أشار التقرير إلى أن مجلس الأمة وافق يوم الأربعاء الموافق 6/1/2010، بأغلبية 35 صوتا ضد 22 صوتا وامتناع واحد، على قانون إسقاط فوائد القروض الاستهلاكية والمقسطة، في مداولته الثانية، وأصبح على الحكومة، التي أعلنت رفضها له، اتخاذ قرار بشأنه. والقانون كما ذكرنا، مرارا، خطوة رئيسة في طريق سلبي لتعزيز ثقافة اقتسام ثروة البلد بدلا من تنميتها، وتشوبه شبهات دستورية، وغير قابل للتطبيق من الناحية العملية، ويتناقض مع توجه الدولة الاستراتيجي بالتفوق في تقديم الخدمات المالية، وفيه تعد صارخ على مبادئ العدالة والمساواة بين المقترضين وغير المقترضين، وبين المقترضين كبارا وصغارا، وبين جيل مرفه وأجيال قادمة قد تحرم ضروراتها، وفيه تسويق للقيم السلبية وعقاب على التمسك بالقيم الإيجابية.
لذلك نحن نتوقع من الحكومة أن تمارس حقها الدستوري، إما بإحالة القانون إلى المحكمة الدستورية، وحظوظ هذا الخيار تبدو ضعيفة، حاليا، أو برد القانون الذي لم يحصل على الأغلبية الخاصة في دور الانعقاد الثاني الحالي، والانتظار إلى دور الانعقاد الثالث في الخريف القادم. ويفترض ان تعمل الحكومة، والنواب المعارضون للقانون في المجلس، على إقناع أكبر عدد من مؤيدي القانون من النواب بتغيير مواقعهم، كما يفترض أن تبقى الحكومة متماسكة في موقفها الرافض. ويبقى الخيار الأفضل لصالح البلد على المدى المتوسط، هو العمل على استصدار تشريع لتحصين المالية العامة، أي منع نقاش أي مشروعات، ذات كلفة مالية على الخزينة العامة، بعد إقرار الموازنة العامة، ويمكن العمل على مشروع للموازنة العامة لإقرارها لسنتين ماليتين بدلا من سنة مالية واحدة. والمنطق وراء هذا المقترح هو العودة إلى تفرغ الحكومة والمجلس إلى عمليات البناء، بدلا من التوزيع، فالتحصين سوف يخفف، كثيرا، من ضغوط الناخب على النائب، ويوفر الوقت والجهد للنائب للتفكير في ضرورات الناس، مثل خلق فرص العمل والتعليم والخدمات الصحية والتفكير الاستراتيجي لمستقبل البلد، أمام تهديد زوال الثروة المؤقتة. وفي الديموقراطيات الأخرى، هناك قيد على ثقافة التوزيع، لأن مصدر الأموال دافعو ضرائب وناخبون، في الوقت نفسه، بينما حالة الكويت، الخاصة والمؤقتة، تجعلها عرضة لتوزيع كل شيء وبناء لا شيء، إن سمح لهذا النهج بالاستمرار. والنرويج، وهي دولة نفطية، قامت بتحصين ايرادات النفط والمدخرات المحصلة من دخله لصالح كل الأجيال بتشريع، منعت فيه تمويل المالية العامة، سوى بما لا يزيد على 4% من إيرادات، ومنعت استثمار صندوقها السيادي، داخليا، ومبررها هو أن الثروة حق لكل الأجيال وليس للجيل الحالي، ومبررها أن التعود على التمويل السهل سوف يؤدي إلى إصابة اقتصادها بالمرض الهولندي بما يقوض تنافسيته، ومبررها بأن استثمار مدخرات النفط، بالداخل، قد يؤدي إلى انفتاح أسعار أصولها. والأمر لا يحتاج سوى إلى إدارة عامة واعية، توازن ما بين متطلبات الحاضر والمستقبل، وتعرف ماذا يعنيه فشل الكويت في استغلال ما تملك من عناصر قوة، مؤقتة، وتعمل على تحويلها إلى دائمة.. وإدارة عامة قابلة وقادرة على استعادة صدقيتها بتقديم لصوص كبار إلى العدالة، فخراب البلدية ومشروعات الطرق والمجاري والاتجار بالبشر، وغيرها أمثلة صارخة على الانحراف ورخاوة تطبيق القوانين، واستعادة هيبة الدولة ومؤسساتها الدستورية وحرمة الأموال العامة طريق، باتجاه واحد، وبحارتين.