فواز كرامي
«الأزمة كبيرة والجميع متورط فيها ولا يظن احد انه بمنأى عن تداعياتها وهي قادمة في الطريق وبداياتها ظهرت في العديد من دول العالم من خلال التسريح الجماعي لموظفي الشركات الكبيرة في العديد من الدول، اما نهايتها وبداية الانتعاش الاقتصادي فهي عندما يخسر جورج بوش منصبه في البيت الابيض».
هذا ما خلص اليه رئيس استراتيجيات العملات الاجنبية في بنك اتش اس بي سي ديڤيد بلوم في المحاضرة التي القاها ونظمها البنك امس الاول.
وباسلوبه التهكمي اضاف الخبير الاقتصادي القادم من المقر الرئيسي للبنك ان المرحلة القادمة ستشهد زيادة في قوة الدولار، مشيرا الى الاسباب الرئيسية التي ادت الى الازمة المالية العالمية التي يمر بها العالم في الوقت الحالي والتي تعود للجشع الكبير وغير المحدود من قبل المستثمرين لاسيما في الولايات المتحدة الاميركية والاسواق الناشئة اضافة الى عدم استفادة المؤسسات المالية العالمية من الدروس والاخطاء السابقة التي عصفت بها والاعتقاد الخاطئ لدى الجميع بان انهيار الدولار خلال العامين الماضين هي مسألة تخص الاقتصاد الأميركي وحده دون غيره.
وبيّن بلوم في محاضرته التي حملت عنوان «الدولار وطيران العنقاء «ان الجدل بشأن تعافي الاقتصاد الاميركي بالمعدل المساوي لمعدلات تعافي الاقتصادات الاخرى اخذ كفايته من النقاش والحوار لذا توقع ان يغير الدولار توجهه وينتقل لتحقيق المزيد من المكاسب والقوة، وذلك بسبب الاجراءات التي اتخذتها العديد من المؤسسات المالية والتي كان شبح التضخم عائقا امام اخذها لمثل هذه التدابير، لافتا الى ان جميع هذه الاجراءات تم اتخاذها لاحتواء الازمة المالية حيث انه لم يتم حتى الان تحديد وتقييم الخسائر التي لحقت بالاقتصادات العالمية مشبها الازمة بالحريق الذي حصل بالولايات المتحدة الاميركية في ولاية كاليفورنيا والذي تم الحد من انتشاره دون تحديد الخسائر التي لحقت بالولاية .
دعم النمو المهتز
واكد على عدم يقينه فيما اذا كانت هذه الاجراءات والتدابير كافية ام لا، مشيرا الى حاجة البنوك المركزية في العالم الى عملات ضعيفة نسبيا لدعم النمو المهتز في دولها ومستخدما مصطلحا اقتصاديا جديدا وهو «شادنفرود» والتي عرفها بالمأساة التي تلحق بالشخص من مشاركته الاخرين في اشارة الى تحمل الدول الاخرى لمشاكل الاقتصاد الاميركي كالمانيا التي حققت معدلا سالبا للناتج الاجمالي المحلي وتبعتها كل من نيوزيلاندا التي خفضت سعر الفائدة عندها بمعدل 150 نقطة اساس خلال شهرين وكندا التي حققت اقل معدل في الوظائف خلال 17 عاما واليابان التي حققت ناتجا اجماليا محليا سالبا، واستراليا التي خفضت سعر الفائدة لديها بمعدل 200 نقطة اساس وسويسرا التي تعاني فيها البنوك الرئيسية من العديد من المشاكل والمملكة المتحدة التي انخفضت فيها اسعار المنازل بمعدل الضعف والنرويج التي تأثرت بانخفاض اسعار النفط.
الاقتصاد الياباني
وتطرق بلوم الى وضع الاقتصاد الياباني الذي اخذ العديد من الاجراءات للحد من الازمة والتي وصفها بأنها ضرورية، الا انها اغفلت اجراء اساسيا لم تتخذه يتمثل في عدم قيامها بتمويل بنوكها المحلية، مشيرا الى ان اليابان مرت بمثل هذه الازمة في بداية الثمانينيات من العقد الماضي، حيث حققت أسعار الاراضي فيها فقاعة كبيرة انفجرت في بداية التسعينيات، ومازالت اليابان تعاني من تداعياتها حتى الوقت الحالي.
وفيما اكد بلوم ان الدولار يتجه لوضع اكثر قوة بين ان الاسهم تتجه لتكون اضعف، مشيرا الى ان المسألة في الوقت الحالي هي مسألة تملك في الاصول، كاشفا عن 5.5 ترليونات دولار من الاستثمارات في الولايات المتحدة الاميركية قدمت من الخارج للاستثمار في أدوات الائتمان الاميركية في السنوات الـ 8 الماضية، ومشيرا الى ان محاولي القطاع الخاص في الاستحواذ على أصول الائتمان الاميركية فشلت، مما ساعد على انخفاض قيمة الدولار في بداية 2008، لافتا الى ان الكمية الضخمة من الاستثمارات الخارجية كانت في معظمها في سندات الخزينة.
تعافي الدولار
وبين بلوم ان المساعدات والدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الاميركية لمؤسستي فاني ماي وفريدي ماي ساعدت الدولار على التعافي والتحسن، متوقعا ان تغري سندات الخزينة الاميركية والاصول العديد من المستثمرين الاجانب مستقبلا مما يسمح بتدفق المزيد من الاستثمارات الى الولايات المتحدة الاميركية مما يساهم في تحسين وتقوية وضع الدولار، لاسيما ان من احد أسباب الازمة هو الاقبال الكبير على الاستثمار في الاصول في منطقة اليورو عندما شعر المستثمرون بضعف الدولار والتي استمرت حتى منتصف العام الحالي ظنا منهم ان انخفاض الدولار أزمة تخص الاقتصاد الأميركي وحده، مشيرا الى ان حجم هذه الاستثمارات في منطقة اليورو وصل الى 541 مليار يورو بزيادة قدرها 317 مليار دولار عن عام 2006. مما دفع صافي الدين للارتفاع ليصل إلى 261 مليار يورو في عام 2008.
ووصل بلوم الى النتيجة الاساسية في محاضرته التي استمرت على مدى ساعة متواصلة والتي اكدت ضرورة انهاء حالة الانهيار الحالية والتي وُضعت لها حلول عالمية كتحديد وضع الاسهم بصورة حاسمة وغيرها من الاجراءات التي يجب ان يجتمع العالم على مواجهتها ومن بعدها «نقلق بشأن الانتعاش الاقتصادي».
واختتم بلوم محاضرته بالقول ان الازمة الحالية كبيرة والجميع متورط فيها والاهم من كل شيء الآن هو الصمود في مواجهتها ولا تذهبوا الى الفرص الكبيرة التي نشأت في هذه الازمة بل انتظروا العديد من الفرص التي ستأتي اليكم، مؤكدا ان الازمة ليست ازمة ثقة في الاقتصاد العالمي فقط بل هي أكثر من ذلك.
الأزمة المالية
اما بالنسبة للمحاضرة الثانية والتي حملت عنوان «ملجأ في العاصفة» والتي استعرضها رئيس الاقتصاديين لأسواق الخليج والشرق الاوسط في بنك اتش اس بي سي سيمون وليامز، فتوقع ان تصل نسبة النمو في دول الخليج الى 3.5% خلال العام المقبل رغم الازمة المالية التي تعصف بالعالم والتي اعتبرها نسبة مرتفعة جدا مقارنة مع معدلات دول أخرى في العالم، مبررا سبب النسبة العالية الى العوائد المالية الضخمة التي حققتها دول المنطقة من مبيعات النفط وبالأسعار العالية، حيث لفت وليامز الى ان دول الخليج حققت عوائد نفطية تجاوزت 2000 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية ابتداء من عام 2004 وحتى عام 2008 مقارنة بنحو 600 مليار دولار في السنوات الست بين عامي 1998 وعام 2003 مشيدا بالتطورات التي شهدتها هذه الدول في السنوات الاخيرة، لاسيما النمو الملحوظ في القطاع غير النفطي من خلال ارتفاع مساهمته في الناتج الاجمالي المحلي لدول المنطقة من 300 مليار دولار في عام 2004 الى 500 مليار دولار خلال العام الحالي متوقعا استمرار النمو خلال العامين المقبلين.
وأشار وليامز الى التحسن الكبير في أداء القطاعات غير النفطية في هذه الدول كالقطاعات المرتبطة بالبنى التحتية وقطاع الصناعة الذي بدأ يأخذ موقعه تدريجيا إضافة الى قطاع الخدمات الذي رفع مساهمة هذه القطاعات ثلاثة أضعاف.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )