أشار التقرير الاقتصادي الاسبوعي الصادر عن شركة الشال للاستشارات الاقتصادية الى ان استمرار الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه يعني حتمية الولوج في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي خلال السنوات الـ 5 الى الـ 8 المقبلة.
جاء ذلك في معرض تعليق التقرير على رؤية رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وفريقه عن «الكويت في 2030» حيث أوضح التقرير انه لا يملك سوى الاشادة برؤية «بلير» وفريقه، فالفريق الاستشاري قد قابل كل من لهم صلة بالشأن العام للكويت، وكتب توصيفا حقيقيا للوضع، ووضع ملامح صحيحة لسبل الخروج من الواقع المأزق، فهو، من جانب، يعتقد ان استمرار الأمور على المنوال ذاته يعني حتمية ولوج الكويت في حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي خلال السنوات الـ 5 الى الـ 8 المقبلة.
ومن جانب آخر، يؤمن بأن إمكانيات الكويت المالية ومواردها وقدرات البشر فيها وتاريخها المضيء وموقعها الجغرافي المتميز، اصول قادرة على صناعة بلد متفوق، وربما شديد التفوق، وهي الصفة التي لازمت بدايات بناء الكويت الدولة. ما هو غير جديد في رؤية الفريق، ان خيار النقيضين، مع بعض الاختلاف في المحتوى، هو خلاصة الدراسات والخطط التي مولتها الحكومة كلها وهو خلاصة تقارير اللجان والمجالس المختصة التي شكلتها الحكومة مثل لجان تصحيح المسار ومجالس التنمية والتخطيط.
وفي تحليله لواقع حقل الألغام الحالي، او ما أسماه بالقنابل الموقوتة، يتكلم التقرير عن احتمال ان يصل سكان الكويت الى الضعف بحلول عام 2030 اي الى اكثر من 7 ملايين نسمة، وقد ذكرنا في تقريرنا السابق ان سكان الكويت قد تضاعفوا اكثر من 17 ضعفا، ما بين عام 1957 وعام 2008، وان الحكومة توظف نحو 80% من قوة العمل المحلية في القطاع العام برواتب عالية وظروف عمل مريحة وهو امر لا يمكن له الاستمرار، او لغم السكان والعمالة، يأتي بعدها لغم الإنفاق العام المتنامي والذي تضاعف 3 مرات في 10 سنوات، والذي ستعجز الإيرادات العامة عن تغطيته في فترة الـ 5 الى 8 سنوات بما يضطر الكويت الى استهلاك احتياطاتها المالية والتهديد بالتقادم العلمي والبيئي للنفط او الوقود الاحفوري، حتى قبل انتهائه فعليا، بما يزيد هامش المخاطرة بالاعتماد عليه او استقرار اسعاره بينما كان رهان البلد عليه ولا شيء غيره، كان اللغم الثالث ثم لغم الخدمات التعليمية والصحية التي ينفق عليها اكثر مما ينفق في اوروبا ولكن مخرجاتها رديئة، وفي التعليم هناك ظاهرة الشهادات الدراسية المضروبة وبعض حامليها يمارسون تعليم ما عداهم وفي الصحة تبدو المعادلة مقلوبة اذ يتفوق الاداريون على ضعف عدد الفنيين من اجل توفير الوظيفة، لذلك ولأسباب اخرى، يتكالب المواطنون على العلاج في اوروبا، الاقل انفاقا، واخيرا لغم الفساد، وهو اول واسهل اختبار، فالقضايا واضحة، وكل الحاجة هي الى تقديم اسم معروف للمحاكمة ونيله العقاب سواء في قضايا الاتجار بالبشر او سرقات المقاولات او الاستثمارات وغيرها.
وتقترح خطة الدراسة 5 ركائز للخروج من المأزق مباشرة الى التفوق، وهي احياء تراث الكويت القائم على المبادرة باستغلال كل مناحي القوة في الاقتصاد وموارده، مرورا بالتنمية البشرية وثقافة التسامح وتعزيز التعاون الاقليمي ودون تحفظ حتى الامني مع العراق وايران، وهو توجه صحيح وصادر عن توني بلير بعد ان ترك رئاسة الوزارة البريطانية، واهم الركائز بناء نظام سياسي ديموقراطي فعال، بحكومة مهنية وقوية ومجلس امة مسؤول وفعال.
وفي مقابلة في الشال مع فريق بلير وبعد عرض الفريق لملخص الدراسة في شهر ابريل الفائت كان آخر الاسئلة من الفريق الاستشاري حول ماهية النصح الذي يقدمه بلير عندما يقابل كبار المسؤولين وكان اقتراحنا للفريق هو تقديم نصيحتين، الأولى حسم طريقنا مرة والى الابد في الاحترام الشديد لدولة القانون، والتوقف وربما تجريم اي حديث لأي توجه غير دستوري، وسردنا حينها تجارب العالم التي اصابت او اخطأت في الخيار، منذ تجربة بريطانيا قبل اكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، والثانية هي ضرورة تغيير المبدأ في اختيار مجلس إدارة او مجلس وزرائها وثلثا الاقتصاد قطاع عام، من مبدأ مكافأة الفرد ايا كان بالمنصب، الى مبدأ مكافأة البلد بالفرد القادر وحينها ستتحقق الركائز الاربع الاخرى لصناعة بلد متفوق بزمن قياسي، ولكن من دونها ستضاف رؤية بلير وفريقه الى خزين من الدراسات الجيدة على ارفف حكومة لا تستطيع تسويقها لأنها لا تعي اهميتها، وفي الختام نحن نعتقد ان الجهد والمحتوى لتقرير بلير وفريقه يستحقان كل فلس انفق عليهما، ولعل اهم ما في محتواه انه توصيف صادق يسمي المخارج ولا تنقصه الجرأة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )