عمر راشد
أفضل وصف يمكن إطلاقه على ميزانية العام المالي 2009/2010 هو الاتجاه المعاكس الذي قد يدخل الكويت في نفق مظلم لا يعلم الى اين يأخذ الاقتصاد في المرحلة المقبلة، ففي الوقت الذي يدعو فيه مشروع قانون الاستقرار المالي لتعزيز الانفاق الاستثماري والتركيز على القطاعات الانتاجية نجد الباب الرابع في الميزانية يقلص حجم الإنفاق على المشاريع الإنشائية بنسبة 67.2% وصولا الى 1.2 مليار دينار من 1.6 مليار دينار خصصت في ميزانية 2008/2009 الحالية.
الموافقة الحكومية على الميزانية الحالية وصفها بعض الاقتصاديين بأنها بداية «التيه» لاقتصاد تتقاذفه الأوضاع السياسية وتحدد مساره في إشارة الى انخفاض حجم الإنفاق العام للدولة بنسبة 36.5% وهو يعيد الاقتصاد الى وضع لا يمكن بأي حال من الأحوال قبوله بعد اشتداد وتيرة الأزمة المالية وتداعياتها على الاقتصاد الكويتي.
مصادر استثمارية مطلعة قالت ان الازمة في اي اقتصاد تبدأ اذا زاد حجمها عن 10% من الناتج المحلي الاجمالي الذي فقد في البورصة ما يقارب 30 مليار دينار وهو يعني انخفاض الملاءة المالية للقطاعات المدرجة بالنسبة نفسها وهذا يعني ان الاقتصاد دخل الازمة وتعداها بمراحل عديدة.
وقالت مصادر اقتصادية ان الميزانية المقبلة ستُدخل الاقتصاد في تأزيم حقيقي، ففي الوقت الذي يعاني الاقتصاد فيه من مشكلة تمويل وانخفاض في قيم الاصول نجد الحكومة تقرر خفض الانفاق التنموي بينما رفعت فيه السعودية انفاقها الاستثماري بنسبة 30% ورصدت الامارات 42% للانفاق الاستثماري وهي ميزانية تعد الأضخم في تاريخها.
إذ هي ميزانية تأزيم تطرح العديد من المفارقات الملحوظة تتمثل في:
في الوقت الذي تسعى العديد من الدول العربية غير النفطية الى تدبير اموال لتمويل مشاريعها التنموية، نجد الحكومة تسير عكس التيار بإقرار ميزانية خلت من الدعم الحقيقي للمشروعات التنموية.
في الوقت الذي خصص فيه مشروع قانون الاستقرار المالي الباب الثاني لدعم القطاعات الاقتصادية ذات المردود الانتاجي، نجد الحكومة تعمل في جهة اخرى بعيدة
عما يحتاجه الاقتصاد في الفترة الأولى وتأجيل 50 مشروعا تنمويا، مع مخاطبة وزارة المالية لجميع الوزارات بضرورة خفض نفقاتها بنسبة 30% بسبب الأزمة المالية.
وقد قامت الحكومة بخفض الانفاق في الميزانية العامة للدولة لتمويل تكلفة مشروع الانقاذ الا ان المفارقة ان التكلفة تحولت من دعم القطاعات التنموية الى انقاذ قطاعات لا تمثل نسبة كبيرة في الناتج المحلي الاجمالي.
مصادر مطلعة ابدت تخوفها من ان الـ 1.2 مليار دينار المخصصة في الباب الرابع لقطاع الانشاءات لن يتم الاستفادة منها وانما سترحل لميزانية العام المقبل استنادا الى الخبرات السابقة في عمل الموازنات، ففي ميزانية 2003/2004 تم تخصيص 722 مليون دينار تم انفاق 569 مليونا وفي عام 2004/2005 تم تخصيص 825 مليونا انفق منها 678 مليونا فقط، بما نسبته 82%، كما تم اعتماد 930 مليونا للمشاريع الانشائية في ميزانية 2005/2006 اقتصر الانفاق الفعلي منها على 750 مليونا بنسبة 80%، وفي ميزانية 2006/2007 تم تخصيص 1261 مليون دينار انفق منها 989 مليونا بنسبة 78%.
أما الأمر الذي قد يؤدي الى حدوث مزيد من الأزمة فهو توقع العديد من المحليين النفطيين انخفاض النفط دون الـ 30 دولارا في المدى القصير اي خلال العام الحالي وهذا يعني ان الكويت ستمنى بعجز اكبر مما هو وارد في الميزانية في الوقت الذي تتدنى فيه إيرادات القطاعات غير النفطية نتيجة دخول الاقتصاد في نفق ركود حاد قد تطول مدته عن العامين.
مصادر اقتصادية قالت ان ميزانية العام الحالي تحمل في مضمون الموافقة عليها منطلقات سياسية وليست فنية، مشيرة الى ان تلك الميزانية في واقع الأمر هي شد رباط وخنق وزيادة ازمات وتسير بالبلد من سيئ الى أسوأ.
وأمام هذه الحزمة من الملاحظات في ميزانية العام المقبل لاتزال المشروعات التنموية هي الضمانة الحقيقية لإنجاح مشروع قانون الاستقرار المالي وهي التي تعد وفق خبراء صندوق النقد الدولي والمعنيين بحقل التنمية الاقتصادية ذات اهمية كبيرة تتمثل في:
-
تحريك الجمود في الدورة الاقتصادية الذي تخلفه الأزمات الاقتصادية عادة من خلال انتعاش الطلب وهو ما يعرف في الأدبيات الاقتصادية بـ «الوصفة الكنيزية» حيث قدر صندوق النقد الدولي معدلات النمو الاقتصادي العالمي في 2009 بـ 0.5% تقريبا وهو ما يعني ان زيادة الانفاق «لا تقليصه» هي وسيلة الخلاص من الأوضاع الراهنة المتأزمة حاليا.
-
تعزيز دور القطاع الخاص والمساهمة في تطوير الأداء الاقتصادي والاستماع الى «صرخات» المستثمرين بطرح اراض امام العقاريين وحل ازمة الشركات المتعثرة والسعي في تنفيذ المشروعات التنموية التي ملت من الإهمال.
-
المساهمة في توفير فرص العمل امام العمالة الوطنية وفتح آفاق واسعة للنمو الاقتصادي.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )