تكون جذرية، مثل تعزيز دور القطاع الخاص، والانفتاح على الاقتصاد العالمي.
وهذه التحولات الاقتصادية نجحت في تنويع الموارد الاقتصادية نوعا ما، واعطاء دور للقطاع الخاص والقطاعات غير النفطية، فنسبة النمو في القطاعات غير النفطية في دول الخليج تتراوح بين 6 و13%، وهذه نسبة جيدة عامة.
واعتبر العيسى أن هناك تحديات رئيسية مازالت تواجهها هذه البلدان مثل البطالة، والتضخم وارتفاع الأسعار، واعتماد معظم الاقتصاديات الخليجية بشكل رئيسي على النفط.
وفيما يخص السياسة المالية المطبقة في دول الخليج، فانها تتسم بوجود مصروفات خدمية هائلة، في مقابل الافتقار الى النظام الضريبي، سواء كانت الضرائب مباشرة، أو غير مباشرة.
واعتبر أن هنالك تحديات اقتصادية عديدة تفرض على دول مجلس التعاون أن تفكر في اصلاح نظامها المالي كوحدة واحدة، لأن ما يجري في دولة خليجية يؤثر في الدول الأخرى بالضرورة.
وهذا يعني تغيير العقد الاجتماعي بسبب التحديات الجديدة، الا أن تغيير العقد قد لا يكون مقبولا من الأطراف المجتمعية مثل القطاع الخاص.
وفي البداية يمكن التفكير في فرض الضرائب غير المباشرة. وبما أن هناك عقدا اجتماعيا سخيا، فلن تكون الضريبة مقبولة من المواطن الخليجي الا اذا عملت الدولة على تحسين الخدمات الاجتماعية وتطوير البنية التحتية التي تعوض عن دفع الضرائب.
كما قدم جان فرانسوا سيزنك، أستاذ مركز الدراسات العربية المعاصرة، في جامعة جورج تاون ورقة حول: «الاقتصاديات الخليجية والعولمة: تأثير اتفاقيات التجارة الحرة ومنظمة التجارة العالمية»، بين فيها أن كثيرين في الغرب لا يفهمون بالطريقة المناسبة خلفيات طفرة النمو الهائل في دول الخليج، ولا حجم التحولات القطاعية في بنية الاقتصاديات الخليجية التي بدأت تحقق انجازات هائلة في المجال الصناعي، وستصبح في وقت غير بعيد في طليعة منتجي البتروكيماويات لتحل محل ألمانيا والولايات المتحدة.
ولفت الانتباه الى ما تحققه بعض الشركات الخليجية العملاقة في هذا المجال، وأيضا في مجالات صناعة الألمنيوم والفولاذ.
كما أن معظم القطاعات الأخرى من سياحة وخدمات تشهد هي الأخرى طفرات غير مسبوقة كذلك.
واستبعد سيزنك أن يكون ارتفاع أسعار البترول وحده مسؤولا عن هذه الطفرة التنموية الهائلة، والدليل على ذلك أن دولا أخرى كالعراق وايران ونيجيريا وغيرها تعد من مصدري النفط المهمين ولكنها لم تحقق تلك المكاسب التنموية.
كما اعتبر أن انفتاح دول الخليج على اقتصاديات العولمة، على أهميته، ليس أيضا تفسيرا كافيا وحده لهذه الطفرة.
وتطرق سيزنك في ورقته الى ما عرفته الاقتصاديات الخليجية على طريق انفتاحها من تجاذب مع العديد من الأطراف الاقليمية والدولية، في سياق انضمامها الى منظمة التجارة العالمية، وأيضا في سياق مساعي الادارة الأميركية لتوقيع اتفاقات شراكة وتبادل حر مع كل دولة خليجية على حدة.
وطرح المؤتمر العديد من الأفكار الخاصة بتطوير أوضاع الاقتصاديات الخليجية والآليات المقترحة لتعاطيها مع موجة العولمة من أجل تعظيم الفرص التي يتيحها الاندماج في الاقتصاد المتعولم، وتقليل التحديات الناجمة عن هذا الاندماج.
ولفت المشاركون في المؤتمر الى أنه على الرغم من التطورات الجذرية التي شهدتها الأوضاع الاقتصادية في الخليج، وما أفرزته من انعكاسات كبيرة على الأوضاع الاجتماعية، وعلى الرغم مما اتخذ من خطوات على صعيد اعادة تكييف الأوضاع المؤسسية مع التغيرات المستحدثة اقتصاديا، فان طبيعة العلاقة بين الدول الخليجية ومجتمعاتها ظلت دون تغير جوهري، حيث ظلت الدولة ملتزمة ببنود العقد غير المعلن الذي صِيغ في عقود سابقة بينها والمجتمع، وبموجبه تقدم الدولة لمواطنيها وظائف حكومية بأجور عالية، ومنافع مفتوحة للضمان الاجتماعي، ومرافق خدمية مجانية في معظمها.
ولا شك في أن هذا الوضع ينبغي تطويره، ليس لجهة تقليص الدور الاجتماعي للدولة، ذلك أن الدول في أعتى الرأسماليات لها دور اجتماعي قوي، وانما لجهة المزيد من الاصلاحات البنيوية والمؤسسية التي تحسن كفاءة أداء مؤسسات القطاع العام عبر تعزيز آليات الرقابة والمحاسبية والشفافية في هذه المؤسسات.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )