تفتتح دبي بعد غد الاثنين البرج الذي يحمل اسم الإمارة ويرسم افقا جديدا للتصميم والبناء لكونه الأعلى في العالم، على امل طي صفحة موجعة من الانتكاسات التي هزت صورتها وبلغت ذروتها مع أزمة ديون مجموعة دبي العالمية.
وشركة اعمار العقارية المملوكة جزئيا لحكومة الإمارة والتي طورت «برج دبي» الذي ينتصب كمسلة ساطعة من الفولاذ والزجاج، لم تكشف قط عن الارتفاع الحقيقي للبرج وتكتفي بالقول انه يتجاوز عتبة الـ 800 متر.
ويتوقع ان يعلن الارتفاع النهائي في الافتتاح الرسمي مساء الاثنين خلال حفل ضخم سيقام بمناسبة الذكرى الرابعة لتولي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مقاليد الحكم في دبي.
والبرج الذي يرتفع لاكثر من 160 طابقا ويحتوي على 330 الف متر مكعب من الكونكريت و31400 طن متري من القضبان الفولاذية المستخدمة في هيكل البناء و57 مصعدا، تجعل منه هذه الارقام ايقونة عمرانية بكل معنى الكلمة.
قدرت كلفة «برج دبي» الذي يمكن مشاهدته على بعد 95 كلم، عند بدء المشروع بمليار دولار لكن الكلفة الحقيقية تجاوزت هذا الرقم بحسب تقارير صحافية محلية.
وقال بيل بيكر، شريك الاعمال الهيكلية والهندسة المدنية في شركة «سكيدمور اوينغ اند ميريل» (اس او ام) التي صممت البرج ومقرها شيكاغو «لقد تعلمنا الكثير من برج دبي، ويمكنني القول انه بات بوسعنا ان نبني برجا بطول كيلومتر بسهولة. لقد حدد البرج مرجعية جديدة».
واضاف لوكالة فرانس برس انه بعد فوز المكتب بمسابقة بناء البرج «ظننا انه سيكون اعلى بقليل من اعلى برج في العالم (تايبيه 101 - 508 امتار)، الا ان العميل (شركة اعمار) ما انفك يطلب منا ان نزيد الارتفاع، ونحن قمنا بذلك مرات كثيرة. كنا نقوم بدوزنة التصميم وكأنه آلة موسيقية».
وتصميم البرج يتمحور حول بنية مثلثة الاضلاع يتوسطها هيكل ضخم من الاسمنت، ويضيق مدى البرج كلما ارتفع، وعلى مراحل متفاوتة بين الاضلاع الثلاثة، قبل ان يتحول في اعلاه الى هيكل معدني تعلوه مسلة ضخمة. والتصميم مستوحى ايضا من تويجة زهرة الصحراء التي تنمو في منطقة الخليج.
ولعل ابرز تحديات البناء هو ضخ الخرسانة دون ان تتجمد على ارتفاع 605 امتار، وهو الارتفاع الذي يتحول بعده البرج الى هيكل معدني.
من جهته، قال جورج افستاثيو الشريك المدير في «اس او ام» والمسؤول المباشر عن مشروع برج دبي ان البنية المثلثة الاضلاع، والمعروفة بـ «واي شايب»، «تمنح اساسا متينا لبرج بهذا الارتفاع».
واضاف «لقد اعتمدنا هذا الشكل واستخدمنا عناصر من الهندسة الاسلامية والقناطر المستدقة، وكلما كنا نرتفع عموديا كنا نقلص الحجم للتخفيف من تاثير الرياح».
وعن تاثير الرياح ومدى تذبذب اعلى المبنى، قال افستاثيو «انه مبنى هادئ جدا، فبعض العواصف لن تشعر بها على الاطلاق، وقد تشعر بالعواصف الاقوى، الا البرج في العموم اهدأ من كل الابراج الشاهقة الاخرى في العالم بالرغم من كونها اقل ارتفاعا منه».
ونفذ اعمال البناء التي بدأت في 2004 تحالف بين سامسونغ الكورية وبيسيكس البلجيكية وارابتيك الاماراتية.
والبرج يضم اكثر من الف شقة و49 طابقا للمكاتب اضافة الى فندق في طوابقه السفلى يحمل توقيع المصمم الايطالي جورجيو ارماني، فيما ستكون الطوابق العليا بحسب بيكر مكاتب اشبه بان تكون «مكاتب للمراسم»، اي انها ستستقبل اجتماعات رسمية ولن تستخدم ليعمل فيها اشخاص بشكل دائم.
وقبل ايام من الافتتاح، اكد عدد من الوسطاء العقاريين لوكالة فرانس برس ارتفاع الطلب بشكل ملحوظ على وحدات البرج التي بيعت جميعها قبل سنوات، وذلك في نهاية سنة قاسية على القطاع العقاري في دبي، حيث انخفضت الاسعار بنسبة 50% بعد سنوات من الارتفاع الحاد، الا ان انخفاض الاسعار في البرج كان بحسب هؤلاء اقل حدة.
وقال رجل اعمال فلسطيني فضل عدم الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس «لقد اشتريت عام 2008 شقة من غرفة نوم واحدة في الطابق الثمانين مقابل ثلاثة ملايين دولار، وبذلك تكون خسارتي نظريا كبيرة مع تدني الاسعار»، الا انه قال ان «امتلاك شقة في هذا المبنى يمنح شعورا من الرضا الذاتي»، ووصل سعر القدم المربعة ضمن المساحات التجارية في البرج في ذروة فورة الاسعار الى ما بين 4500 و5500 دولار.
لكن صعاب دبي المالية وتداعيات الازمة الاقتصادية على دبي ودول الخليج عموما، قد تخدم برج دبي بشكل غير مباشر اذ تؤجل طموحات اخرى لبناء ابراج تقفز فوق عتبة الف متر.
ويعتقد البعض ان برج دبي سيكون آخر حبة في عنقود المشاريع العملاقة التي اشتهرت بها دبي، ومنها جزر النخيل الاصطناعية التي تطورها شركة نخيل المسؤولة جزئيا عن ازمة ديون مجوعة دبي العالمية التابعة لحكومة الامارة.
وتقوم المجموعة حاليا بجهود لاعادة جدولة ديون بحوالى 22 مليار دولار بعد ان لامست التعثر الشهر الماضي وتجنبته بفضل تدخل امارة ابوظبي في آخر لحظة.
ومن المشاريع التي اعلن عنها في منطقة الخليج ويبدو مستقبلها اكثر من غامض بعد الازمة، «برج نخيل» الذي قالت نخيل انه سيتجاوز ارتفاعه الف متر، وبرج مدينة الحرير في الكويت (اكثر من الف متر) وبرج للملياردير السعودي الوليد بن طلال في جدة (اكثر من 1600 متر).
وقال افستاثيو في هذا السياق «سيكون هناك دائما من يريد ان يبني برجا اعلى. لقد صمم برج دبي في اوقات مختلفة تماما عن الآن، والقوة الدافعة وراء بناء الابراج هي الاقتصاد، ولو يقال لي متى يتحسن الاقتصاد ستكون لدى فكرة افضل عن متى سيبنى برج اعلى».
واضاف «لو بدأ تصميم برج اعلى اليوم، فلن ينتهي البناء قبل عشر سنوات، وبالتالي سيحتفظ برج دبي بالرقم القياسي لهذه الفترة على الاقل».
.. والبرج يسجل أرقاماً قياسية جديدة لأعلى المصاعد في العالم
ترسي «إعمار العقارية» عبر مشروعها العملاق «برج دبي»، أطول ناطحة سحاب في العالم، الكثير من المفاهيم السباقة، فقد حطم البرج حتى اليوم العديد من الأرقام القياسية، بما فيها تركيب وتشغيل أعلى المصاعد في العالم. ومن المقرر افتتاح البرج في 4 يناير 2010، ليتزامن مع الاحتفالات بالذكرى الرابعة لتولي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مقاليد الحكم في إمارة دبي.
وتمت عمليات تركيب المصاعد في «برج دبي» باستخدام أحدث التقنيات الذكية المتطورة، ويضم البرج 57 مصعدا و8 سلالم كهربائية لتسهيل حركة سكان البرج وزواره على حد سواء. ويضم البرج أعلى مصاعد تم تركيبها ضمن أي مبنى في العالم على الإطلاق.
وقال المدير التنفيذي لإدارة المشاريع في «إعمار العقارية» عبدالله لاحج: «تم التخطيط لـ «برج دبي» ليكون وجهة نموذجية للسكن والعمل والترفيه، فهو بمثابة مدينة عمودية تحتضن الوحدات السكنية والمكاتب وأجنحة الشركات إضافة إلى فندق عالمي فاخر ومجموعة من المنافذ التجارية والمرافق الرياضية. وجرى تصميم تقنيات المصاعد الذكية المستخدمة في البرج لتقدم أفضل مستويات الأداء مع التركيز على الأمان والكفاءة وسهولة الاستعمال».
ويضم «برج دبي»، أبرز مشاريع «إعمار العقارية»، 1044 شقة سكنية تتضمن 144 شقة ضمن «أرماني للشقق الفندقية»، و160 غرفة فاخرة ضمن «فندق أرماني دبي» إضافة إلى 49 طابقا مخصصا لأجنحة الشركات. وتم تركيب المصاعد في مناطق مختلفة من البرج لتسهيل حركة السكان والزوار والوصول إلى مختلف الطوابق بسرعة فائقة.
وتقدم مصاعد كل منطقة في «برج دبي» خدماتها لفئة معينة، فمنها ما هو مخصص للزوار أو موظفي المكاتب من جهة، أو لنزلاء الفندق والمقيمين في الوحدات السكنية من جهة ثانية. وتشكل ردهات المصاعد طوابق انتقالية تتيح للسكان والضيوف وموظفي المكاتب إمكانية الانتقال من مصعد الخدمة السريعة إلى المصعد الخاص الذي يتوقف في كل طابق تابع لجزء معين من البرج. وتقع ردهات المصاعد في الطوابق 43 و76 و123، ويشمل كل منها على ردهة اجتماعية ويضم مجموعة متنوعة من المرافق.
وتولت شركة «أوتيس»، الرائدة عالميا في مجال تركيب المصاعد، مهمة تزويد وتركيب جميع المصاعد في «برج دبي». ولا يوجد مصعد يتنقل بين جميع الطوابق الـ 160 من البرج، بل تم تجميعها في فئات تنسجم مع تصميم الطوابق، بما يتيح للسكان إمكانية الوصول مباشرة إلى وجهتهم دون الحاجة للتوقف في طوابق أخرى.
ويقع مصعد الخدمة الرئيسي في مركز البرج، وهو الأعلى في العالم من حيث المسافة التي يقطعها والبالغة 504 أمتار (1654 قدما)، أي أكثر من ارتفاع برج «تايبيه 101» في تايوان (448 مترا)، و«سيرز تاور» في شيكاغو (442 مترا)، وأعلى بنحو مرة ونصف من برج «إمباير ستيت» في نيويورك (381 مترا). ويتحرك المصعد بسرعة 9 أمتار في الثانية، ويسجل رقما قياسيا من حيث طول المسافة التي يقطعها. كما يوجد مصعد خدمة آخر يعتبر الأعلى من حيث الارتفاع الذي يصل إليه والبالغ 636.9 مترا.
ومن بين مجموعة المصاعد التي تم تركيبها في «برج دبي»، هناك المصاعد المؤلفة من طابقين، ذات التصاميم المتميزة وأنظمة الإضاءة الخاصة والتي تضم شاشات عرض الكريستال السائل وهي مخصصة لتقل الزوار إلى شرفة المراقبة «قمة البرج، برج دبي»، أعلى منصة مراقبة مفتوحة أمام الجمهور في العالم، وتقع في الطابق 124، إضافة إلى موظفي المكاتب الذين يودون التنقل في البرج انطلاقا من ردهة المصاعد في الطابق 123.
ويتم استخدام مصاعد «أوتيس» ذات المنصات المزدوجة للمرة الأولى على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وهي الأعلى من نوعها في العالم وتتحرك بسرعة 10 أمتار في الثانية، ويستوعب كل منها 12 إلى 14 شخصا في الطابق الواحد. وإضافة إلى ذلك، يحظى «فندق أرماني دبي» بمصعد ذي تصميم دائري بديع، يخدم ثلاثة طوابق ضمن منطقة مطاعم الفندق.
وتنفرد 24 من مصاعد «برج دبي» بتوظيفها تقنيات machine-roomless®gen2 الصديقة للبيئة الأمر الذي يحد من استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالوحدات التقليدية. ولا تتطلب معدات ®gen2 أي مواد تزييت إضافية، بما يجعل منها أكثر توافقا مع شروط السلامة البيئية.
وتمتاز المصاعد في «برج دبي» باستخدامها أحدث التقنيات الهندسية في العالم، حيث يمكن للزوار الوصول إلى الطابق الذي يرغبون في الصعود إليه باستخدام لوحة المفاتيح أو عبر شاشة تفاعلية تعمل باللمس قبل الدخول إلى المصعد. ويقوم النظام، بعد تحديد طلب الزائر بشكل أوتوماتيكي، بتوجيه الزوار المتجهين إلى طوابق متقاربة إلى مصعد واحد، الأمر الذي يوفر الوقت إلى حد كبير.
وخلال الفترة الممتدة من انطلاق المشروع ولغاية شهر يونيو 2009، شارك أكثر من أكثر من 75000 اختصاصي وعامل من فريق «أوتيس» في تركيب معدات المصاعد والسلالم الكهربائية في «برج دبي». وكانت أعمال التنفيذ قد بدأت في مايو 2006.
ويصل ارتفاع «برج دبي» إلى أكثر من 800 متر (2625 قدما) ويضم أكثر من 160 طابقا، ويمثل أبرز أجزاء مشروع «وسط برج دبي» الذي تطوره «إعمار العقارية» ويوصف بأنه القلب الجديد لمدينة دبي.