رغم تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع اسعار النفط والمخاوف من ازمة أسواق الأسهم المتجددة، يبدو ان اوروبا وكأنها استطاعت حتى الآن تفادي العاصفة التي اطلقتها أزمة سوق العقارات الأميركية والمخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي كبير.
لكن مع مرور ما يقارب العام من الأزمة المالية الدولية بدأت ملامح صورة جديدة في التشكل حيث يمكن ان تقود أزمة الائتمان الجديدة الناجمة عن زيادة معدلات الافلاس في قطاع التمويل العقاري الأميركي الى ظهور انقسام اقتصادي جديد في اوروبا، ففي ظل ازمة الائتمان الراهنة يبدو ان هناك كيانين اقتصاديين في أوروبا يسيران بسرعتين مختلفتين الى جانب الغموض الاقتصادي الحالي مما يعزز المخاطر التي تهدد النمو الاقتصادي الأوروبي مثل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع الانفاق الاستهلاكي وانكماش الصادرات.
وقال خبير الاقتصاديات الأوروبية في مؤسسة دريسدنر كلينفورت للاستثمار راينر جونترمان «هذا العام سيكون هناك تفاوت في معدلات النمو بين الدول الأوروبية».
وقد أسهم الطلب القوي على الصادرات الألمانية من جانب الاقتصاديات الصاعدة الكبرى في دعم الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاديات اوروبا، في حين ضربت أزمة الائتمان بشدة دولا مثل أسبانيا وايرلندا وبريطانيا وبشكل أقل في فرنسا وهي الدول التي شكل نمو القطاع العقاري قاطرة النمو الاقتصادي فيها خلال الفترة الماضية، ويبدو أن تداعيات أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة امتدت الى أوروبا مما يهدد بالتبعية بانهيار قطاع البناء في أوروبا وتراجع الثقة في الاقتصاد وفي النهاية جر النمو الاقتصادي الى الأسفل، ويقول كبير خبراء اقتصاديات منطقة اليورو ببنك بي ان بي باريبا كينيث واتريت «بعض الاقتصاديات تواجه مشكلة كبيرة»، ومع امتداد تداعيات أزمة أسعار المنازل ببريطانيا الى باقي قطاعات الاقتصاد البريطاني بات من المرجح تراجع معدل النمو الاقتصادي لبريطانيا الى 1.6 % في العام المقبل بعد ان وصل الى أعلى مستوى له عام 2007 مسجلا 3.1 % من اجمالي الناتج المحلي، وبعد أن حققت نموا بمعدل 3.8 % العام الماضي تواجه اسبانيا احتمال انخفاض معدل النمو للنصف في الأعوام القادمة فيما تواجه سوق العقارات التي كانت منتعشة احتمالات التراجع الحاد، وفي حالة ايطاليا يبدو أن تباطؤ الاقتصاد العالمي سيعقد المشاكل التي تراكمت في السنوات السابقة في ثالث الاقتصاديات الكبرى في منطقة اليورو التي تضم 15 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، وحتى خلال مراحل الازدهار الأخيرة التي حظي بها العالم كانت ايطاليا تكافح من أجل زيادة معدلات النمو الاقتصادي حيث سبب ارتفاع سعر صرف اليورو في عودة مشكلة القدرة التنافسية للمنتجات الايطالية بالأسواق العالمية الى الظهور مرة أخرى.
وهناك قطاعات مثل الملابس والسلع المعمرة والتي تواجه فيها منافسة حامية من جانب الاقتصاديات الصاعدة التي تقدم منتجات بأسعار منخفضة.
وفيما قفزت مؤشرات ثقة المستثمرين في ألمانيا وفرنسا بشكل مفاجئ الشهر الماضي الا أن مؤشر ثقة المديرين التنفيذيين في ايطاليا هبط الى أقل معدل له خلال عامين ونصف العام، وهذا التفاوت الواضح في الأداء الاقتصادي بين دول أوروبا يضيف مزيدا من التعقيد الى المعضلة التي يواجهها البنك المركزي الأوروبي الذي يرفض حتى الآن السير في طريق خفض أسعار الفائدة وراء عدد من البنوك المركزية مثل مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) الأميركي وبنك انجلترا، بل على العكس رفع البنك المركزي الأوروبي خلال اجتماعه الدوري الأخير سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية بسبب تنامي الضغوط التضخمية في منطقة اليورو وذلك للمرة الأولى منذ عام تقريبا، وجاء قرار المجلس المكون من 21 عضوا في الوقت الذي دعا فيه الكثير من المسؤولين في دول اليورو الى التروي في قرار زيادة سعر الفائدة حتى لا يتدهور معدل نمو الاقتصاديات الأوروبية جراء زيادة سعر الفائدة، وبلغ سعر الفائدة الأوروبية الآن 4.25% ، وفي اللحظة التي حلق فيها اليورو عاليا ومع ارتفاع أسعار النفط الخام الذي أدى الى ارتفاع معدلات التضخم يبدو أن البنك المركزي الأوروبي يحاول كسب المزيد قبل الاقدام على أي خطوة اخرى بشأن سعر الفائدة، مؤكدا أن محاربة التضخم تبقى الأولوية رقم واحد بالنسبة له، وحتى لو استطاع أداء الاقتصاد الألماني القوي تحسين البيانات الاقتصادية الأوروبية المجمعة فان المحللين يؤكدون ان التوجه النزولي في الدول الأعضاء الأصغر في منطقة اليورو سيزيد الضغوط على البنك المركزي الأوروبي لخفض سعر الفائدة من أجل دفع النمو الاقتصادي في وقت لاحق من العام الحالي.
وهذا يتضمن المانيا ايضا التي يتوقع الاقتصاديون ان ينخفض معدل نموها الى أقل من 2% العام الحالي مع وجود خطر انخفاض تصحيحي في المؤشرات الأساسية خلال الأشهر الماضية، أما القلق الحقيقي الذي يواجه أعضاء منطقة اليورو فهو ان يؤدي الضغط على المستهلكين في المنطقة - بسبب زيادة أسعار الطعام والنفط - الى استمرار تراجع الانفاق الاستهلاكي فيما تتراجع الصادرات نتيجة تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يضع الاقتصاد الأوروبي على حافة الخطر.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )