قال تقرير شركة مجمعات الأسواق التجارية ان الحكومة تعمل حاليا على إعداد خطة تنموية خمسية كلفتها النظرية نحو 38 مليار دينار، وهذا يعني أن متوسط الإنفاق السنوي سيكون نحو 7.5 مليارات دينار، وهذه الخطة العتيدة هي تحديث لعدة خطط سابقة لم ير تنفيذها النور على النحو الذي أرادته الحكومات السابقة التي أعدتها ووعدت بتنفيذها.
وذكر تقرير مجمعات الأسواق أن العناوين العريضة لتلك الخطط كانت تنويع مصادر الدخل والاعتماد أكثر على القطاع الخاص في التنمية، وهي تشمل مشروعات للبنى التحتية الى جانب تطوير قطاعات الصحة والتعليم وإقامة المدن السكنية الجديدة، بالإضافة الى تحديث التشريعات المالية الاقتصادية، وغيرها من الاهداف التي تتكرر سنة بعد سنة منذ أكثر من عقدين من الزمن.
وناقش التقرير هذه الخطط بالشكل، وحاول القاء الضوء على أبرز المعوقات التي تحول دون تنفيذ ولو الجزء اليسير منها حيث أوضح قائلا «بداية لابد من الترحيب بخلق منصب حكومي جديد هو نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية الذي يتولاه الشيخ أحمد الفهد.
هذا المنصب كان مطلبا للقطاع الخاص بعدما تبين عمق المتاهات التي دخلها الشأن الاقتصادي بفعل المماحكات السياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على مدى السنوات الماضية.
وأشار التقرير الى أن المنصب الجديد يكتسب أهمية خاصة في ضوء عدد من المشكلات التي ظهرت سابقا وأبرزها الآتي: الخلاف على الأولويات، إذ ان الخطط الحكومية كانت، ومازالت للأسف، تتعاطى مع أدبيات وإنشاء أكثر من أي واقع عملي ملموس، فعند التنفيذ تجد الوزارات المعنية نفسها أمام زحمة من المطالبات الجارية التي تتقدم على ما عداها. وينشغل الوزير بالمشهد السياسي العام تاركا مشروعاته الحيوية تدور في روتين وبيروقراطية.
وذكر التقرير أن عدة وزارات تتشابك معها في الصلاحيات والادوار المناطة بكل جهة من هذه الجهات. وللمثال، فإن تخصيص الاراضي موزع بين وزارة المالية والبلدية كما ان لوزارة التجارة دورا في القسائم الصناعية على سبيل المثال، فضلا عن ادوار متناثرة هنا وهناك لجهات أخرى.
وأشار التقرير الى أن ثقافة سلبية سادت خلال عقد من الزمن مفادها أن أي مسؤول لا يرغب في أن يأخذ على عاتقه مسؤولية كاملة اذا تعلق الامر بمشروع فيه استخدام للمال العام أو لأملاك الدولة، فتتشكل اللجان لتقتل المواضيع درسا قانونيا حتى اختلطت الأمور في جانب كبير منها ناحية الرقابة لتصبح القاعدة هي الرقابة السابقة لا اللاحقة. وعلى هذا النحو حتى خاف كل مسؤول في أي موقع كان من حسم القضايا.
وقال التقرير إن زحمة الاستجوابات والاسئلة البرلمانية المشككة في كل كبيرة وصغيرة، في كل شاردة وواردة، الواقفة بالمرصاد لكل المسؤولين على قاعدة التصيد لا على أساس الاصلاح، وذلك بسبب حالة فقدان الثقة التي سادت بعد خطأ ما ارتكب هنا أو هناك، أصبح كل واحد يرى توزيع الثروة على طريقته غير عابئ بالخطط الحكومية التي تجر ذيول خيبتها بمرارة.
لذلك وغيره من الأسباب كان لابد من وزير فوق العادة (سوبر وزير اقتصادي) توكل اليه مهمة تذليل العقبات سالفة الذكر، كأن يتولى حمل الملفات بنفسه لتمريرها بالسرعة المطلوبة بين الوزارات حسما للتشابكات بالصلاحيات وقطعا لدابر البيروقراطية والروتين، وآخذا على عاتقه مواجهة المشككين اذا تحلى بالشفافية وارادة العمل والإنتاج وفقا للقوانين. لذا فإن منصب نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية هو في غاية الحساسية، فباستطاعة من يتولاه أن يسجل اسمه في تاريخ الكويت المعاصر ولأجيال قادمة.
بعد تلك المقدمة وقبل الدخول في صلب قضية تقريرنا هذا، لابد من ذكر بعض الحقائق المرة التي وصل اليها واقعنا الاقتصادي أولا: يعول القطاع الخاص على الإنفاق العام المستمر بكونه المورد الاول للأعمال على أنواعها مثل المقاولات وتوريد السلع والخدمات. لم يتنوع الاقتصاد حتى يخف الاعتماد على ذلك الانفاق العام. وكان المتوسط السنوي لذلك الانفاق منذ 2003 حتى 2008 نحو 1.2 مليار دينار علما أن احصاءات شبه رسمية تؤكد أن الانفاق الفعلي يقل عن ذلك المعلن في الميزانيات بنسبة 25% على ألأقل.
الإنفاق العام
وأضاف التقرير «لكن اذا دققنا عن قرب في أبواب ذلك الانفاق لوجدنا أن أكثر من 50% منه يذهب الى منشآت الكهرباء والماء للصيانة وتغيير روتيني في المنشآت، فضلا عن مبالغ تنفق على الاستملاكات. والحصيلة هي أن ما يسمى بالانفاق العام الاستثماري لا يبقى منه فعليا الا 300 الى 400 مليون دينار سنويا أي ربع المبلغ المرصود أساسا». وقد أكدت دراسات محلية وعالمية أن تلك الارقام هي الاقل على مستوى دول الخليج، لا بل هي لا تزيد كثيرا عن الانفاق العام في عدد كبير من الدول الفقيرة.
ثانيا، يعتمد الناتج في تكوين القيم المضافة أو ما يعرف بالتكوين الرأسمالي على الانفاق الخاص الى جانب العام. وكلما كان «الخاص» مرتفعا زادت تنافسية الاقتصاد، واذا كان لابد من مقارنة الكويت بالدول النفطية الأخرى، لاسيما التي ننتمي اليها في هذه المنطقة نجد أن القطاع الخاص المحلي قاصر عن ايجاد الفرص المناسبة والمتاحة أمامه ليسهم في عملية التنمية لأسباب عديدة ليس أقلها ندرة الاراضي وطول الإجراءات المستندبة وعدم انفتاح البلاد على الاستثمار الأجنبي كما الحال في السعودية والامارات والبحرين وقطر وعمان.
الى ذلك، لم تنجح أي خطة من خطط الحكومة في دفع مشروع التنويع القطاعي قدما، لا بل تراجعت في ذلك خلال السنوات الثلاث الماضية لأسباب عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الحكم بما يشبه الاعدام على تجربة طرح المشاريع بنظام الـ b.o.t. فبعد الغاء العمل بالنظام القديم للبناء والتشغيل ثم التحويل دخلنا في متاهات القانون الجديد الذي أتى أشبه بالمقصلة هو الآخر منذ ذلك الحين وإسهامات القطاع الخاص في التنمية تتقهقر.
وتشير بعض الإحصاءات الى أن الاستثمار الخاص في مشروعات استثمارية تنموية وقطاعات إنتاجية تراجع بما نسبته 60% منذ 2006 ليبلغ متوسطه السنوي أقل من 195 مليون دينار بدليل أن التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص التي زاد رصيدها 10 مليارات دينار في 3 الى 4 سنوات ذهبت بنسبة 85% منها الى القروض الاستهلاكية والسكنية وتمويل المتاجرة بالأسهم والمضاربة بالعقارات وفي رؤوس أموال عشرات الشركات التي تعثر معظمها عند أول هبوب لرياح الازمة المالية فضلا عن تسرب أموال الى الخارج بحثا عن فرص مالية وعقارية.
ثالثا، اذا جمعنا الانفاق العام الاستثماري والتنموي الى ذلك الانفاق الخاص المماثل لكان المتوسط السنوي في السنوات القليلة الماضية نحو 600 مليون دينار فقط أي نحو 3% من إجمالي الناتج مقابل متوسط خليجي عام بلغ أكثر من 16%. فالمتوسط الخليجي أكبر 5 مرات من المتوسط الكويتي علما ان المقدرات الكويتية تأتي في المرتبة الثانية بعد السعودية.
ان اطلاق صندوق لمشاريع الـb.o.t يعتبر خشبة خلاص يجد فيها المال العام حاصله اذا كانت النظرة بعيدة المدى، ولتكن للإفادة منه وفق معايير تنموية أولا من وحي كل خطط الحكومة التي تكررها عاما بعد عام شعارات حتى كادت تفقد كل معانيها.
ان صندوقا كهذا يشبه مصرفا متخصصا يدار بعقلية القطاع الخاص بأهداف ربحية لكن للمديين المتوسط والطويل ويمكن من خلاله تحفيز اي مساهم يريد عائدا ثابتا على غرار صناديق الدخل الثابت التي تدر عوائد تزيد قليلا او تساوي الفوائد المصرفية.
الصندوق الكويتي
وخلص التقرير الى ان تجربة الصندوق الكويتي للتنمية أو الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية افضل النماذج الناجحة في هذا المضمار، متسائلا لماذا نقبل عمل تلك الصناديق على أنها أدوات تنموية للخارج ولا نقبل مثلها في الداخل؟ تلك الصناديق مستمرة منذ عشرات السنوات بفضل سياسات جعلت منها علامة مضيئة للكويت ودول الخليج الأخرى.
وهي الآن، لا بل منذ سنوات طويلة، لا تشكل أي عبء مالي على الدولة أو الدول المساهمة فيها، بل هي تمول نفسها بنفسها وتكونت لديها ودائع واستثمارات علما أن معظم رساميلها وظفت في مشاريع تنموية بقروض تصل الى 10 و15 و20 سنة وبفوائد تقل عن اسعار السوق بنسبة 50% على الأقل.
لماذا لا نستنسخ صندوقا كهذا لمشاريع التنمية في الكويت الا اذا كنا مستمرين في الاعتقاد أننا لسنا كتلك الدول الفقيرة التي احتاجت خدماتنا يوما أو تحتاجها اليوم، الواقع خلاف ذلك في أحيان كثيرة.. فها هو لبنان المستفيد بنسبة تصل الى 36% في مشروع اعماره من أموال الصناديق العربية والدولية بات يتمتع ببنية تحتية تضاهي تلك التي في بلدان نفطية كبيرة، القضية تستحق عناء التجربة، ولا نريد ان نعتقد انه لا حياة لمن تنادي هذه المرة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )