واشنطن - احمد عبدالله
في نهاية شهر اغسطس الماضي ادلى بيل غروس بتصريح هز الاسواق المالية في نيويورك.
وبيل غروس اولا هو مدير اكبر صندوق للسندات في العالم.
وقد وصفته «بزنس ويك» العام الماضي بانه «واحد من خمسة اشخاص يعتبرهم السوق المالى الاكثر تأثيرا».
اما تصريح غروس الذي يقود صندوق «باسيفيك انفستمنت مانجمنت» الذي يسمى من باب الاختصار «بيمكو» فقد تلخص في كلمات معدودة، اذ قال انه لو لم تقدم حكومة الولايات المتحدة على شراء الاصول التي تبيعها الشركات الاميركية الآن باسعار بخسة فان «سونامي مالي» قد يحدث بين لحظة واخرى.
واستخدم غروس الجالس على استثمارات قيمتها 320 مليار دولار وصف «سونامي» مرتين في تصريحه المختصر الذي اشار فيه الى حقيقة ان الشركات الاميركية «تغرق» السوق الآن باصول متنوعة من سندات الى اسهم الى عقارات الى عقود لبيع الديون في تصفيات جماعية «بالجملة».
واضاف «لو لم يحدث تحرك لوقف هذا الاتجاه فان ذلك سيسفر عن سونامي مالي مدمر ولوقف هذا يتعين ان تفتح وزارة الخزانة حساباتها».
بعبارة اخرى كان غروس يتحدث عن تدخل حكومي كثيف لمنع انهيار الاسعار الى مستويات قياسية اذ بلغ حجم الاصول المعروضة «مستويات لم يسبق تسجيلها في اي لحظة حتى في 1929» اي خلال الركود العظيم الذي رافق انهيار بورصة نيويورك حسب قوله.
ولكن هل يمكن حقا ان تتدخل الحكومة لمنع انهيار المؤسسات المالية الاميركية وبالتالي كثير من المؤسسات المالية في بلدان العالم؟
يعيد هذا السؤال الكرة الى ملعب الانتخابات الرئاسية، وما اذا كان احد المرشحين باراك اوباما او جون ماكين يمكن ان يتدخل لمنع السونامي الذي يتحدث عنه غروس.
المهمة التي تنتظر الانجاز حسب وصف غروس - وآخرين غيره من كبار رموز عالم المال في الولايات المتحدة هي «تدخل الحكومة لشراء الاصول بدلا من المستثمرين الذين فرغت خزائنهم بسبب مشتريات سابقة او الخسائر الكبيرة والذين يحجمون الآن عن الشراء نظرا لتواصل انخفاض الاسعار كل يوم.
اما الحل فانه يتلخص في ان تشكل وزارة الخزانة ادارة جديدة في الادارة الفيدرالية للاسكان مهمتها مراجعة القروض واعتماد من يثبت ان اجراءات منحه كانت سليمة.
بعد ذلك تقدم الادارة للمقترضين الذين تم اعتمادهم دعما ماليا يتيح «دعم» الفوائد التي يدفعونها لتصبح تلك الفوائد المدعومة وسادة تحول دون حدوث اي صدمات تهدد القروض وتهدد العقارات بأكثر مما حدث لها بالفعل.
ويعني ذلك ان المطلوب من وزارة الخزانة التي تتبعها الادارة الفيدرالية للاسكان هو التحول الى مؤسسة لتأمين القروض الممنوحة على العقارات.
ولا يقتصر حل غروس على هذه الصيغة الخلاقة وانما يمتد الى المطالبة بتشكيل ذراع حكومية تشبه مؤسسة صندوق التسويات التي شكلتها الحكومة في الثمانينيات لشراء اصول بنوك الادخار والاقراض - التي انهارت آنذاك - بهدف منع انهيار اسعار الاصول بصفة عامة.
ويبدو ان الخط الناظم لاقتراحات غروس هو التدخل الحكومي لشراء الاصول اذ ان دعم نسبة الفائدة على قروض العقارات يعد مشاركة في الاصول وان من الباب الخلفي.
وللإجابة على السؤال المتعلق باحتمالات تحقق المسار الذي يشير اليه غروس يتعين البحث في برامج وتصريحات مرشحي الحزبين الرئيسيين اذ ان عبء التصدي لحل المشــكلة قبل قدوم السونامي الذي اشار اليه الممول الاميركي سيـقع على كاهل احدهما.
الا ان هذا البحث لا يصل الى اي نتيجة.
ذلك ان التصدي للمــشكلة المالية الكبيرة التي تواجهها الولايات المتحدة حاليا اقتصر على تناولها من الجانب الدعائي فحسب.
فقد استخدمها باراك اوباما لكي يثبت عجز الادارة الجمهورية الحالية عن ادارة الشؤون المالية للبلاد واستخدمها جون ماكين ليقول للناخبين انه يشعر بآلامهم ومتاعبهم الناجمة عن ارتفاع الاسعار وفقدان المنازل والعجز عن دفع اقساط الديون.
ولكن المرشحين لم يطرحا اي حلول حقيقية للمشكلة على نحو يدعو الى الاعتقاد بان السبب يرجع الى احد امرين.
اما انهما يعرفان ان الحلول لن تحظى بشعبية كبيرة او انهما يجهلان اصلا ما هي.
وفي كل الاحوال فان اي حل يمكن التفكير فيه سيستفز فئة او اخرى في الولايات المتحدة.
فإذا قررت الحكومة تطبيق حلول مشابهة لما يقترحه غروس فان ذلك يعني استخدام الميزانية الفيدرالية التي تعاني من عجز تاريخي لانقاذ مؤسسات مالية تورطت في قروض ذات مخاطر كبيرة ليس في حالات استثنائية فحسب ولكن كمنهج لسياستها الائتمانية.
ومن شأن حل كهذا ان يغضب من يرفضون استخدام اموال دافعي الضرائب لانقاذ شركات مالية اغرقها جشعها.
واذا لم تتدخل الحكومة الفيدرالية فان ذلك سيغضب سوق المال وكل قطاعات الاعمال والانتاج التي تعتمد على الائتمانات المصرفية لتمويل عملياتها.
ومن المحتمل ان يكون اوباما وماكين قد تجنبا عن عمد الحديث عن الحلول للابتعاد عن استعداء اي من تلك الفئات ذات المصالح المتناقضة.
الا ان ذلك لم يكن مبررا لحصر الحديث في السياسات الضريبية اي من سيزيد الضرائب ومن سيخفضها وكأن هذه هي انتخابات عام 2000 او عام 2004 اي وكأن «حدث الاحداث» على صعيد الاقتصاد الاميركي في عام 2008 ليس هو أزمة الائتمان الطاحنة التي تعصف الآن بكل المؤسسات المالية والاستثمارية وصناديق التحوط والمصارف بل هو قضية زيادة الضرائب او خفضها.
الا ان الارجح ان المرشحين لا يمتلكان رؤية واضحة للحل اذ ان اقتراحات غروس تعكس رأي شريحة فقط في المجتمع الاميركي هي شريحة القطاع المالى.
اما الآخرون فان لدى كل منهم حلا يتفق مع مصلحة هذا ويختلف مع مصلحة ذاك بينما يقدم السونامي المالي في صمت مهددا باغراق الجميع بينما هم يتشاجرون على من سيدفع ضرائب اكثر ومن سيربح بخفض ضرائبه.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )