قال تقرير مركز الجمان للاستشارات الاقتصادية عن اداء سوق الكويت للأوراق المالية خلال شهر نوفمبر الماضي ان متوسط التداول اليومي تراجع خلال نوفمبر الماضي بمعدل 12% بالمقارنة مع شهر أكتوبر، ليصل إلى 47 مليون دينار مقابل 53 مليون دينار، كما تراجع المؤشر الوزني بمعدل 8.5% خلال شهر نوفمبر. وأوضح التقرير ان السوق تأثر أداؤه باستمرار المعطيات غير الإيجابية وضعف الثقة، ناهيك عن التداعيات السلبية لصدور الاتهامات الرسمية من جانب الحكومة الأميركية ضد شركة المخازن العمومية «أجيليتي»، وذلك خلال شهر نوفمبر، وأيضا النتائج المخيبة للآمال لشركة «زين» وهي أكبر شركة مدرجة، وذلك بانخفاض أرباحها بنسبة 53% في الربع الثالث من العام الحالي بالمقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي، علما بأن ذلك التراجع في المؤشر جاء ضمن التوقعات التي أصدرناها بداية الشهر المذكور بانخفاض الأسعار ما بين 5 إلى 15% خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2009. واشار التقرير الى ان هذا التراجع في التداول والأسعار يأتي رغم ما يتردد من تدخل المحفظة الوطنية بشكل ملموس خلال نوفمبر الماضي، وذلك للحد من هبوط الأسعار والانحسار الملحوظ في المبالغ المتداولة، وقد كان موقفنا واضحا ومبدئيا منذ أكثر من عام بشأن تدخل الأموال العامة في دعم الأسعار والتداول في البورصة، وذلك برفض ذلك التدخل لعدة أسباب، منها: التأثير في آلية العرض والطلب، وبالتالي، إفقاد السوق تحركه الطبيعي والصحي، وكذلك تأجيل ظهور المشاكل وانكشاف الفساد، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل وتشجيع الفاسدين والمخربين في البورصة، وإن لم يكن بشكل غير مباشر وغير رسمي، ناهيك عن المخاطرة غير المبررة بالمال العام، إضافة إلى تعزيز الشكوك بتوجه الأموال العامة لانقاذ البعض أو تقوية مراكز البعض الآخر على حساب مصلحة الأجيال القادمة.
وذكر التقرير انه وكما هو متوقع، فقد تراجعت الأرباح المجمعة للربع الثالث للشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية بمعدل 62% لتبلغ 212 مليون دينار بالمقارنة مع 565 مليون دينار للربع الثالث من العام 2008، ولا شك بأن ذلك التراجع كان متوقعا تماما، كما لا يجب أن يعتد بمعظمه من الناحية الموضوعية، نظرا لتغير الظروف خلال فترة المقارنة رأسا على عقب، كما انخفضت بالتبعية الأرباح المجمعة للشركات لثلاثة أرباع العام 2009 بمعدل 75% لتبلغ 732 مليون دينار هبوطا من 2.945 مليون دينار للفترة المناظرة من العام الماضي، وربما المفاجئ والمقلق في هذه النتائج، هو مدى تضرر قطاع البنوك، والذي كان يعتبر الملاذ الآمن فيما مضى، حيث انخفضت أرباحه المجمعة بمعدل 59 و63% للربع الثالث وثلاثة أرباع العام 2009 على التوالي، والذي يرجع إلى تكوين المزيد من المخصصات بالدرجة الأولى ترقبا لتزايد أعداد المدينين المتعثرين على اختلاف شرائحهم، والذي يقابله عدم نمو العمليات التشغيلية لدى البنوك كما كان سابقا، وهو أمر بديهي وطبيعي لحالة ضعف الثقة السائدة، كما جاءت المفاجأة السلبية الأخرى فيما يتعلق بانخفاض أرباح «زين» بمعدل 53% للربع الثالث و17% لثلاثة أرباع العام 2009، حيث كانت التوقعات بأن تحافظ تلك الشركة على مستوى أرباح 2008، وأن يكون التراجع ـ إن حدث ـ طفيفا وليس ملحوظا. واشار التقرير الى ان عرض النقد، أي الودائع لدى البنوك ارتفع بمعدل 15.6% نهاية أكتوبر الماضي ليبلغ 24.75 مليار دينار مقابل 21.41 مليار دينار في نهاية أكتوبر 2008، ويعبر ذلك الارتفاع الملحوظ عن توفر السيولة بشكل عام وبشكل متزايد، وذلك منذ بداية الأزمة حتى الآن، وفي المقابل عدم وجود قنوات استثمارية مجدية وموثوقة لاستيعاب جزء يسير منها على الأقل، حيث لجأ المستثمرون عموما إلى وضع مدخراتهم في أدوات مضمونة كالودائع، على الرغم من الانخفاض القياسي للعائد عليها الذي لا يتجاوز 1.5% سنويا، وذلك
نظرا لأجواء عدم الثقة السائدة والمخاطرة المرتفعة والمرتبطة بالأدوات الاستثمارية الأخرى مثل الأسهم والعقار. من جهة أخرى، فإن حالة الشلل التي يعيشها الاقتصاد الوطني، من حيث عدم إتاحة الفرص الاستثمارية المجزية للقطاع الخاص، وأيضا التأخير غير المبرر في طرح المشاريع التنموية الكبرى، سيؤدي إلى تكدس المزيد من الأموال السائلة لدى البنوك، والتي ستكون عبئا عليها في نهاية المطاف، نظرا لعدم وجود قنوات مقبولة المخاطر لاستثمار تلك الأرصدة النقدية المتعاظمة.
ولا شك بأن ذلك الوضع يؤثر سلبا على ربحية البنوك بكل تأكيد، وهو الأمر الذي هي أحوج إليه في الوقت الحاضر، حيث استنفذت المخصصات جانبا كبيرا من أرباح القطاع، ناهيك عن استهلاكها لكامل أرباح بعض البنوك، أي أن البنوك في مأزق يتمثل في وفرة السيولة، لكن دون استخدام يحقق الأرباح والتنمية.
ولا شك بأنه لا يمكن لوم المودعين لعزوفهم عن ممارسة النشاط الاقتصادي المعتاد، وذلك لندرة الفرص من جانب، والمخاطرة المرتفعة للفرص الضيقة المتاحة، وعلى سبيل المثال، فإن حالة الفوضى السائدة في سوق الكويت للأوراق المالية والمتمثلة في شيوع الفساد وسوء الإدارة والتقصير الفاحش من جانب معظم الأطراف المرتبطة به، جعل هذا السوق طاردا وبقوة للاستثمارات الجديدة، حتى أن الشركات الكبرى والعريقة والمحترمة أيضا ليست بمأمن تام من تيار الفساد الجارف، وذلك من خلال التشجيع غير المعلن للمخربين، حيث إنهم محصنون من المساءلة الجادة والحقيقية بسبب غياب الدور المطلوب من الأجهزة الرسمية سواء كانت تنظيمية أو رقابية، وبالتالي، فإن أيدي الفاسدين من الممكن أن تمتد إلى أكبر وأفضل الشركات المدرجة في أي لحظة، مما يجعل عامل المخاطرة الكبير حاضرا على الدوام.
وأشار التقرير الى ان أزمة دبي المالية اندلعت في 25/11/2009 بطلب شركات تابعة لحكومة دبي من دائنيها الانتظار ستة أشهر على الأقل لسداد قروض تبلغ 59 مليار دولار، ولا شك بأننا نتمنى انتهاء هذه الأزمة بأقل الأضرار الممكنة لجميع الأطراف المرتبطة بها.
ولعل ما يهمنا هنا، هو مدى انعكاس هذه الأزمة على الاقتصاد الكويتي عموما وعلى سوق الكويت للأوراق المالية خصوصا، ولا شك بأن الاقتصاد الكويتي عموما بمنأى عن هذه الأزمة كون الكويت ـ فيما نعلم ـ غير مقرضة بشكل كبير لحكومة دبي أو شركاتها التابعة، أما سوق الكويت للأوراق المالية، فلا يستبعد تعرضه لانخفاض بدافع نفسي في الدرجة الأولى، وهذا أمر طبيعي، أما الشركات المدرجة في بورصة الكويت، فربما تتعرض للضرر المادي المؤثر تلك الشركات التي لديها استثمارات هناك، وهي محدودة العدد، ولا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، أما الشركات الكويتية المدرجة في سوق دبي المالي وعددها 16 شركة تقريبا، فليس لها علاقة بأزمة دبي مبدئيا، إلا ما هو متخصص بالعمل هناك. وبالتالي، يمكن القول بعدم تأثر سوق المال الكويتي بأزمة دبي بشكل ملموس من الناحية الأساسية والجوهرية، وذلك وفقا للمعطيات الحالية والمعرضة للتغير بكل تأكيد، وربما يفوق الأثر النفسي الأثر الحقيقي بمراحل كبيرة، مما يدعو إلى عدم المبالغة في التعاطي مع أزمة دبي بأكثر مما تستحق على الصعيد المحلي، وربما يؤكد ذلك تصريح بنك الكويت المركزي بالانكشاف المحدود جدا للبنوك الكويتية على شركتي دبي العالمية ونخيل، والذي نتمنى أن تسري محدودية الانكشاف الكويتي على باقي الشركات الناشطة في دبي.
دور المحفظة الوطنية مسكّن ومؤقت
قال التقرير ان دور المحفظة الوطنية لا يزيد على دور الدواء المسكن والمؤقت للآلام والأمراض البورصوية إن صح التعبير، هذا إذا ما افترضنا حسن النية والكفاءة في القرارات التي تتخذها، فقد فشلت بكل جدارة حتى الآن وبعد مرور أكثر من عام على تفعيلها، حيث إن الإصلاح الحقيقي يتمثل في استئصال الفساد من جذوره، والذي يتطلب عدة تحركات منها: تأسيس جهة ربما تكون «هيئة سوق المال العتيدة» ليكون لديها الجرأة والشجاعة، وقبل ذلك النظافة لمواجهة بيت الداء، وهو الفساد المتفشي في الجسد الاقتصادي بسرعة تفوق سرعة انتشار مرض السرطان الفتاك، حيث إن من المفترض أن تزاول هيئة سوق المال المرتقبة عملها بصورة أشرس وأسرع من «لجنة الإزالة» المعروفة حاليا، والموكل إليها إزالة التعديات على أملاك الدولة، وإلا ستكون هيئة سوق المال مجرد وظائف لتنفيع العاطلين والفاسدين، ومكرسة لطلبة الوجاهة وترتيب الصفقات تحت الطاولة.
توقعات «الجمان» وتوقعات الصحف
أوضح التقرير انه عند مقارنة النتائج الفعلية بتوقعاتنا التي تم إصدارها في 28/08/2009، فقد انخفضت الأرباح الفعلية للربع الثالث 2009 ـ والتي بلغت 212 مليون دينار ـ بمعدل 29% عن توقعاتنا البالغة 300 مليون دينار، وقد كان للانخفاض المفاجئ لأرباح «زين» بمقدار 46 مليون دينار الأثر البالغ في الانحراف الملموس لتوقعاتنا عن الأرقام الفعلية، حيث شكل 52% من الانحراف في التقديرات، أما نتائج ثلاثة أرباع العام، والتي بلغت فعليا 732 مليون دينار، فقد تراجعت بالتبعية عن تقديراتنا البالغة 900 مليون دينار، وذلك بانحراف معدله 19%، والذي ساهم به جوهريا تراجع أرباح «زين» بمقدار 39 مليون دينار.
ومن جهة أخرى، كعادتنا، رصدنا توقعات الصحف لنتائج الشركات المدرجة لثلاثة أرباع العام 2009، حيث تم رصد تلك التوقعات لأكثر ثلاث صحف انتشارا، وقد لاحظنا استمرار النهج التحفظي لإصدار التوقعات، وهو نهج إيجابي بكل تأكيد، وذلك لتجنب إصدار التوقعات غير المدروسة والمشبوهة أحيانا، خاصة في ظل الظروف الحالية، وقد حققت أفضل صحيفة في هذا المضمار صحة بالتوقعات بمعدل 60%، بينما حققت الثانية 57%، في حين أخفقت الثالثة في تحقيق أي نسبة نجاح في توقعاتها، وقد بلغ متوسط نسبة النجاح في التوقعات 52% للصحف الثلاث، وهي نسبة لا بأس بها أوليا نظرا لصعوبة تحقيق نسبة مرتفعة لنجاح التوقعات في مثل الظروف السائدة حاليا والمتغيرة باستمرار، وتجدر الإشارة إلى أنه تم اعتبار التوقعات التي ارتفعت أو انخفضت عن النتائج الفعلية بنسبة 10% توقعات ناجحة، كما تم استبعاد التوقعات التي تم إصدارها قبل صدور النتائج الفعلية بيوم أو يومين وكانت مطابقة لها، وذلك نظرا لحضور شبهة التسريب.