عمر راشد
100 دولار فقدتها اسعار النفط في 5 أشهر، ومع اختلاف الرؤى والتحليلات حول فاعلية قرار «أوپيك» الاخير في مدينة وهران الجزائرية التي تم فيها خفض انتاجها بـ 2.2 مليون برميل ليبلغ حجم الخفض الاجمالي لانتاج أوپيك 4.2 ملايين برميل يوميا في 2008.
وحول مدى فاعلية قرارات أوپيك بخفض الانتاج في دعم الاسعار، تناول التقرير الاسبوعي الصادر عن شركة الشال في قطر اثر الخفض في الانتاج الى دعم الاسعار، حيث اشار التقرير الى ان قرارات أوپيك الاخيرة سيكون مصيرها القرارات السابقة نفسها ولن تدعم الاسعار، مستشهدا بانخفاض الاسعار على المدى القصير جدا.
وقال التقرير ان قرارات أوپيك بخفض الاسعار والتي تمثلت في 3 قرارات: الاول في اجتماع أوپيك الوزاري في ڤيينا بتاريخ 9 و10 سبتمبر 2008، حيث قررت أوپيك العودة الى مستوى انتاج سبتمبر 2007 البالغ 28.8 مليون برميل اي تخفيض انتاجها بنحو 520 الف برميل.
وفي الاجتماع الوزاري الاستثنائي لأوپيك في 24/10/2008 قررت خفض انتاجها بـ 1.5 مليون برميل يوميا من نحو 28.8 مليون برميل ولم يقدم الخفضان اي دعم لمستوى الأسعار.
وفي اجتماعها الاستثنائي رقم 151 في مدينة وهران اتخذت أوپيك قرارا بخفض الانتاج بـ 2.2 مليون برميل يوميا والذي لم يدعم الاسعار، بل على العكس استمر هبوط الاسعار.
وبررت التحليلات وجهة نظرها في ان قرارات الخفض في الثلاثة تعني خفض المعروض بنحو 14.3% وفقدان 14.3% وبالتبعية من ايراداتها، وإذا لم يحدث تعويض على مستوى الاسعار فالنتيجة ستكون خسارة صافية في الايرادات بهذا القدر.
وقد استندت وجهة النظر القائلة بأن خفض الانتاج من مبرراته: المبرر الأول لمخالفة توجهات أوپيك يتمثل في اعتراضنا على استعجالها الدفاع عن الاسعار، فأسعار النفط، خلال النصف الاول من العام الحالي، ارتفعت حتى حافة الـ 147 دولارا لبرميل النفط الاميركي الخفيف ـ 3/7/2008 ـ دون مبرر، وانخفضت، في بداية شهر ديسمبر، الى حافة الـ 40 دولارا، دوم مبرر غير الهلع من تداعيات ازمة لم تحدث منذ 80 عاما، ويفترض ان تعطي أوپيك اشارات تبين تعاطفها مع ما يحدث في العالم، وسيكون تعاطفا غير مكلف، لان هذا المستوى من الاسعار لن يستمر سوى على المدى القصير، واذا طال مداه فلن يلومها احد ان اتخذت اي اجراء، من جانب آخر، يفترض ان تكون دول أوپيك قادرة على امتصاص صدمة الازمة بما كونته من فوائض في زمن رواج الاسعار، الذي استمر نحو 7 سنوات، فهي، في الزمن القصير على الاقل، لا تعاني ضغوطا غير محتملة، ويفترض، ببعض التروي، ان يكون انخفاض الاسعار الى هذا المستوى لمصلحتها، لأطول من الزمن القصير، لأن كل بدائل الاستثمار في النفوط الغالية ـ اعالي البحار او نفط الطمي ـ او بدائل النفط ستتعطل لأنها لم تعد اقتصادية، اي انها مشكلة الآخرين وليست مشكلتها.
اما المبرر الثاني فهو عجز أوپيك عن التعلم من تجاربها، التي توحي بأنها ما لم تتعرض لضغط قاتل، وتتدخل الدول المستهلكة لدعم مواقفها ـ 1986 و1998 ـ فلا معنى لقرارات خفض انتاجها، لأن درجة الالتزام بها ضعيفة، ففي التجارب القديمة، كذبت معظم دول أوپيك في حجم احتياطياتها النفطية، لكي تكسب حصصا اكبر، وكذبت في حجم انتاجها ما بين الفعلي والمخصص لها ضمن أوپيك، وفي الوضع الحالي هي اقرب، كثيرا، الى عدم الالتزام، اي انها ستفقد المزيد من المصداقية.
ونحن نعتقد انه كان من الأفضل لأوپيك ان تظهر تعاطفا سياسيا مع أزمة العالم المالية، وتعتبر ان هبوط الاسعار جزءا من «مشروع مارشال» لاستعادة الاقتصاد العالمي عافيته، ونود التذكير، فقط، بأن المبرر الرئيسي لانتقال سوق النفط، منذ بداية القرن الحالي، من غلبة اثر عنصر الطلب على جانب العرض، للمرة الاولى، كان بسبب نهوض اقتصادات آسيا ـ الصين والهند ونمور آسيا ـ بما عناه من استيعاب كل الطاقة الانتاجية لأوپيك، اي ان لأوپيك مصلحة مماثلة في تعافي الاقتصاد العالمي بأسرع ما يمكن، اما البديل، اي اطالة امد الركود او تحوله الى كساد، فسيعني عودة سوق النفط الى غلبة عنصر العرض في التأثير على الأسعار، وهو أمر سيئ لها.
وأشار التقرير الى ان اسواق المال العالمية تعيش حاليا مرحلة ما بعد الصدمة، وهي المرحلة الثانية من التداول، واوضح ان تلك المرحلة تتميز بعدد من الخصائص مثل: حدوث تذبذبات حادة لمؤشرات الأسواق المالية بين الأدنى والأعلى مع ميل الى الاتجاه الاول، فرز الشركات الرديئة من الجيدة، كما تظهر الاجراءات والسياسات العامة بمكافأة سوق ومعاقبة آخر.
واشار التقرير الى ان سوق الدوحة للأوراق المالية كان اقل الأسواق الاقليمية خسارة منذ بداية العام، حيث فقد المؤشر 30.7% بينما كان سوق دبي للأوراق المالية الأعلى خسارة بنسبة قاربت 55.6%، وتراوحت معظم الأسواق الأخرى ما بين 33 و44%.
وفي اطار الحلول واحتواء آثار أسوأ ازمة مالية في التاريخ قال التقرير ان السلطات الحاكمة، من الولايات المتحدة الأميركية الى الصين مرورا بأوروبا، قامت باتباع سياسات نقدية ومالية هي الأكثر توسعا منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الفائت.
وفي سلسلة محاولاته لخفض تكلفة الاقتراض وتحفيز النمو، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الاميركي سعر الفائدة - الأساس من 1% الى ما بين صفر وربع نقطة مئوية، يوم الثلاثاء الفائت، غير آبه بأي ضغوط تضخمية، وكسب مؤشر داوجونز، يوم الثلاثاء الفائت نحو 4.2%، نتيجة خفض الفائدة اكثر من التوقعات، ومعه ارتفعت مؤشرات غالبية الأسواق الرئيسية نتيجة الاثر النفسي المؤاتي على المدى القصير جدا، اما الاثر الفعلي فسيحتاج الى وقت طويل، وبدأت الادارة الأميركية الجديدة إعداد خطة تحفيز مالية، ايضا وهي اسرع اثرا، اذ من المحتمل ان تقدم الى الكونغرس الاميركي رغبتها في تمويل مشروعات بنى تحتية بتكلفة تقارب 400 مليار دولار، وخفض الضرائب بما قيمته 200 مليار دولار، لدعم جانب الطلب المحلي على السلع والخدمات، ومثلها ستفعل اوروبا والصين والهند.
ونصح التقرير بعدم المبالغة في الاجراءات فالوضع مختلف في منطقة الخليج، حيث ان العامل النفسي كان اشد في اثره من متغيرات الاقتصاد الكلي، الذي من خلاله يمكن التدخل وان كان بشكل غير مباشر ويفرض ضرورة التروي في التصريحات.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )