- التعرف على مطالب وقوى التغيير وإدارتها لصالح المؤسسات المالية يمثل ضرورة لتحقيق البقاء
- زعماء العالم أقروا بأن مشكلة الفقر أصبحت مذلة للفقراء ومهينة للنظام الاقتصادي السائد
عاطف رمضان
أكد أستاذ الاقتصاد الإسلامي المستشار باللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالديوان الأميري د.عبدالحميد البعلي
لـ «الأنباء» أن المؤسسات المالية الإسلامية تواجه حاليا بظروف وقوي تفرض إعادة الهيكلة سواء كان ذلك يأتي من التغييرات التي تحدث على المستوى الدولي أو على المستوى الاقليمي أو على مستوى الصناعة أو بالنسبة للمؤسسات نفسها، كما تتجه دول العالم إلى التكتل كالاتجاه إلى الوحدة والاندماج بين دول السوق الأوربية المشتركة واتجاه دول أميركا الشمالية الثلاث (الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك) لإقامة سوق حرة بينها واتجاه دول جنوب شرق آسيا (اندونيسيا ـ ماليزيا ـ بروناي ـ سنغافورة ـ الفلبين ـ تايلند) الى الاندماج خلال خمس عشرة سنة.
وأضاف د.البعلي أن التغيرات في القوي التكنولوجية تتميز بالتطور الفائق السرعة في المنتجات والأجهزة والمعدات وما هو أهم من نظم المعلومات والاتصالات والحاسبات الآلية والأنظمة المكتبية الحديثة.
وتطرق د.البعلي إلى التغيرات في البيئة الاجتماعية في نظم القيم والاتجاهات ومستوى التعليم قائلا: كما تأتي قوى التغيير من الخارج قد تأتي من داخل المؤسسات وتتمثل في تلك الإشارات والمؤشرات التحذيرية التي تنذر بأن إعادة الهيكلة أمر حتمي وضروري قبل ارتفاع التكاليف وانخفاض النصيب في السوق وضعف الأداء.
المناخ التنظيمي
وأشار إلى ظهور خصائص المناخ التنظيمي السيئ التي تؤثر على فاعلية المؤسسات المالية كالمركزية ومقاومة التغيير إلى جانب عدم وضوح الأولويات والدخول في مجالات أعمال لا تملك الإدارة الخبرة اللازمة في إدارتها أو السيطرة عليها وضعف الثقة بين أعضاء التنظيم وازدياد الصراع التنظيمي ونقص الكفاءات الإدارية وانخفاض النصيب في السوق والتركيز على التخطيط قصير الأجل والافتقار إلى روح الولاء والانتماء للمؤسسة المالية وضعف أو انعدام روح الابتكار وسوء استخدام الموارد المتاحة وضعف الرقابة المالية والداخلية.
ولفت د.البعلي إلى أنه ينعكس كل ذلك سلبا علي كفاءة المؤسسة المالية وربحيتها مما قد يهدد بقاءها واستمراريتها.
وبين أنه أصبح التعرف على مطالب وقوى التغيير الخارجية والداخلية وإدارتها لصالح المؤسسات المالية يمثل ضرورة حتمية لتحقيق البقاء والقدرة على المنافسة والنمو وأكثر من ذلك تحقيق التميز والابتكار والارتقاء بمستوى الأداء على مستوى المؤسسة المالية ذاتها والمجتمع أيضا.
العولمة والاقتصاد
وفي الإطار ذاته قال د. البعلي نحن الآن في عالم تتجاذبه أيدلوجيتان شهيرتان «العولمة الأوروبية والأميركية والعالمية الإسلامية» وما أحوجنا أكثر من أي وقت مضى إلى إعداد إستراتيجية متكاملة الأبعاد متناسقة التخطيط تستهدف عقل الإنسان بالفكر السليم والمعلومات الصحيحة وتستطيع أن تحقق الخير والخيرية للناس أجمعين وتستطيع أن تحقق ايضا خير المال وتجنب فتنته ومن ثم تحقق الخيرية للناس.
واستطرد متسائلا : هل نملك المعطيات الفكرية والآليات العملية والقدرات والإمكانيات الواقعية التي تمكننا من أن نقدم للناس في العالمين نموذجا يعول كل الناس ويحقق الخير والخيرية لهم؟
وأجاب قائلا: نعم نحن نملك كل ذلك ولكن: فرق بين الملك، واستعمال هذا الملك فالإحصائيات والبيانات تؤكد أننا نملك: (المعطيات الفكرية – والآليات العملية – والقدرات والإمكانيات المادية الواقعية) وبهذا وذاك وتلك تستطيع عالمية الإسلام أن تستوعب منجزات العولمة وحسناتها وأن تصوبها فيما تخطئ فيه.
وأوضح د.البعلي أن من أهم ما تخطئ فيه العولمة ما أثبته تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية في آخر عام 1999م حيث أثبت مخاطر العولمة والتي من أهمها، تهديدات السلم والأمن البشريين بما يشمله ذلك من تهديد الأمن الاقتصادي الذي هو هدف النظام الاقتصادي في الإسلام ومضاعفة احتمالات خلق أجواء التوتر والعنف بين الدول وإلى جانب خطر محو الثقافات الهامشية والهوية الحضارية للشعوب.
وأفاد د. البعلي بأن من أهم ما تهديه عالمية الإسلام للعولمة والعالمين إذا فقهوا أمورا متعددة تتمثل في المؤسسات المالية والمصرفية والاستثمارية الإسلامية وما تشتمل عليه من مؤسسات التأمين «التعاوني التكافلي»، مشيرا إلى أن هذه المؤسسات أعظم إنجاز حضاري قدمه الفكر الشرعي للبشرية في القرن العشرين وحتى الآن، وأن هذه المؤسسات تعمل وفق منهج متكامل في مصادره ووسائله ومقاصده، وتنبثق من نظام اقتصادي أثبت كفاءته في عمق التاريخ الإسلامي وكفالته لكل الناس، فعلى رأس المائة الأولى للنظام الإسلامي وبالتحديد في عصر الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز كانوا يبحثون في جنبات الدولة المترامية الأطراف في الشام وأفريقيا عن فقراء يأخذون الصدقة، فلا يجدون وفاض المال في بيت مال المسلمين، والفقراء هم كما جاء في الحديث النبوي الصحيح:
«ولكن المسكين الذي لا يجد غنيا يغنيه ولا يفطن إليه فيتصدق عليه».
وعن علي رضي الله عنه قال: «ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم» .
وزاد د.البعلي: أقول ذلك في ظل إقرار زعماء العالم في الاحتفال بالألفية الثالثة في الأمم المتحدة بأن مشكلة الفقر أصبحت «مذلة ومهينة».
وأقول: مذلة للفقراء مهينة للنظام الاقتصادي السائد، لذلك لا ندهش حين نجد أعتى البنوك العالمية الكبرى تنشد «المصرفية الإسلامية» وتمارسها كما نجد أكبر الاقتصادات المعاصرة تعدل قانون المصارف لديها بما يتماشى مع معطيات المصرفية الإسلامية.
ولفت د.البعلي إلى أن عالمية الإسلام تهدي للعولمة إصلاحات هيكلية تقوم على الالتزام بالقيم والمبادئ الاعتقادية والأخلاقية والاقتصادية وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: «وقاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعادات كما هي معتبرة في التقربات والعبادات».
وبين د.البعلي أن هذه الأمور تجعل من هذا النظام الاقتصادي ومؤسساته ضرورة ملحة لتلبية حاجة المجتمعات المعاصرة وتحقيق الأمن بكل أنواعه.
الإسلام والاقتصاد
وتهدي عالمية الإسلام للعولمة أيضا النظرية المتكاملة للتكافل ومؤسساته في الشريعة الإسلامية باعتبارها قائمة على جلب المنافع ودفع المضار بما معناه في التأمين التكافلي حيث تحمل تبعة الخطر المؤمن منه (ابتداء وانتهاء) بكل وسائل التكافل الواجبة والمندوبة ونموذجها الواجب والفريضة يتمثل في الزكاة كضرورة من ضرورات المجتمع الإسلامي ولها من الوسائل العملية ما يحقق أهدافها مالا يدخل تحت حصر.
وذكر د.البعلي أن معظم ما قدمه الفكر الإسلامي الشرعي للإنسانية خلال القرن الـ 20 من إنجاز هو(المصارف الشاملة) والمؤسسات المالية والاستثمارية وفق آليات جديدة ما جعل أعظم الاقتصادات القائمة يعدل قانون البنوك لديه ويستبدل قانون جرام ليتش لعام 1999 بقانون جلاس ستيجال لعام 1933. في الولايات المتحدة الأميركية.
وجعل أوروبا تفكر في إعادة النظر في سياسة سعر الفائدة كآلية يقوم عليها النشاط المصرفي ومن ثم الاقتصادي. ونوه د.البعلي إلى أن لكل فكر منطلقاته فالفكر الوضعي له منطلقاته. والفكر الشرعي الإسلامي له منطلقاته وإن تلاقيا في بعض النتائج فإن هذه الحقيقة يجب ألا تغيب. وأوضح أن كل ذلك جعل من المؤسسات المالية الإسلامية مطلبا شرعيا يعلو فوق الشبهات وتسانده الاجتهادات الفقهية وان تعايش مع المصارف والمؤسسات المالية والاستثمارية الإسلامية الأخرى ما يستوجب دائما التجديد والنظر في إعادة الهيكلة لمزيد من التميز ولتلافي حالات الانخفاض التنظيمي والمشكلات الأخرى إن وجدت.
وذكر أن التشريعات خلت تقريبا من تنظيم عمليات التكامل بل حتى التعاون بين المؤسسات المالية الإسلامية التي تنظم أعمالها وهو مطلب موضوعي عملي ملح تفرضه متطلبات مواجهة مشكلات الواقع كما أن هذه التشريعات لم تتطرق إلى أحكام الاندماج بين هذه المؤسسات بما يجنبها الفشل أو الإخفاق.
وأضاف د.البعلي أنه لم تتضمن معظم التشريعات النص على إصدار اللوائح الداخلية للمؤسسات وما يجب أن تشتمل عليه من أساسيات الأخلاق المهنية الإسلامية بما يضمن التعبير تعبيرا صحيحا عن حقيقة الأخلاق المهنية في ممارسة الأعمال المصرفية.
إعادة هيكلة المؤسسات وتنظيمها
إعادة الهيكلة تعني طريقة منهجية علمية تحليلية للوصول إلى مؤسسة كفؤة قادرة على تقديم خدماتها بكفاءة وفاعلية وتطوير هياكل تنظيمية واضحة تتسم بالبساطة والشفافية وتوائم مهام المؤسسة وأغراضها مع التخصصات الموجودة مع الأخذ في الاعتبار حجم الموارد المالية والبشرية ومدى القدرة على تنفيذ المهام بكفاءة وفاعلية عاليتين.
فإعادة الهيكلة إحدى الآليات التي تنتهجها المؤسسات المالية في ظروف التميز وظروف «الانخفاض التنظيمي» على السواء.
وتأتي عملية إعادة الهيكلة في إطار المحددات التالية:
تعزيز مفهوم اللامركزية.
تبسيط الإجراءات وآليات عمل تتسم بالبساطة والشفافية.
ترك هامش حرية ضمن ضوابط قانونية وإدارية للتنفيذ للمستويات التنفيذية.
تطوير قاعدة بيانات متجددة.
بيان المنهجية المتبعة في توزيع المهام والمسؤوليات.
التشريعات والقوانين المعمول بها والتي قد تحول دون سير المهام بسهولة.
إعادة توزيع واستغلال الموارد البشرية المتاحة وتوجيهها نحو الأعمال المطلوبة وتوفير التدريب المناسب لها. وذلك كله بناء على أسس الجدارة والاستحقاق الوظيفي.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )