تعترف الاوساط الاقتصادية إن تحسن المناخ السياسي في لبنان مع تأليف الحكومة سينعكس حكما على الوضع الاقتصادي والقطاعات الانتاجية ليفيد لبنان من الفورة النفطية والاستثمارات، ما سيتيح فرص عمل جديدة كفيلة باعادة الكفاءات اللبنانية من الخارج، وهناك مسائل عديدة مطروحة في البلد تعني الوضعين المالي والاقتصادي، وستؤثر المعالجات التي ستعتمد لها، بما هو تعبير عن السياسات والمناخات والذهنيات على سرعة عودة النمو الى الاقتصاد من خلال عودة الثقة والاستثمارات المباشرة الى الانشطة الاقتصادية الحقيقية من دون ان تقتصر على الادوات المالية القصيرة الاجل كما حصل على امتداد السنوات الماضية.
وبانتظار عودة النمو الى الاقتصاد، وكذلك المعالجات المأمولة، يمكن التوقف عند عدة مؤشرات ومعطيات منها نمو الاقتصاد اللبناني على الارجح اقل من امكاناته الحقيقية هذه السنة بمعدل بين 2 و3%.
وهو ما يعني ضمنا ان النشاط لا يزال بالقرب من المستوى المحقق خلال الفصل الاول من عام 2007.
في موازاة ذلك، ينبغي ان تكون الحكومة قادرة على الحفاظ على التوازن الاساسي باستثناء المنح، بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي قريبة من مستوى 2007 او حتى تحقيق مزيد من التحسن، وهذا من شأنه ان يبقي الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي تدريجيا في الاتجاه النزولي للمساعدة على الحد من مواطن الضعف، بانتظار استئناف الاصلاح الضريبي المنصوص عليه في برنامج باريس - 3 انطلاقا من ذلك ستتحرك الحكومة لتأكيد العناوين العريضة لسياستها الاقتصادية والمالية وسيكون التحرك في اكثر من اتجاه اهمها عرض التوجهات الاقتصادية والمالية والاجتماعية وتتضمن المشاريع والاصلاحات والاجراءات المطلوب اتخاذها في مهلها الزمنية وكذلك الخطوط العريضة لاصلاح وتطوير القطاعات والبنى التحتية كاستكمال للخطة الاقتصادية العامة وايضا برنامج اجتماعي شامل يعيد النظر بالعقد الاجتماعي الحالي.
اما الاهداف العامة لسياسة الحكومة فستتضمن: رفع مستوى النمو، وخفض مستوى الدين العام، وخفض عجز الموازنة الى المستويات الدولية.
وتعترف الاوساط الاقتصادية بان المحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي والنقدي سنعيد اطلاق الاقتصاد والنمو الذي كان متوقعا ان يحقق نسبة 8% العام الماضي.
الامر الثاني احراز بعض التقدم لناحية برنامج الاصلاح الهيكلي واكتمال الاعمال التحضيرية لخصخصة شركتي الخليوي بعد اقرار استدراج العروض بانتظار ان تعين الحكومة الجديدة موعد اجراء المزايدة.
وفي قطاع الطاقة تم تعيين الخبراء الاستشاريين للمساعدة في اصلاح مؤسسة الكهرباء بالتعاون مع البنك الدولي، كذلك تقدم تحديث ادارة الايرادات من خلال: اعتماد استراتيجية جديدة لتدقيق الحسابات، اعداد الانظمة اللازمة لتنفيذها قانون الاجراءات الضريبية وفتح مكاتب تابعة لها، بدء الخدمات الالكترونية على جانب النفقات تعزز السلطات، تخطيط التدفق النقدي وارساء ارضية لوضع ميزانية متعددة السنوات.
وهناك معطيات نقدية ومصرفية مريحة تميز المركز الخارجي للبلاد منها الوضع النقدي الذي لا يزال تحت سيطرة مصرف لبنان، ارتفاع الموجودات الاجنبية الصافية للجهاز المصرفي التجاري، التدفقات الرأسمالية التي مكنت الاقتصاد اللبناني من تمويل العجز في ميزان المدفوعات الخارجية الجارية.
ويرتبط هذا التطور بمؤتمر باريس - 3 وما ارتبط به من تدفقات نقدية عكسها ميزان المدفوعات وتحويلات اللبنانيين المغتربين الى لبنان التي بلغت نحو 10 مليارات دولار عام 2006 اي ما نسبته 22.3% من اجمالي الناتج المحلي في ذلك العام.
وحسب تقرير لـ «أونكتاد» فقد زادت التحويلات الواردة الى لبنان بنسبة مهمة بلغت 211.3% مقارنة مع القيمة المسجلة عام 2000 والبالغة مليارا و582 مليون دولار، وبنسبة أعلى هي 301.9% مقارنة مع القيمة المسجلة عام 1995 والبالغة مليارا و225 مليون دولار. ويعزى هذا المسار التصاعدي الى العدد المتزايد للمغتربين اللبنانيين.
وتلعب تدفقات رؤوس الأموال دورا مهما في الاقتصاد اللبناني لناحية اعتبارها مؤشرا لجاذبية البلاد وكملاذ للاستثمار (ودائع المصارف، الاستثمار الأجنبي المباشر، استثمارات الأوراق المالية)، أو قياسا لمدى العجز في الحساب الجاري الناجم غالبا عن عجز الميزان التجاري، وبطبيعة الحال تغطي تدفقات رؤوس الأموال الى لبنان أو تمول العجز في الحساب الجاري والذي يشير بدوره الى ان لبنان ينفق أكثر من دخله القومي.
واضاف عودة المصارف التجارية الى سوق السندات الحكومية، وقد تيسر ذلك من استبدال مصرف لبنان شهادات ايداع تحملها المصارف التجارية بسندات خزينة مدتها 5 سنوات، ونتيجة لذلك تمكنت الحكومة من تقليل اعتمادها على التمويل الصافي من مصرف لبنان لصالح السوق.
كما ان وصول بعض المساعدات المتوقعة من مانحي المعونة في مؤتمر باريس - 3 غطت بعض احتياجات الحكومة التمويلية للعام الحالي.
وارتفاع احتياط النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان والذي يلعب دورا مهما في الحفاظ على أسعار الصرف واستقرار الاقتصاد الكلي.
ويمكن الاشارة الى نجاح لبنان من حيث المعدلات الثلاثة التي تدل على مدى كفاية الاحتياطات الأجنبية وهي: تغطية احتياط الواردات تتجاوز سنة واحدة، الاحتياطات نسبة الى الكتلة النقدية بمفهومها الواسع بالعملة المحلية يتخطى 20% بشكل مريح الاحتياطات نسبة الى الديون القصيرة الأجل هي أيضا أعلى بكثير عن 100%.
وتعترف الأوساط الاقتصادية بأنه ليس هناك مخرج من الأزمة سوى بالتعرض مباشرة لمصدر الأزمة وهو أداء الدولة المالي بأداته الرئيسية الموازنة.
ان تدهور وضع الدولة المالي والمخاطر التي قد يجلبها هذا التدهور على الوضع المصرفي والاقتصادي ككل تستدعي اتخاذ اجراءات جذرية لمعالجة الخلل المتفشي في الأداء المالي، وهذا بغض النظر عما قد يأتي الدولة من ايرادات من عمليات خصخصة ومن محطات باريسية، ولا يمكن لهذه الايرادات الظرفية ان تعطي الدولة سوى فرصة زمنية لالتقاط أنفاسها.
لذلك يقترح الخبراء هدفا وحيدا هو موازنة متوازنة تلغي العجز، فتعطي صدمة ايجابية سريعة للأسواق والتوقعات وتضع الاقتصاد على مسار ايجابي مختلف تماما عن المسار الحالي.
وفي هذا المجال لو تم تنفيذ مقررات باريس - ٣ كاملة لتمكن لبنان من تحقيق البرنامج الاقتصادي الذي قدمه الى المؤتمر وتوقع فيه ان ينمو الناتج المحلي بمعدل 6.25% سنويا، وذلك من 22.4 مليار دولار الى 23.8مليارا، وان يستمر نموه سنة بعد سنة حتى يصل في العام 2011 الى نحو 31 مليار دولار بحيث يرتفع بمقدار 8.6 مليارات دولار خلال خمس سنوات.
وفي قناعة الخبراء ان لبنان لولا هذه المآسي كان قادرا على تحقيق أداء اقتصادي أفضل ومستوى معيشة لائق لمواطنيه، نظرا لتمتعه برأسمال بشري مميز ويد عاملة ماهرة وذات كفاية، وانتشار واسع في شتى أنحاء العالم، وقطاع مصرفي متطور، ومناخ وجغرافيا جذابين.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )