فواز كرامي
بينما تترقب الاسواق العالمية اسعار النفط وارتفاعاته وتجاذباته ويعمل المحللون الاقتصاديون والمضاربون ليل نهار لمعرفة الاسباب التي تساهم في ارتفاع وانخفاض اسعاره، يجلس صاحب الدخل المحدود في منزله محللا وواضعا الخطط المالية الشهرية لراتبه ومدى تناسبها مع ارتفاع اسعار السلع الاساسية التي دقت ابواب دول الخليج عامة والكويت بشكل خاص دون ان يكترث بالاسباب والتحليلات التي ادت الى هذه الزيادة والتي وصلت في بعض السلع الى 80%.
وبينما تحاول الحكومة كل جهودها لحل هذه المعضلة بما فيها الزيادة الاخيرة في الرواتب او تشكيل لجان للمتابعة او الجهود المبذولة في مجال الجمعيات التعاونية والتي لطالما اعتبرت الميزة التي انفردت بها الكويت، حيث امتلكت الكويت اكثر من 3000 جمعية تعاونية وذلك لتأمين المواد الاساسية من جهة وبأسعار تناسب اصحاب الدخل المحدود من جهة اخرى، لم تستطع ان تقف حائلا امام الغلاء الكبير في الاسعار.
وفي محاولة لمعرفة دور المجتمع المدني في هذه القضية التي تهم فئة كبيرة من المجتمع، التقت «الأنباء» رئيس جمعية حماية المستهلك فيصل السبيعي لمعرفة دور الجمعية في قضية الغلاء في الاسعار وتشخيصها لمشكلة الاسعار وما الحلول التي تطرحها لحماية المواطن من الغلاء بشكل عام والمستهلك بشكل خاص والتي تؤثر بشكل كبير على اصحاب الدخل المحدود، حيث كان لنا معه هذا الحوار:
ما دور لجنة حماية المستهلك من الغلاء الكبير في الاسعار؟
بداية، لجنة حماية المستهلك كلجنة تطوعية تمتلك العديد من البرامج والاجندات التي تتضمن الحلول والبدائل لكل المشاكل التي قد تواجه المستهلك اضافة الى مواضيع اخرى تهم المستهلك ومصلحته لكن المثل العربي يقول ان اليد الواحدة لا تصفق، اي بمعنى ان لجنة حماية المستهلك لا تستطيع القيام بأي شيء دون وجود وعي لدى المستهلك والثقافة الاجتماعية والاستهلاكية فاذا توافرت النية الايجابية للمواطنين والوافدين والثقافة الاستهلاكية نستطيع تحقيق مطالبنا.
وباعتبار مشكلة غلاء الاسعار في المواد الاساسية مشكلة كبيرة تواجه المستهلك حاولنا جهدنا في جمعية حماية المستهلك في ان نظهر هذه الاشكالية ونبينها للرأي العام الكويتي من خلال الندوات والبحوث والاطروحات التي تتضمن الهموم والمشاكل التي تهم شريحة كبيرة من المجتمع.
ما تشخيصكم لمشكلة غلاء الاسعار التي تعصف بدول المنطقة وبينها الكويت؟ وما تأثيرها على المشكلة على المديين القصير والطويل؟
ان الاستهلاك في الدول المتطورة والراقية خط احمر لا يمكن لاحد او اي طرف ان يتجاوزه، لأن عمليات تعويم الاسعار بشكل مبالغ فيه يؤثر على المستهلك والمجتمع والمواطن والوافد وله تداعيات سلبية لا يمكن ان تتحملها العديد من الدول، لأن غلاء الاسعار يؤثر على اهم طبقة في المجتمع والتي تشكل عماده وهم اصحاب الدخل المحدود، ففي حال ارتفاع الاسعار تظهر هناك اشكالات وارهاصات تؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهذه الطبقة التي تنعكس بدورها بصورة سلبية على المجتمع ككل.
ما الحلول التي تراها لجنة حماية المستهلك مناسبة لهذه المشكلة؟
لدينا في جمعية حماية المستهلك فكرة ورؤية لهذا الموضوع، حيث كانت معظم الدول التي عانت من مشكلة الغلاء في الاسعار تقوم بتطبيقها وتنفذها وتتمثل هذه الرؤية في ان يتم تحديد الاسعار من قبل لجنة أو جهة تنفيذية معينة تنطوي تحت وزارة او ادارة واحدة، وليس عن طريق اتحاد الجمعيات التعاونية الذي لا يستطيع ان يقف امام قوة جبارة كالتجار الذين يمثلون قوة يصعب اختراقها، وقد طرحنا انشاء لجنة او ادارة قوية ممثلة من الحكومة ومجلس الامة ومن المجتمع المدني الكويتي تكون لها الكلمة الفصل في اتخاذ القرارات التي تهم المستهلك وتحميه من جور التجار.
ألا ترون في جمعية حماية المستهلك ان غلاء الاسعار جاء نتيجة لأسباب تضخمية في جميع أنحاء العالم وليس في الكويت وحدها كي لا نحمل التجار المسؤولية كلها والجميع يسمع بأزمة الغذاء العالمية؟
صحيح ان هناك اسعار بعض المواد ارتفعت من بلد المنشأ، لكنها بنسب قليلة وليس كنسب ارتفاع الاسعار في الكويت والتي تراوحت بنسب اكثر من 50% حتى ولو اخذنا بعين الاعتبار التضخم وانخفاض قيمة الدولار والظروف المناخية والكوارث الطبيعية التي تحدث في العالم، فمن الاستحالة ان ترتفع الاسعار في الكويت بهذه النسبة.
هل للتجار في الكويت دور في ارتفاع الاسعار بهذه النسب؟
هناك مؤامرة من قبل بعض التجار الجشعين والذين لا يتمتعون بأي حس وطني أو يفكرون بهموم المواطنين ويسعون وراء هدفهم الوحيد وهو تحقيق أرباح خيالية وكبيرة ولو كانت هذه الارباح على حساب أي شيء لقد وجهنا نداءتنا من خلال الصحف المحلية وكل الوسائل الاعلامية بأن هذه الاسعار الخيالية ستحدث مشكلة كبيرة للكويت والعاملين فيها اذا لم تقف الحكومة الكويتية وقفة صارمة من خلال تفعيل قانون الغش التجاري ومنع الاحتكار واذا لم تقم بهذه الخطوة المهمة فستكون في موقف لا نحسد عليه.
ذكرتم ان يدا واحدة لا تستطيع التصفيق، فمن يمثلون الايادي الاخرى التي تريدون ان تنضم اليكم في مطالبكم؟
يجب ان يكون هناك رقابة شبه كاملة على الاسعار، وخصوصا على المواد الاستهلاكية الاساسية من قبل الحكومة والسلطة التنفيذية لأن اصحاب الدخل المحدود والذين يرتبون دخلهم وحياتهم الاقتصادية والاستهلاكية بناء على الاجر الذي يتقاضونه والذي يوزعونه بين حاجاتهم الاساسية والضرورية وحاجتهم الحياتية الاخرى سيواجهون صعوبات جمة من ارتفاع الاسعار اذ يجد هذا المواطن ان الدخل الذي يتقاضاه لا يكفي لحاجاته الاساسية ويجد ان اسعار المواد الغذائية والاساسية قد ارتفعت، الامر الذي يؤدي الى مشاكل اجتماعية واقتصادية يكون المتضرر الاساسي منها هو المجتمع وبالتالي الدولة، لذلك يجب ان تكون عملية الاستهلاك في مجتمعاتنا شبيهة بتلك الموجودة في الدول المتطورة من حيث النظرة للمستهلك، والتي لا يكون فيها أي تشكيك بالاضافة الى الصرامة في التعاطي مع هذا الموضوع الحيوي من قبل حكوماتهم.
ماذا تقصد بتفعيل قانون حماية المستهلك وقانون الغش التجاري؟
هناك الكثير من المواد الاستهلاكية بالكويت فيها الكثير من الغش التجاري والامراض ولها تأثيرات صحية واقتصادية على المستهلك، كما ان هذه البضائع دخلت الى الكويت بكميات كبيرة وتحتوي على الكثير من الغش التجاري وبأسعار مرتفعة وما يثير الدهشة ان هناك انواعا من السلع استطاعت ان تحافظ على اسعارها، فعلى سبيل المثال الملابس استطاعت أن تحافظ على اسعارها في الكويت، اما السلع الغذائية والتي يحتاجها المستهلك اكثر من الملابس ولا يمكنه الاستغناء عنها فوصلت الى ارقام خيالية لهذا لابد من تفعيل قانون حماية المستهلك والغش التجاري لمراقبة كل السلع التي تدخل الكويت من حيث الجودة والنوعية والاسعار بما يضمن سلامة المستهلكين الصحية والاقتصادية.
ألا ترى ان دور الجمعيات التعاونية يساهم في كبح جماح الغلاء في الاسعار من جهة تقديمها لأسعار منافسة في السوق؟
خلال الشهرين الماضيين ظهرت اشكالية كبيرة، حيث حصل الكثير من الشد والجذب بين اتحاد الجمعيات التعاونية من جهة والتجار من جهة اخرى، وكما قلت سابقا التجار هم الاقوى وسينتصرون في النهاية على اتحاد الجمعيات التعاونية لأنهم يمتلكون النفوذ، فإذا لم تقف السلطة التنفيذية والتشريعية والشرائح المؤثرة في المجتمع الكويتي ذات الخبرة الى جانب اتحاد الجمعيات التعاونية، فسيكون مصير اتحاد الجمعيات التعاونية والجمعيات التعاونية بذاتها مأساويا، اما اذا وقفت الجهات التي ذكرناها سابقا الى جانب الجمعيات التعاونية واتحادها فسيفقد التجار نفوذهم، وتتمكن الجمعيات التعاونية من لعب دورها الاساسي وستقود الاسعار الى الانخفاض.
اذا هل هناك حلول مازال بالامكان تطبيقها تساهم في حماية المستهلك؟
ان انشاء اتحاد جمعيات تعاونية مؤلف من فئات ذات خبرة في الادارة والتجارة والابتعاد بانتخابات الاتحاد عن الفئوية والعشائرية وغيرها سيقوي الجمعيات التعاونية بصورة تجعلها اكثر تنافسية او ان تقوم الدولة بتبني سياسة الانفتاح الاقتصادي، وذلك من خلال فتح الموانئ على مصراعيها امام السلع والبضائع لتدخل الى الكويت في كلتا الحالتين ستنخفض الاسعار لأنه حينها سينتفي الاحتكار الذي يقوم به بعض التجار في الكويت، وخاصة ان معظم هؤلاء التجار يتمتعون باليد الطولى، فالكثير من السلع التي تتوافر في الاسواق الكويتية سمحت الدولة لبعض التجار باحتكارها لمدة عقود من الزمن حتى اثرت على سلوك المستهلك الكويتي الذي دخلت في عقله الاستهلاكي واصبح يشعر بأنه لا يستطيع الاستغناء عنها لذا لابد من فتح الاسواق امام البضائع المنافسة القادمة من الخارج والقيام بعمليات الاعلان عن هذه السلع الجديدة والتي ستلاقي رواجا منقطع النظير لتدفع التجار الذين احتكروا هذا الصنف من السلع لعقود الى القيام بخفض اسعار سلعهم.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )