- قدرة البنوك على المرونة والتحمل ليست إلى ما لا نهاية
- البنوك احتوت الاثار المؤلمة لصدمة انهيارات النفط
- انخفاض الدين للناتج يمنح فرصة للإصلاح الاقتصادي
- لا ينبغي الشعور بالارتياح من انتعاش متواضع لأسعار النفط
قال محافظ بنك الكويت المركزي د.محمد الهاشل إن البنوك تمكنت من احتواء الآثار المؤلمة لصدمة أسواق النفط الأخيرة، مشيرا الى أن البيئة الاقتصادية الضعيفة سوف تضع النظام المصرفي تحت ضغوط كبيرة قد تؤدي إلى تضاؤل قوته مع مرور الوقت، كما أن قدرة البنوك على المرونة والتحمل ليست إلى ما لا نهاية.
وأوضح الهاشل في كلمته خلال مؤتمر يورومني أمس أنه وعلى الرغم من أن بنك الكويت المركزي لا يدخر جهدا لتطوير نظامه التنظيمي والرقابي، إلا أن التنظيم المالي ليس كافيا وحده، ولا يمكن أن يكون «اللعبة الوحيدة في المدينة» only game in town لأنه يتسم بالمحدودية كأداة لمعالجة قضايا الاقتصاد الكلي، موضحا أن النظام المصرفي، وبغض النظر عن مدى استقراره، ليس سوى مكون من مكونات المشهد الاقتصادي العام، وبالتالي فإن استقراره لا يغني عن الحاجة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وهيكلية شاملة.وذكر الهاشل أن المصدات المالية لدى الكويت وانخفاض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي يمنحان فرصة للقيام بالإصلاحات الاقتصادية بشكل متدرج مع المحافظة على النشاط الاقتصادي المطلوب.
وأشار الى أن الانتعاش المتواضع الذي شهدته أسعار النفط منذ مطلع العام الحالي، لا ينبغي أن يشكل مبررا للشعور بالرضى أو التراخي في إجراء إصلاحات مالية وهيكلية شاملة، من شأنها أن تمكن الكويت في نهاية المطاف من عدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، مشددا على أن ترشيد الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية وتعزيز دور القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد بوجه عام هي بعض المجالات القليلة التي ستظل بحاجة إلى اهتمام متواصل.
إصلاح القطاع المصرفيوتطرق الهاشل في كلمته الى الإصلاحات التنظيمية الرئيسية في القطاع المصرفي حيث قال إن الضغوط في القطاع المالي يمكن أن تتأتى من مصادر مختلفة، كما أنه من الصعوبة بمكان التنبؤ بالتوقيت والمكان اللذين قد ينبع منهما الاضطراب. وتناول الهاشل مجموعة من الاضطرابات التي عانت منها الأسواق المالية خلال الأعوام الأخيرة، ففي 2013 كانت بداية وقف سياسات التيسير الكمي في الولايات المتحدة الأميركية، وفي 2014 كان انهيار أسعار النفط، وفي 2015 كانت إعادة التوازن للاقتصاد الصيني، والعام الحالي شهد الاستفتاء بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولا شك أن تلك الأحداث، وإن كانت متباينة من حيث مصدرها الجغرافي أو من حيث أصل الأسباب التي أدت إلى حدوثها، إلا أنها جميعا أدت إلى اضطرابات بالغة في الأسواق العالمية.وأوضح أن مهمة ضمان المرونة لنظام مصرفي قادر على تحمل الصدمات بكل أنواعها ومصادرها ليست بالأمر السهل، فهذه الصدمات ليست خارجية المصدر فقط، بل إن النظام المصرفي نفسه هو في حالة من التغير المتواصل، وذلك وسط مناخ من المخاطر المتطورة والمتزايدة، والتي ترجع في جزء منها إلى الابتكارات المالية التي أشرت إليها.وقال إن ذلك الوضع أصبح يستدعي ضرورة العمل على تطوير الإطار التنظيمي للقطاع المصرفي بشكل دائم ومستمر. ومن هذا المنطلق، قام بنك الكويت المركزي خلال الأعوام الأخيرة بتحديث الأنظمة القائمة لديه بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، بالإضافة إلى تبني وتطبيق المعايير الرقابية الجديدة الصادرة عن لجنة بازل للرقابة المصرفية.
وأشار الهاشل الى بعض الخطوات التي اتخذها «المركزي» مثل تعزيز نظام كفاية رأس المال عن طريق تحديد مستويات أعلى وجودة أفضل لرأس مال المصارف لتقوية قدرتها على امتصاص الخسائر، كما وضعنا أيضا متطلبات إضافية لرأس مال البنوك ذات الأهمية النظامية.مصدات ماليةوقال ان المتطلبات الإضافية بشأن المصدات الرأسمالية التحوطية والمصدات الرأسمالية لمواجهة التقلبات الدورية ستمكن البنوك من الحفاظ على مصدات مالية إضافية تساعدها على احتواء المخاطر، مشيرا الى ان تطبيق معيار نسبة الرفع المالي منع البنوك الإقراض بشكل مفرط.
وذكر ان «المركزي» قام بتطبيق معيارين جديدين للسيولة هما، معيار تغطية السيولة، ومعيار صافي التمويل المستقر ويهدف هذان المعياران إلى تحسين قدرة البنوك على تحمل ضغوط السيولة وجعل هيكل التمويل لديها أكثر استقرارا.وأشار الى عدم قدرة السلطات الرقابية على التنظيم والإشراف بمفردها على كافة جوانب العمل المصرفي، حيث ان البنوك في نهاية الأمر، يجب أن تتحمل المسؤولية الأولى والرئيسية عن ممارستها لأنشطتها. ونظرا للأهمية القصوى لثقة جمهور المتعاملين، فإن البنوك لا يمكنها أن تتقبل وتتحمل تداعيات العمل في ظل حوكمة ضعيفة وغياب لثقافة إدارة المخاطر.
وقال ان الامتثال للإجراءات التنظيمية ينطوي على تكلفة مالية بالنسبة إلى البنوك، إلا أن كلفة أي أزمة مالية تفوق ذلك بكثير أخذا بالاعتبار أن تكلفة تلك الأزمات لها تداعيات تتخطى البعد المالي لها، وإزاء ذلك، فإنه من الحكمة والعقلانية تعزيز قدرة المصارف في أوقات الرواج، وكلما سنحت الأوضاع، إذ إن قيام البنوك بذلك يعزز مصداتها المالية، وبالتالي يكون بنك الكويت المركزي، ومن خلال تدابيره الاستباقية، قد مهد الطريق أمام المصارف لمواجهة تحديات انخفاض أسعار النفط من موقع قوة، ولولا المصدات المالية القوية والجيدة التي تم بناؤها بجد في أوقات الرفاه، لما كان القطاع المصرفي الكويتي قادرا على الصمود في وجه الضغوط والأزمات بشكل جيد.
الاستقرار يحتاج جهود غير «المركزي»
أشار د.محمد الهاشل في كلمته خلال المؤتمر الى الجهود التي بذلها «المركزي» في سبيل الحفاظ على الاستقرار النقدي والاستقرار المالي في الأوقات العصيبة، ويتمثل نجاحنا في هذا المجال في الاتجاهات الصحية والإيجابية في مختلف المؤشرات الاقتصادية والمالية، ويشمل ذلك مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفي.
وقال انه وعلى الرغم من أن الاستقرار المالي والاستقرار النقدي يشكلان محاور أساسية ضمن أهداف وأغراض بنك الكويت المركزي، والذي استطاع في إطار ما يطبقه من سياسات نقدية ورقابية حصيفة المحافظة عليهما وترسيخهما بكفاءة مشهودة، إلا أن تحقيقهما، وإن كان ضروريا، فهو ليس كافيا لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العام.
وبين ان الإصلاحات الاقتصادية هي الشرط الأساسي المطلوب الذي سوف يساعد على زيادة الإيرادات وتحقيق التنويع الاقتصادي، وخلق بيئة اقتصادية مستقرة ملائمة لخلق فرص عمل وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
86% من السكان فوق 15 عاماً لديهم حسابات مصرفية
ذكر الهاشل أن الكويت حققت مستوى لافتا من الشمول المالي وفق المعايير الدولية، فالبيانات المتوافرة من البنك الدولي تكشف بأن 86.8% من السكان فوق سن 15 عاما في الكويت لديهم حسابات في مؤسسات مصرفية مقارنة بمتوسطه المتواضع في منطقة الشرق الأوسط والبالغ حوالي 14%.
تراجع القروض غير المنتظمة لدى البنوكإلى مستوى تاريخي لا يتجاوز 2.4%
قال الهاشل إن النظام المصرفي في الكويت قد ظل في حالة مستقرة على الرغم من البيئة الاقتصادية المليئة بالتحديات، ومن المؤشرات الدالة على ذلك الاستقرار، مواصلة نسبة القروض غير المنتظمة لدى البنوك تراجعها المطرد لتصل كما في نهاية ديسمبر 2015 إلى مستوى تاريخي منخفض لا يتجاوز 2.4% مقابل 11.5% عام 2009، مما يدل على التقدم الملموس الذي شهدته البنوك في تنظيف ميزانياتها. وذكر ان معدل التغطية للقروض غير المنتظمة شهد ارتفاعا بلغ معه مستوى قياسيا عند 204% متخطيا بكثير النسبة المسجلة عام 2007- أي قبل الأزمة المالية- والبالغة 87%. أما من حيث نسبة تغطية السيولة، التي تم تطبيقها حديثا، فإن مصارفنا تتخطى بشكل مريح الحد الأدنى القياسي والبالغ 100% لعام 2019. كذلك فإن صافي دخل البنوك قد سجل نموا إيجابيا في وقت تواجه فيه البنوك العالمية أزمة حادة وانخفاضا في أرباحها وسط بيئة أسعار فائدة منخفضة.
وفي السياق الإيجابي ذاته، ذكر الهاشل ان نظامنا المصرفي استمر على قوته التي شهدها خلال الأعوام الماضية محققا، على جانب مؤشر كفاية رأس المال، معدلا بلغ 17.5% متخطيا، وبشكل كبير متطلبات الحد الأدنى للنسبة التي تحددها تعليمات بنك الكويت المركزي (12.5% لعام 2015 و13% لعام 2016). وبين ان نسبة الرفع المالي للبنوك بلغت 9.7%، وهي أيضا أعلى بكثير من المعيار العالمي المحدد عند 3%. وفي إشارة إلى سلامة القطاع المصرفي الكويتي، سجل الائتمان المصرفي نسبة نمو جيدة بلغت حوالي 8.5% خلال عام 2015.