يستعد صناع السياسة الأميركية لمواجهة موجة من الشركات التي ستتخلى عن جنسيتها الأميركية خلال الأشهر القليلة المقبلة، ما يحرم الحكومة الاتحادية من مليارات الدولارات من عائدات الضرائب، ويؤجج الغضب الشعبي قبل انتخابات الكونغرس المزمع إجراؤها في 4 ديسمبر المقبل.
وبالفعل تقلق ظاهرة «الانعكاس الضريبي» الحكومة الأميركية إلى درجة دفعت الرئيس باراك أوباما إلى توعد الشركات التي ترتكبه بفرض ضرائب إضافية عليها، وفقا لصحيفة «الحياة».
والانعكاس الضريبي هو نوع من التهرب تشتري بموجبه شركة أميركية شركة أصغر منها في بلد ضرائبه أدنى من ضرائب الولايات المتحدة التي تبلغ 35% على الشركات، ثم تعلن الشركة الأميركية أن هويتها أصبحت غير أميركية وأن مقرها صار خارج البلاد، ما يعني أن أرباحها خاضعة لضرائب بلدها الجديد.
ومنذ منتصف 2013، مارست 15 شركة أميركية الانعكاس الضريبي، وكان آخرها وأكبرها شركة «ميدترونيكس» للأدوات الطبية التي أعلنت تحولها إلى شركة موطنها ايرلندا، حيث الضرائب على الشركات 12.5%، لكن تأكيد الإدارة الأميركية عزمها تفسير القانون الضريبي بطريقة تفرض ضرائب جديدة، جاء معاكسا لإعلان وزير الخزانة أن قدرة وزارته محدودة على وقف الانعكاس الضريبي الآخذ في الاتساع أو الحد منه.
ونظرا إلى شلل يقعد الكونغرس عن سن أي تشريع ضريبي جديد ثم دخول الكونغرس في عطلته الصيفية، اطمأنت الشركات إلى أنه لا إصلاح ضريبيا في الأفق، وعادت إلى الانعكاس الضريبي باعتبار أن الضريبة الأميركية على الشركات، وهي من الأعلى في العالم، مرتفعة جدا وتؤثر في إجمالي أرباحها.
وحسب التقارير، عمدت الشركات إلى إبقاء أرباحها التي تجنيها خارج الولايات المتحدة في مصارف أجنبية تفاديا للضرائب في حال إعادتها إلى الولايات المتحدة. ويقدر العاملون في وزارة الخزانة كمية الأموال التي تخزنها شركات أميركية خارج البلاد بتريليوني دولار.
وفي عهد الرئيس السابق جورج بوش حصلت الشركات على إعفاء ضريبي خاص لإعادة أموالها المكدسة في الخارج بحجة أن عودة الأموال تؤدي إلى خلق وظائف، لكن اقتصاديين عارضوا إعفاء جديدا في عهد أوباما، لافتين إلى أن العفو الأول لم يؤد إلى أي انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الأميركي، بل أثار سخط المواطنين الذين يدفعون ضرائب دخل فيما الشركات تتهرب منها.
ووصل الانقسام حول الضرائب على الشركات الأميركية ومصير أموالها المكدسة في الخارج إلى الكونغرس، حيث تطالب الغالبية الجمهورية بخفض الضرائب حتى تماثل ضرائب دول مثل ايرلندا فتحفز الحكومة رأس المال الأميركي على العودة، فيما يصر الديموقراطيون على جعل أي خفض ضريبي للشركات مرتبطا بسلة إصلاحية كاملة للقانون الضريبي، بما في ذلك إلغاء إعفاءات تستفيد منها شركات النفط.
وفي ظل الشلل التشريعي، وجدت الحكومة نفسها مضطرة إلى إعادة تفسير القانون الضريبي والتشريع بمراسيم تنفيذية لإقناع الشركات بأن استخدام الانعكاس الضريبي ستقابله زيادات في حقول أخرى، ما يلغي فوائده.
ومن الأساليب التي هددت الحكومة باستخدامها إلغاء إعفاء الشركات من الضرائب على الديون التي تحملها من عام إلى عام أو الإعفاءات الضريبية على فوائد قروض الشركات. ويبدو أن هذا التلويح هو السبب الذي أقنع بعض الشركات بالتخلي عن خطوتها.
والتخلي عن الجنسية الأميركية للتهرب من الضرائب ليس حكرا على الشركات، فمتمولون كثيرون تخلوا عن جوازاتهم الأميركية للسبب ذاته.
هذه التعقيدات الضريبية دفعت كثيرين إلى تقديم اقتراحات، من قبيل إلغاء الضرائب على الشركات الأميركية والأجنبية في شكل تام، مع فرض ضرائب على ما يجنيه المستثمرون وأصحاب أسهم هذه الشركات وفي شكل سنوي.
وتبلغ الضريبة على المستثمرين 10% على عائدات أموالهم، وهي أدنى من ضريبة الدخل على الفرد التي تبلغ 12%.
وفي الوقت الذي تدرس فيه وزارة الخزانة خياراتها، هناك دعوات الى جعل ظاهرة التحول أكثر صعوبة من حيث التنفيذ عن طريق طلب السيطرة على 50% من تحول الشركة الى الخارج بدلا من 20% من السيطرة الحالية.
منذ عشر سنوات مالت الشركات المتحولة الى الفرار نحو ملاجئ الضرائب المنخفضة مثل جزر كايمان. وفي هذه الأيام تميل الشركات الى الانتقال للعمل في أوروبا، حيث افتتحت كثير من الشركات أعمالها هناك بالفعل.
على خط موازٍ، يواجه عالم المال والأعمال حول العالم إرباكا منذ بداية العام لبدء تطبيق قانون «فاتكا» الذي أصبح ساريا ابتداء من أول يوليو الماضي. وسيطبق بشكل كلي بحلول مارس 2015.
ويلزم القانون الأميركي المصارف بالتبليغ مباشرة عن المكلفين بالضرائب، كما يفرض لائحة عقوبات على أي مصرف لا يلتزم ببنوده تصل إلى حرمانه اعتماد جهة مصرفية أو مالية أميركية لتقوم بدور تمثيله أو المراسلة أو حتى فتح حساب مصرفي له لدى المصارف الأميركية، وبالتالي يصبح غير قادر على إجراء مقاصة بالدولار الأميركي.
وقد وقعت الولايات المتحدة حتى الآن اتفاقات مع 40 دولة لتسهيل العملية البيروقراطية المعقدة، ووضع مواعيد محددة لبدء التطبيق التدريجي للقرار الذي ينص على متابعة أي شخص يحمل الجنسية الأميركية لدفع الضرائب للولايات المتحدة. كما توصلت وزارة الخزانة الأميركية إلى تفاهمات مبدئية مع 61 دولة أخرى للالتزام بالقانون الأميركي.
وبينما يعمل 7.3 ملايين أميركي خارج الولايات المتحدة، أظهرت البيانات الحكومية الأميركية أن 565 ألفا منهم فقط يدفعون ضرائب للخزانة الأميركية، بينما غالبهم يدفع ضرائب في مكان عمله وإقامته.
الإجراءات الجديدة لها تأثيرات مباشرة على أكثر من صعيد:
حاملو الجنسية الأميركية: تظهر الوثائق أنه بينما تخلى 3 آلاف من حاملي الجنسية الأميركية عن جنسياتهم العام الماضي (ثلاثة أضعاف عدد عام 2012)، تخلى 600 أميركي عن جنسياتهم بين مايو ويونيو الماضيين فقط. وتتوقع مصادر أميركية أن يصل عدد المتخلين عن الجنسية الأميركية إلى 4 آلاف هذا العام.
وفي وثائق أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية تخلى أميركيون يحملون ألقابا عربية مثل معلوف والنقيب عن جنسياتهم هذا الصيف، ولكن لم تكشف الوزارة عن الجنسيات المزدوجة الأكثر تخليا عن جنسياتها الأميركية.
التأثير على 77 ألف مصرف حول العالم عليها تقديم بيانات متكاملة حول من يحمل الجنسية الأميركية، أو هناك شكوك بأنه يحمل الجنسية الأميركية.
تأثير على الدول العربية من حيث الأميركيون العاملون في الشركات العربية ولديهم حسابات في مصارف عربية، أو العرب الحاملون جنسية مزدوجة.
وتكشف مصادر مصرفية في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي عن بدء عدد من المصارف بإجراءات الكشف عن بيانات حسابات العملاء من الأميركيين أو ممن يحملون الجنسية الأميركية، إضافة إلى جنسيتهم الأصلية، وذلك لتطبيق «فاتكا».
أما لبنان فكان من أولى الدول العربية في التعامل مع وزارة الخزانة الأميركية للتوصل إلى اتفاق ينظم تطبيق القانون الجديد.
ومنذ منتصف العام الحالي اكتملت جهوزية المصارف اللبنانية وشرعت في التزام قانون «فاتكا» على الأميركيين خارج بلدهم. وبالفعل أبرمت نحو مائة مؤسسة مصرفية ومالية وتأمينية اتفاقات مباشرة مع الدائرة المختصة في وزارة الخزانة الأميركية لتطبيق التعليمات الواردة في القانون (أدرجت أسماء المؤسسات المذكورة ضمن لائحة المؤسسات التي أبدت استعدادا للالتزام التي أصدرتها مصلحة الضرائب الأميركية).
«فاتكا» يثير حفيظة المسؤولين في البنوك العربية
حسب رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب د.جوزف طربيه، فقد أثار قانون «فاتكا» حفيظة وريبة المسؤولين في المصارف والمؤسسات المالية في دول عدة أوروبية وآسيوية وعربية، لعدة أسباب:
٭ كلفة تنفيذ القانون من الناحية المالية.
٭ مخالفة أحكام القانون السرية المصرفية المعمول بها في دول كثيرة.
٭ تساؤلات حول إمكانية تطبيقه، لاسيما في ظل عدم وضوح أحكامه بالكامل، والنقص في الموارد البشرية لدى بعض المصارف والمؤسسات المالية.
٭ يطرح القانون تحديات كبرى وصعوبات حقيقية للمؤسسات المالية والحكومات العربية، حيث تواجه المؤسسات المالية تحديات متشابكة منها الهيكلي والتنظيمي والقانوني والتجاري والمالي. ويحتاج كثير من المؤسسات المالية العربية، خاصة تلك التي تزاول أنشطة إقليمية ودولية، إلى إجراء تغييرات في أنظمتها وآلياتها لتتمكن من تطبيق القانون الجديد، كذلك الجهات الحكومية والجهات المشرفة على القطاع المالي.