- الكويت آخر دولة في العالم تنشئ هيئة سوق المال.. والعقار أصيب «بنكسة» قبل بداية الأزمة نتيجة القوانين التي صدرت وقيدت حركته
استبعد رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب في شركة «مجموعة الاوراق المالية» علي الموسى عودة الامور الى نصابها لبعض الشركات في امكانية ثباتها وتجاوزها الازمة المالية التي تسببت في مضاعفة خسائرها وعدم قدرتها على سداد مديونياتها والتزاماتها للبنوك، لاسيما تلك الشركات التي قامت بعمليات توسع كبيرة دون ضمان الهيكل التمويلي، وشدد في حوار خاص لجريدة «مكان» في عددها الصادر اليوم على ضرورة تواجد فريق اقتصادي حكومي قادر على التعامل مع الاوضاع الاقتصادية وتجاوز ازماتها، عبر قرارات داعمة ومحفزة لعودة القطاع الخاص الى سابق عهده في النشاط، بمساعدة الانفاق الحكومي على المشاريع التنموية والاستثمارية، واكد الموسى ان قانون «الاستقرار المالي» لن يساهم في حل المشاكل الاقتصادية للشركات بقدر ما هو صمام امان للبنوك والمؤسسات المالية، مما يتطلب ضرورة توافر حزمة اقتصادية متكاملة، لسد ثغرات تبعات الازمة المالية بجميع جوانبها والتي تعتمد في احدى اهم ركائزها على الانفاق الحكومي في ضمان توافر السيولة عبر تلك المشاريع وفتح قنوات فرص الاستثمار والمشاريع، قياسا بمحدوديتها حاليا.
وأوضح الموسى ان الوضع العام الحالي تسوده حالة من الضبابية وعدم وضوح الرؤى، وذلك لعدم وجود مشروع وطني عام يشمل جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوقوف على ماذا يعارض المعارضون وعلى ماذا يؤيد المؤيدون، بخلاف ما ينتج حاليا دون معرفة لكلا الطرفين. فما نراه حاليا اقرب الى صراع المصالح، فالطرح بشكل عام طرح فئوي، كل يحاول ان يجذب المصلحة للجانب الذي ينتمي اليه، ويدافع بكل حمية لمصالحه، وليس هناك من يدافع بنفس الحمية والحماس عن قضايا الشعب الكويتي أو التنمية والتطوير الكامل لشتى المرافق.
وأضاف الموسى قائلا: من هذا المنظار بدأ التشرذم والانقسام غير المبررين لمجتمع صغير يطمح الى ان يكون اكثر تماسكا في بلد مازال يزخر بالخيرات التي تكفي ليس فقط مليون نسمة، بل كل المقيمين على ارضه، وتمتد يد الخير الى خارج حدوده.
مرحلة مفصلية
وبين الموسى ان الكويت تمر بمرحلة مفصلية من الناحيتين السياسية والاقتصادية، فانتخابات مجلس الامة لعام 2009 وافرازاتها ضمنت نقطة تحول، على الرغم من نظرة الاحباط والتشاؤم التي بدأ الكثيرون يشعرون بها ويتلمسونها من الناخب الكويتي والشارع السياسي بشكل عام.
ولكننا في نفس الوقت لا نستطيع ان ننسى تجربة الحاضر والماضي القريب، ولا نملك الا التمني أن يكون مجلس 2009 افضل من المجالس السابقة، والا فإن الخسارة ستكون جسيمة على الجميع.
وعن الوضع الاقتصادي بشكل عام، قال الموسى: ما لم يتم اعداد مشروع وطني، خصوصا في جانبه الاقتصادي، فستستمر الازمات الاقتصادية وتنتقل من جانب الى آخر، وتتشتت الجهود وستتجه غالبية الامكانيات والمصادر الى الخارج بدلا من ان تستثمر في الداخل، والدليل على ذلك المشكلة المالية التي يعاني منها الكثير من الشركات وتتمثل في محورين احدهما تواجد الكثير من الاصول والمشاريع خارج السوق المحلية، بالاضافة الى عمليات التمويل التي تم الحصول عليها من الخارج ايضا، ما جعل الازمة المالية تتفاقم في فحواها، لاسيما بعد ان قامت احدى شركات تصنيف المخاطر السيادية بمراجعة تقييم المخاطر الناتجة عن الازمة بسبب عدم الاستقرار «السياسي»، فضلا عن ان تخفيضا في عملية التصنيف قد يصيب بالدرجة الاولى التعاملات في العملات الاجنبية، وقد يكون الاثر هامشيا، الا انه يبقى موقفا سلبيا لا نتمنى وجوده في ظل الكم الكبير من الاصول الاجنبية المملوكة في الكويت في جانبيها الرسمي والاهلي، الامر الذي يتطلب ضرورة توافر المشروع الوطني لعملية الاصلاح الاقتصادي بجميع مكوناته العملية والفعلية، وعودة برنامج التخصيص للكثير من المرافق والخدمات التي بلغت مستويات دون الطموح، مثال على ذلك الصحة والتعليم والاسكان، وايضا اشراك القطاع الخاص في استغلال طاقاته وامكانياته في تطوير تلك المرافق وغيرها وفق اسس عملية استثمارية تحقق الارتقاء بمستوى الخدمات.
«الاستقرار» وسد الثغرات
وذكر ان الازمة المالية بحاجة الى حزمة قوانين وليس قانونا واحدا، خصوصا ان القانون معني بالدرجة الاولى بالقطاع المصرفي والمالي، ومساهمته في الجانب الاقتصادي الكلي في تشجيع البنوك على الاقراض فيما يعني ضرورة توافر حزمة اقتصادية متكاملة احدى اهم ركائزها الانفاق الاستثماري العام وتشجيع الخاص «القطاع الخاص» من خلال فتح الفرص والمجالات أمامه، وتشجيع انشاء المشاريع الصغيرة وخصوصا بالنسبة للشباب، فضلا عن اعادة هيكلة بعض الانظمة المالية مثل تأسيس شركات الاستثمار والرقابة عليها، وما ينبغي ان تتمتع به في جانب استقطاب الاستثمارات والمدخرات، جميع الامور المذكورة من شأنها ان تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد ومواكبة الركب العالمي والتطور.
وعن واقع الشركات الاستثمارية قال الموسى ان شركات الاستثمار باتت في وضع صعب لا تحسد عليه، لاسيما بعد نضوب مصادر التمويل، التي تعتبر مصدر عيشها الوحيد. وهذا الوضع ليس مقتصرا على الشركات الاستثمارية داخل الكويت، وانما ايضا خارجها، ويكاد يكون هذا الواقع الذي تعيشه هذه الشركات واحدا، انما تختلف درجات التمويل من شركة الى اخرى والتي يعتمد معظمها على مصادر تمويل خارجية كلما كان الوضع اكثر دقة واكثر حرجا، لان مصادر التمويل الخارجية عادة ما تكون علاقتها صعبة بمعنى انه حين يأتي موعد سداد الالتزام يتوقعون ان الاموال تأتيهم ليس باليوم، لكن بالثانية، وهذا الامر سائد في جميع بلدان العالم وليس في الكويت فحسب، وهذا يدخل في اطار حجم الانكشاف والحجم منسوب الى حقوق المساهمين في الشركة، وهناك الكثير من شركات الاستثمار لديها اصول جيدة، بل ربما تكون ممتازة الا انها صعبة التسييل، واصعب انواع الاصول تسييلا هي الاصول العقارية، فالعقار من الصعب جدا تسييله حتى في الظروف الاعتيادية، فكيف في ظل الوضع الحالي، وهذه اصول مدفوع فيها قيمة وهي من اصول الشركة وفي نفس الوقت عليها ديون حل موعدها وبالتالي لابد من سدادها وهنا تصبح القضية قضية سيولة وليست قضية ملاءة، وايضا هناك شركات خصمت سيولة حادة لكن تبيع لشركات مليئة، ذلك لان صافي اصولها اكثر من صافي مديونياتها.
وعن امكانية استيعاب السوق شركات استثمارية واسلامية جديدة قال الموسى ان الادوات الاستثمارية الاسلامية أمر مطلوب لشرائح كبيرة من المساهمين والمستثمرين الراغبين في جدوى ذلك العمل وضمان ايراداته وعوائده فضلا عن ان اصول العمل الاقتصادي تتطلب توافر مختلف الادوات الاستثمارية. واشار الموسى الى انه من الصعب تشبيه عمل الشركات الاستثمارية المدرجة في المؤسسات المالية والمصرفية بالبنوك باستثناء شركة واحدة فقط وهي «الكويتية للاستثمار» اما بقية الشركات فهي غير مطابقة لعمل النظام المصرفي الاستثماري وذلك للقيود المفروضة عليها والضوابط المعمول بها، فضلا عن ان مجال التحرك للشركات الاستثمارية لا يصنفها بمجال البنوك الاستثمارية لاختلاف الكثير من المعايير والمتطلبات ليس في الجانب العملي وانما المهني ايضا، والمطلوب من الدولة اعادة هيكلة القطاع الاستثماري برمته للحد من المشاكل والعراقيل التي واجهها القطاع.
بقاء وخروج
وعن خروج بعض الشركات من السوق بتأثير مباشر من الأزمة قال الموسى انه ليس هناك مهرب، حيث توجد شركات تملك مقومات الاستمرارية واخرى ستسقط في نهاية الأمر وتخرج من السوق خاصة ان المشكلة المالية اعمق مما يبدو على السطح، والغالبية منها مرتبطة بأمر في علم الغيب في توقع عودة الامور الى ما كانت عليه في سابق العهد اي قبل الازمة، وكما كانت عليه في نهاية 2007، ما يجعل هناك صعوبة في التنبؤ بذلك وقد تتحسن الامور بشكل ملحوظ الا انها من المؤكد ان تعود الى ما يحلم به الكثيرون في تخطي ازمتهم المالية من حيث وفرة الائتمان وسهولة الحصول عليه واقبال المستثمرين على «فروخ الشركات» وقياسا بارتفاع قيم الاصول سابقا وخلال فترات وجيزة بمعدلات مضاعفة عما هي عليه الان، والى ان نصل الى تلك المرحلة المنتظرة كيف ستواجه الشركات المتعثرة متطلبات الوفاء بالتزاماتها المالية للجهات المقرضة، وكيف ستحقق عائدا منطقيا لمساهميها سواء نقد او بارتفاع اسعار اسهمهم بالسوق والاقبال عليها.
أسباب التفاقم
وعن الاسباب الرئيسية في تفاقم أزمة الشركات قال الموسى ان انهيار سوق الائتمان ساهم في ازمات الشركات الاستثمارية خصوصا ان قسما منها قام بعمليات توسع كبيرة دون هيكل تمويلي قوي، بالاضافة الى لجوء البعض منها الى ما يمكن ان نسميه بـ «آداب اساليب المحاسبة الخلاقة والمبتكرة» فضلا عن غياب الحكومة الصالحة، وغياب الدور الرقابي ومستويات الادارة وضوابطها الداخلية، وانهيار بعض الاشتراطات لادارة المخاطر والتحوط، وعدم مهنية البعض في تلك الادارة، جميعها امور ساهمت في تفاقم حجم الازمة المالية لبعض الشركات وتأثير ذلك على القطاع بشكل مباشر من تداعياتها.
قدرة السوق
وذكر الموسى ان البيئة الاستثمارية ليست مواتية في سوق الاوراق المالية ولا حتى في العقار، والحقيقة ان العقار اصيب «بنكسة» قبل بداية الازمة نتيجة القوانين التي صدرت وقيدت الرهن العقاري في السكن الخاص قبل قوانين 7 و8 و9 بالاضافة الى الـ «b.o.t»، واجمالا فإن مجموعة من التنظيمات الحكومية ترتب عليها تقييد حركة النشاط العقاري عالميا، والناس باتت لا تأمن على فلوسها الا اذا كانت تحت «الوسادة» او «البلاطة».
اما عن انخفاض اسعار الايجارات السكنية، فطبعا الايجارات والاستثمار العقاري ليس فيهما نفس المرونة الموجودة في قطاعات اخرى، وبالتأكيد ستنخفض الايجارات لكن كيف، وهناك ايجارات منخفضة واخرى مبالغ فيها، وانخفاض قيمته نظرا لعدم تسييله.
وعن رأيه في اندماج الشركات والبنوك هل هو علاج للازمة الحالية؟ قال الموسى قد يكون ضروريا للبعض، لكن بالتأكيد ليس علاجا وحلا، انما الاندماج يعني تخفيف الاعباء بمعنى لو تم اندماج شركتين او ثلاث، فإنه يتم تخفيض الاعباء الكثيرة الواقعة على كاهل كل شركة عن طريق دمج الجهود والاجهزة، كما ان الدمج يترتب عليه خفض العمالة ايضا واعادة النظر في الاستثمارات، واؤكد ان هذا اجراء ينبغي النظر فيه دائما وليس في هذه الازمة فقط، وهذا لا يمنعنا من ان نقول ان الاندماج إلزامي وهو ما حدث في اميركا، بالاضافة لتغيير طبيعة النشاط من شركة ذات طابع استثماري الى شركة مصرفية، وهذا معناه انها خاضعة لرقابة البنك المركزي في اميركا، والمقصود هنا ان الشركات الكبرى في اميركا قد اختفت ولم يعد لها وجود، ونرجع لنقول ان المشكلة ليست كثرة الشركات وانما قلة الائتمان.
السوق والإفصاح
واشار الموسى الى ان الشفافية مطلوبة، ونحن لدينا قواعد شفافية ربما لا تطبق بشكل صحيح، ومع وجود هيئة سوق المال، فإن عمليات الافصاح لابد ان تنظم وتوضع بشكل صحيح، والناس تعودت الا تعلن عن ملكياتها في السابق، مما يعد نوعا من التقليد الاجتماعي ونحن في الكويت لا نحب الشهرة في الثروة. والقانون يتطلب الافصاح والشفافية، لكن ايضا الشفافية اما ان تكون مبدأ يطبق على الجميع بمعنى: كنا دائما نقول إن ادارة البورصة تتطلب شفافية من الشركات، بينما البورصة لا تتمتع بشفافية، الشفافية لا يمكن ان تكون مبدأ انتقائيا، وهي اما ان تكون مبدأ معمولا به ضمن حوكمة الشركات او حوكمة الادارات التي تتعامل مع هذه الشركات.
وعن توقعاته بانشاء هيئة سوق المال قال الموسى ان الكويت هي آخر دولة في العالم تنشئ هيئة سوق المال، وعلى الرغم من ذلك نأمل ان تتطابق الهيئة مع المعايير الدولية، كما اشدد على ضرورة مناقشة القانون في اسرع وقت وليس معنى ذلك التعجيل بالقانون على وجه السرعة، بالعكس نحن نعلم ان هذا عمل تشريعي يحتاج لبعض الوقت، لكننا نأمل ان تعطى له الاولوية، ويصدر في بضعة اشهر، والهيئة تحتاج الى لوائح وانظمة يفترض لعمل ذلك ان يكون هناك مرحلة اعداد لاختيار افراد على مستوى عال من الخبرة وتدريبهم ايضا لاكسابهم الخبرات اللازمة، في تقديري لكي تمارس الهيئة نشاطها بشكل مكتمل.
اما التوقعات عن الهيئة فيفترض بها ان تنشئ بيئة اكثر شفافية وصحية، لكن اكرر دائما ان الهيئة ليست لها علاقة بارتفاع او انخفاض السوق، بل هي تنظيم لوجود سوق مالي يتمتع بمعايير دولية ويكون موضع ثقة، ما يساهم بجذب المستثمرين، واعتقد اننا دخلنا في حقبة جديدة تختلف عن الحقبة السابقة وتميزت بأمرين الاول: ضعف الرقابة على الممارسات وهو ما ظهر خلال الازمة، والامر الثاني: ارتفاع قيم الاصول التي تسببت في مصاحبة سهولة الحصول على الائتمان في اطار غير مسبوق، مما اوصلنا الى المرحلة السابقة، وبالتالي حين حدث الانهيار، البعض تساءل: ماذا لو لم يعد هناك اموال ما المصير؟
واضاف الموسى قائلا: «الاموال موجودة، لكن الكل خائف ومذعور، والبنوك تجمدت عمليا في موضوع الائتمان».
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )