فواز كرامي
يرى العديد من الاقتصاديين أن ارتفاع نسبة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي لبلد معين ينظر إليه باعتباره أحد أهم المؤشرات الدالة على ديناميكية الاقتصاد وتطوره وفقا لمعايير اقتصاد البلدان الصناعية المتقدمة حيث يساهم القطاع الخاص في رفع الكفاءة من خلال الاستخدام الكفؤ للموارد الاقتصادية وتعظيم حجم الإنتاج باستخدام اقل قدر ممكن من تلك الموارد كما يقوم القطاع الخاص من خلال سعيه إلى تعظيم الارباح بالتركيز على وسائل الإبداع والابتكار لمقابلة احتياجات السوق مقارنة بالقطاع العام ويؤدي تعاظم دور القطاع الخاص إلى التخفيف من هيمنة القطاع العام على الأنشطة الاقتصادية مع احتفاظه بدور المنظم والمراقب.
ورغم النتائج التنموية المسجلة التي تشير إلى أن حجم مساهمة القطاع الخاص الكويتي في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2002 إلى 2006 قد اتسمت بالانخفاض «من 37% عام 2002 إلى 31% خلال عام 2006» أي بمعدل نسبة قدرها 33% في المتوسط ما يشير إلى أن نمو القطاع الخاص خلال الفترة الماضية كان اقل من المطلوب.
كما يلاحظ عدم الاتساق بين معدل النمو المسجل للقطاع الخاص من جهة والانخفاض الملاحظ في النصيب النسبي لهذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من جهة أخرى ويعزى هذا الأمر إلى أن الناتج المحلي الإجمالي قد شهد ارتفاعا كبيرا نتيجة لارتفاع أسعار النفط العالمية خلال الفترة المشار إليها ولم يقابله نمو مماثل بنفس النسبة في ناتج القطاع الخاص وعند استبعاد الناتج المحلي الإجمالي النفطي يتبين أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج الإجمالي غير النفطي قد بلغت 59% في المتوسط خلال الفترة نفسها وبعد أن كانت قيمة الناتج للقطاع الخاص الكويتي في عام 2002 تساوي ما يقارب 4.3 مليارات دينار تمثل 56% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي ارتفعت هذه القيمة إلى ما يقارب 8.9 مليارات دينار عام 2006 أي 62% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي أي أكثر من ضعف قيمته في عام 2002. وهذه الأرقام وان كانت كبيرة إلا أنها تعتبر ضئيلة جدا مقارنة مع الدول المتطورة كما أن الأزمة المالية العالمية كانت لها تداعيات هائلة ومرهقة على القطاع الخاص الكويتي جعلت الأرقام تتراجع بحدة لم تتوافر إحصائياتها حتى الآن كما ان الحكومة لم تتدخل لإنقاذ شركات قطاع الخاص وتركتها وحدها تواجه الأمواج الضخمة للازمة وحدها ولم تخرج إلا بقانون وحيد يعتليه الكثير من التساؤلات «قانون الاستقرار المالي» الذي لم تستفد منه أي شركة أو مؤسسة في القطاع الخاص حتى الآن.
وفيما يتعلق بالتوزيع القطاعي داخل نشاط القطاع الخاص تشير البيانات المتاحة إلى تركز ما نسبته 48% من أنشطة القطاع الخاص في قطاع الخدمات المالية ويشمل التمويل والتامين والعقارات وخدمات الاعمال. ويلاحظ ان قطاع النقل والمواصلات لا يمثل سوى 10.6% من جملة ناتج القطاع الخاص الأمر الذي يحتاج إلى معالجة سريعة وتطوير اكبر وفي المقابل وبخلاف استحواذ قطاع تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق على نسبة 16.4% من جملة القطاع الخاص فان نسبة بقية القطاعات تبقى ضئيلة فالصناعات التحويلية ـ شاملة الصناعات النفطية ـ على سبيل المثال لا تمثل سوى 9.3% من ناتج القطاع الخاص خلال الفترة 2002 ـ 2006 وذلك نتيجة سيطرة القطاع العام بشكل كامل على ناتج قطاع الصناعات التحويلية النفــطـية وعدم إفساح المجال امام القطاع الخاص ليمارس دوره بفاعلية اكبر في هذا القطاع الاستراتيجي.
كما أشارت الخطة الخمسية للكويت 2009 ـ 2014 إلى ضرورة إشراك القطاع الخاص في التنمية بالكويت ولم تأت هذه الإشارة من عبث بل جاءت بعد العديد من الاحصائيات التي أظهرت المشاركة الضئيلة للقطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية إضافة إلى المطالبات المتعددة والدراسات المتنوعة التي قدمتها غرفة تجارة وصناعة الكويت لتفعيل دور القطاع الخاص الكويتي في الحياة الاقتصادية حيث ان الخطة الخماسية أكدت على تفاوت هذه المشاركة بحسب القطاعات ففي القطاع الزراعي تبلغ نسبة الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2008 ـ 2009 0% للقطاع العام و100% للقطاع الخاص اما إجمالي الناتج المحلي في القطاع النفطي فكان 100% للقطاع العام و0% للقطاع الخاص أما في قطاع تكرير النفط والبتروكيماويات فبلغت 100% للقطاع العام وصفر% للقطاع الخاص، اما الناتج المحلي الإجمالي داخل الصناعات التحويلية فيبلغ 5% للقطاع العام و95% للقطاع الخاص وبالنسبة للناتج المحلي داخل قطاع الكهرباء والماء فالنسبة تبلغ 100% للقطاع العام وصفر% للقطاع الخاص، أما قطاع التشييد والبناء فكان الناتج المحلي للقطاع الخاص صفر% و100% للقطاع العام، ناهيك عن باقي القطاعات الأخرى حيث تظهر بقوة المساهمة الطفيفة للقطاع الخاص إضافة إلى التفاوت الكبير بين القطاعات المختلفة في مشاركة القطاع الخاص فيها، حيث تبرز قضية رئيسية وهي ضرورة عدم التطرف في مشاركة القطاع الخاص أو العام وجعل النسبة بحسب مقتضيات القطاع الاقتصادي المستهدف ورغم أن الخطة الخمسية أكدت على ضرورة إدخال القطاع الخاص بنسبة مساهمة في الناتج الإجمالي المحلي بحدود 44% في السنوات الخمس القادمة إلا أن هناك العديد من الصعوبات التي تقف امام تحقيق هذه الرؤية.
ولعل الحلول المقترحة لإشراك القطاع الخاص تبقى حبرا على ورق ما لم تكن هناك تشريعات وقوانين جديدة وفكر اقتصادي يؤمن بضرورة دخول القطاع الخاص على خط التنمية وان التشريعات لإشراك هذا القطاع الحيوي تبقى جوهرية ليكون القاطرة الرئيسية والعجلة المحركة للاقتصاد لاسيما أن دور القطاع الحكومي في قيادة التنمية الاقتصادية للدول انقضى مع زوال النظرية الشيوعية وانهيار الاتحاد السوفييتي حيث ان دور القطاع الخاص الكويتي في الحياة الاقتصادية حتى الآن يعتبر هامشيا وبمبادرات شخصية على مستوى الشركات فقط رغم أن القطاع الخاص الكويتي استطاع ان يثبت جدارته وكفاءته العالية من خلال شركاته المنتشرة في معظم دول العالم والمصداقية الكبيرة التي حظيت بها من خلال اعمالها والعقود التي حظيت بها وفروعها وشركاتها التابعة في انحاء العالم.
وهنا يجب الإشارة إلى أن سيطرة القطاع العام وعدم إشراك القطاع الخاص بالحياة الاقتصادية الكويتية كان له دور ايجابي كبير في تخفيف تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الكويتي حيث إن 92% من الموظفين الكويتيين موظفون في القطاع الحكومي إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن إبقاء القطاع الخاص بعيدا عن الحياة الاقتصادية والنشاطات الاقتصادية المحلية بالأمر المحبب أو المرغوب فيه لأي دولة ترغب في تحقيق معدلات نمو عالية فالأزمة كانت الاستثناء في الواقع الاقتصادي.