حذر رئيس البنك الدولي روبرت زوليك من أن الخطر الثلاثي الذي يواجهه العالم اليوم والمتمثل في ارتفاع اسعار الغذاء والوقود وأزمة التمويل، ينذر - ليس فقط - بسقوط أشد الناس فقرا، بل ببقائهم حيث سقطوا في غياهب الفقر.
وقال زوليك - في مؤتمر صحافي عقده الليلة الماضية على هامش الاجتماعات السنوية المشتركة للبنك وصندوق النقد الدوليين - إن الأحداث التي وقعت في سبتمبر يمكن أن تزيد أوضاع العديد من الدول النامية سوءا، إذ ان من شأن هبوط الصادرات أن يتسبب في هبوط الاستثمارات، كما أن إحجام التمويل واقترانه بالتضييق النقدي سيؤدي إلى إخفاق مؤسسات الأعمال وإعلان النشاط المصرفي حالة الطوارئ، فيما ستواجه بعض الدول أزمات في ميزان مدفوعاتها.
ويتوقع البنك الدولي هبوط النمو الاقتصادي في الدول النامية من 6.6 هذا العام إلى نحو 4% العام المقبل.
كما حذر المسؤول الدولي من أن الهبوط سيكون من الشدة بحيث يبدو ركودا اقتصاديا، بينما ستكون أوضاع العديد من البلدان أسوأ مما يوحي به هذا المتوسط العام وعندئذ سيشتد وقع الصدمة.
وطالب زوليك بأن تتجاوز نظرة العالم مجرد نجدة الأوضاع المالية إلى نجدة الأوضاع الإنسانية.
وأشار إلى أن هناك نحو 28 بلدا تواجه أوضاعا مالية عاصفة في الوقت الحالي نتيجة للصدمة المزدوجة الناجمة عن أسعار المواد الغذائية والوقود، ولا ينتظر أن تتلقى على المدى المتوسط أي زيادة في المعونات للمشروعات والبرامج الخاصة بها.
وعاد رئيس البنك الدولى روبرت زوليك من جديد إلى انتقاد الدول الأعضاء في مجموعة السبع الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان) واتهمها بالفشل في الاضطلاع بمسؤولياتها، والبعد عن الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في مؤتمر (جلين إيجلز) باسكتلندا في يوليو من عام 2005.
نبه زوليك - في تصريح سابق - إلى الحاجة الملحة إلى «مجموعة أفضل لحقبة زمنية مختلفة»، مطالبا بإنشاء «فريق توجيهي» جديد يضم في عضويته كلا من «البرازيل، والصين، والهند، والمكسيك، وروسيا، والسعودية، وجنوب افريقيا، وبلدان مجموعة السبع الحالية بهدف التعاون المالي والاقتصادي».
وقال: «يتعين على هذا الفريق الجديد أن يكون أكثر من مجرد بديل لمجموعة السبع، إذ ان ذلك سيمثل استخداما لأساليب العالم القديم في صياغة العالم الجديد»، مؤكدا ضرورة تطوير هذا الفريق ليتناسب مع الظروف المتغيرة، بما في ذلك ظهور قوى صاعدة جديدة، والعمل في الوقت نفسه كشبكة للتفاعل المستمر.
وحذر زوليك من أن تقديرات البنك الدولي تفيد بأن 44 مليون شخص، من بينهم ملايين الأطفال، سيعانون من سوء التغذية في هذه السنة نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مضيفا «لا يمكننا أن نسمح بأن تتحول الأزمة المالية إلى أزمة إنسانية».
وقال رئيس البنك الدولى: «لا يمكن مطالبة من هم أشد فقرا بدفع أعلى الأسعار»، مشيرا إلى أن تكاليف هذه الأزمة قد تلازم هؤلاء الفقراء طيلة حياتهم.
ولفت إلى برنامج التمويل الخاص الذي أطلقه البنك الدولي والذي يقضي بسرعة دفع 1.2 مليار دولار أميركي لمساندة أشد الناس ضعفا وتعرضا للمعاناة، وهم الأشد تضررا من أزمة الغذاء، وأنه تم وضع البرامج فعليا لإنفاق 850 مليون دولار من ذلك المبلغ.
وقال إن استراليا أعلنت التزامها بتقديم 50 مليون دولار استرالي لهذا البرنامج، إلا أنه أكد الحاجة للمزيد، وحث الدول الأوروبية على مساندة الفقراء المحتاجين وصغار المزارعين في البلدان التي تعاني من ضغوط شديدة نتيجة لأزمة الغذاء.
وطالب رئيس البنك الدولي بأن تكون الحلول والتدابير والإصلاحات المالية والاقتصادية التي تتخذها الدول متعددة الأطراف وعالمية مثلما أن هذه الأزمة الحالية عالمية في طبيعتها.
وتوقع صندوق النقد الدولي هبوط النمو في منطقة جنوب الصحراء الأفريقية، من 6.5% عام 2007 -2008 إلى نحو 6% خلال عامي 2008 و2009، مع اقتران ذلك بارتفاع معدل التضخم إلى 12% عام 2008 ثم هبوطه إلى 10% عام 2009.
وتأتي هذه التوقعات أقل مما ورد في تقرير الصندوق لآفاق النمو الصادر في أبريل من هذا العام، وهو ما يعكس تدهور الأوضاع الاقتصادية الكلية لهذه المنطقة والتأثير القوي لارتفاع أسعار الغذاء والوقود وتباطؤ النمو العالمي والاضطرابات المالية العالمية، وتفاقم الاضطرابات الأخيرة من المخاطر، وخاصة ما يتعلق بانخفاض الموارد التي تتدفق إلى افريقيا على هيئة رؤوس أموال، خاصة وتحويلات من العاملين في الخارج وحتى تدفقات المعونة.
وذكر تقرير جديد للصندوق ان صدمة أسعار الغذاء والوقود ولدت ضغوطا تزيد من التضخم وعجز الحساب الجاري، في الوقت الذي لم تطرأ أي زيادة على الدعم المقدم من المانحين بما يسمح بتغطية فواتير الاستيراد المتضخمة من جراء صدمة الأسعار، مما يحمل الموارد المحلية وحدها عبء التكيف مع الصدمة.
ووفقا للتقرير فلاتزال احتياطيات النقد الأجنبي في بلدان هذه المنطقة صامدة إلى حد كبير حتى الآن، وإن كان من غير المتوقع لها أن تستوعب العواقب طويلة الأجل لصدمة أسعار الغذاء والوقود، ويظل لهذه المخاوف ما يبررها رغم تراجع أسعار النفط مؤخرا، وكذلك انخفاض أسعار الغذاء وإن كان بدرجة أقل.
ولاتزال أسعار الغذاء والوقود أعلى بكثير من المستويات التي بلغتها في عام 2007، ولم تكتمل بعد عملية التكيف مع ارتفاع الأسعار.
ويتمثل التحدي الراهن أمام صانعي السياسات في التكيف مع صدمة أسعار الغذاء والوقود، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وحماية الفقراء.
وقال تقرير الصندوق لآفاق النمو في هذه المنطقة انه ينبغي نقل الزيادة التي طرأت على أسعار الغذاء والوقود إلى الاقتصاد بالتدريج تشجيعا للتكيف المطلوب.
وقال تقرير صندوق النقد الدولي انه نظرا لأن الغذاء يستحوذ على نسبة كبيرة من الإنفاق في قطاع الأسر، فإن ما يسببه هذا الارتفاع من تراجع في القوة الشرائية للفقراء يشكل مصدرا للقلق البالغ.
وللعمل على حماية الفقراء، غالبا ما يلجأ صانعو السياسات حتى الآن إلى تخفيض الضرائب والتعريفات على أصناف الوقود والغذاء وزيادة الدعم المالي المخصص لها، ولكن هذه التدابير تعود بالنفع في الغالب على شريحة أكبر من السكان ومن ثم تنطوي على قيمة محدودة بالنسبة للفقراء، فضلا عن ارتفاع تكلفتها على ميزانيات الحكومة في المدى الأطول، وبالتالي، ينبغي تحسين توجيه التدابير الرامية إلى تخفيف أثر ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وأن يوفر المانحون دعما أفضل لها.
وأوضح التقرير أنه بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط، فثمة تحد خاص يتمثل في الاستخدام الحكيم لإيرادات النفط على نحو يمكن للاقتصاد استيعابه، كما أوصى التقرير بتشديد السياسات النقدية وأن يكون تشديد سياسة المالية العامة داعما لهذا الجهد، لاسيما إذا كانت خيارات السياسة النقدية محدودة بسبب نظام سعر الصرف وكان موقف المالية العامة عاملا مساهما في التضخم.
وقال التقرير ان آفاق الاقتصاد العالمي تتعرض لمخاطر غير مسبوقة بينما يمر النمو والاستقرار الاقتصادي الكلي في القارة باختبار يقيس قدرتهما على تحمل هذه الأحداث الأخيرة، لذلك ينبغي الآن أكثر من أي وقت مضى أن تكون البلدان قادرة على الاستجابة السريعة للصدمات الخارجية غير المتوقعة.
وأشار التقرير إلى أن هناك بلدانا تواجه صدمات تضخمية ناشئة عن ارتفاع أسعار الواردات، وانخفاض معدلات التبادل التجاري، وتراجع في تحويلات العاملين وتدفقات رؤوس الأموال الخاصة، مما يعرضها بوجه خاص لمخاطر جسيمة، إذ ان نقص المعونة سيكون ضربة شديدة إضافية تتلقاها هذه الدول.
وقال التقرير ان التقلب الذي شهدته الفترة الأخيرة يقتضي أن تعمل هذه الدول على تكوين قدر كاف من الاحتياطيات الخارجية الوقائية.
وأشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن التقلبات الراهنة تأتي في وقت يتمتع فيه عدد كبير من بلدان افريقيا جنوب الصحراء لأول مرة منذ سبعينيات القرن الماضي بمعدلات نمو مرتفعة في متوسط دخل الفرد، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على النمو المرتفع، بل وزيادة معدله ونشره في البلدان منخفضة النمو حتى تتمكن المنطقة من تحقيق أهم أهدافها الاقتصادية، وهي رفع مستويات المعيشة وتحقيق أهداف التنمية للألفية الجديدة.
ويرصد التقرير عددا من ملامح التقدم التنموية التي أحرزتها هذه المنطقة ومنها أنها حققت معدلات نمو تقترب من مثيلاتها في البلدان النامية في مناطق أخرى وتتسم بالاستمرارية والتنوع في الخصائص.
وأنها تمكنت من إرساء ركائز الاقتصاد الضرورية على نحو سليم، وتمكنت بلدانها من تجنب حدوث إخفاقات كبيرة في السياسات ودعمت قوة مؤسساتها.
كما لعبت زيادة المعونة دورا في نجاح البلدان سريعة النمو التي لم تستفد من عائد الموارد الكبير مما أفسح لها المجال لزيادة الإنفاق الاجتماعي والاستثمارات العامة وشجع نموها السريع.
وتوقع الصندوق أن تساعد زيادة الاحتياطيات لدى البلدان المستوردة للنفط في افريقيا جنوب الصحراء على استيعاب الزيادة في أسعار الوقود، ولو بصفة مؤقتة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )