قال التقرير الاقـتــصادي للبنك الوطني ان تطورات الشهرين الأخيرين أظهرت أن التفاؤل بدرجة ما، كان ويجب أن يبقى مصحوبا بنظرة حذرة إزاء أي مخاطر محتملة.
ففي حين جاءت البيانات الاقتصادية الصادرة من الولايات المتحدة والصين وأوروبا إيجابية نسبيا، وفاقت التوقعات، جاء طلب «دبي العالمية» تجميد ديونها والصعوبات المالية التي تواجه اليونان لتذكر الجميع بأن مستويات الدين المرتفعة لن تختفي بسهولة.
وباختصار، فإن الركود قد انتهى والاقتصاد العالمي يتحسن تدريجيا مع دخولنا العام 2010، لكن مواطن الضعف والمخاطر مازالت موجودة.
وأضاف التقرير ان أزمة دبي ألقت الضوء على قضية الديون شبه السيادية، كما ذكرت بالمخاطر الأخرى التي مازالت تكتنف الاقتصاد العالمي.
فعندما كانت مؤسستا «فاني ماي» و«فريدي ماك» الأميركيتان على وشك التعثر بديونهما شبه السيادية ـ والتي كانت بالأحرى ينظر إليها على أنها سيادية ـ تدخلت الحكومة الأميركية لإنقاذهما، بهدف الحد من انهيار سوق السكن في حينها، وأيضا لتجنب ردات الفعل الحادة التي قد تتخذها البنوك المركزية الأجنبية التي كانت ـ ومازالت ـ المستثمر الأكبر في هذه الأوراق المالية.
ولفت إلى انه في شهر نوفمبر الماضي، خسر سوق العمل في الولايات المتحدة 11 ألف وظيفة «فقط»، وتراجع معدل البطالة من 10.2% إلى 10%، بينما ارتفعت مبيعات التجزئة بنحو 1.3% مقارنة مع الشهر الأسبق. وقد دفعت هذه البيانات وغيرها المحللين إلى تحسين تطلعاتهم بالنسبة للاقتصاد الأميركي. فمعدل النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع من 2009 بات بحدود 4%، بعدما بلغ 2.8% في الربع الثالث.
وأشار التقرير إلى انه من المفترض أن يساهم النمو الاقتصادي المعتدل في 2010 وضعف سوق العمل في إبقاء معدل التضخم منخفضا جدا، ومن المتوقع أن تدفع هذه العوامل مجتمعة المجلس الاحتياطي الفيدرالي لأن يبقي سياسته النقدية من دون أي تغيير يذكر، على الأقل فيما يتعلق بأسعار الفائدة، حتى لو بدأت الإجراءات غير التقليدية (مثل الإجراءات الكمية التوسعية) بالانحسار في 2010.
وقال انه مع انحسار حاجة مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفعها وتدني معدل التضخم، قد تشهد أسعار الفائدة بعض الارتفاع مدفوعة بعمليات تمويل الديون الأميركية الضخمة على ضوء العجز الكبير الذي تشهده ميزانية الولايات المتحدة حاليا (والذي اقترب من 1.5 تريليون دولار للعامين 2009 و2010).
وكشف التقرير انه قد أدى احتمال ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والحديث عن الصعوبات الاقتصادية ومشكلات الدين في منطقة اليورو إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل اليورو، وذلك للمرة الأولى في أسابيع، مشيرا إلى أن الصعوبات التي تشهدها اليونان التي بلغ عجزها المالي ما نسبته 12% من ناتجها المحلي الإجمالي، جاءت لتزيد الصعوبات الناجمة عن مستويات الدين المرتفعة أصلا، كما أن ايرلندا وإسبانيا تعانيان بدورهما من ضعف اقتصاديهما وماليتيهما.
واضاف انه على ضوء أزمة دبي، يبرز القلق من ألا تلجأ الوحدات الاقتصادية الأقوى (وفي هذه الحالة الاتحاد الأوروبي أو بنكه المركزي) بشكل تلقائي إلى إنقاذ الشركاء الأضعف.
ونتيجة لذلك، قامت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني بخفض التصنيف السيادي لليونان (كما قامت برفع تصنيف تركيا عقب أزمة دبي، وهذه المستجدات مجتمعة دفعت إلى رفع سعر صرف الدولار الأميركي والضغط على أسعار النفط نحو الهبوط وخفض سعر أوقية الذهب من المستويات المرتفعة التي بلغتها مؤخرا فوق 1200 دولار.
واستدرك التقرير ان المستجدات في أوروبا عموما أكدت عودة الاقتصاد إلى النمو، مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من 2009 بواقع 1.6% (على أساس سنوي معدل موسميا)، كما أن الإنتاج الصناعي في الصين مازال يواصل مساره التصاعدي (ارتفع في نوفمبر 19% على أساس سنوي)، في حين يبدو أن النمو الاقتصادي سيعود خلال 2010 إلى مستوياته «الاعتيادية» بين 9% و10%. ويتوقع أن يلجأ المحللون إلى تحسين تطلعاتهم خلال الأسابيع المقبلة، ومع أننا نتفق مع هذا التوجه، إلا أننا نبقى حذرين، إذ يجب التذكير بأن هذه البيانات، ورغم أنها تعتبر مشجعة، تستفيد من عامل المقارنة مع فترات الركود، لاسيما خلال الربع الرابع من العام الماضي والنصف الأول من 2009، كما أن ميزانيات البنوك والمستهلكين ومعدل البطالة المرتفع ستبقى عوامل ضاغطة على مسار تعافي الاقتصاد. وقال التقرير انه بالنسبة لدول الخليج، فيفترض أن تتعافى اقتصاداتها وتشهد أداء قويا في 2010، كما يتوقع أن تكون تداعيات أزمة دبي محدودة على باقي المنطقة، مع متابعة المستثمرين لتطورات إعادة هيكلة «دبي العالمية».