- تحـرك الأسـواق المالية مرتبط بالتغيرات الاقتصادية والنفسيـة وتغـيـير جذري فـــي نظــم الشفـافية
- الظواهـــر الحـاكمـة لأسـواق المـال لا تتفـاقـم فـي أوقـات الأزمـات فقط
إعداد: منى الدغيمي
انتاب التشاؤم اوساط المستثمرين حول العالم في خضم الازمة المالية العالمية، وجاء في دراسة اعدها د.وليد عبدالمولاه من المعهد العربي للتخطيط حول البنية المصغرة لاسواق المال الخليجية والازمات المالية انه من غير المعقول الاعتقاد بان الظواهر التي تحكم الاسواق المالية تتفاقم في اوقات الازمات.
واشارت الدراسة الى ان الآراء اختلفت حول طبيعة هذه الظواهر بين من يؤكد على دور علم النفس الجماعي والعدوى في اتساع قاعدة الازمة، وهؤلاء يعارضون اصحاب الآراء القائلة بفرضية كفاءة الاسواق المهيمنة والتي اعيد تسميتها بعقلانية اسواق المال.
وذكرت الدراسة ان التقلبات الحادة في اسعار الاسهم ادت الى طرح مسألة حركة التقلبات والعلاقة بين اسعار الاصول في الاسواق المالية والقيمة العادلة لهذه الاصول، كما طرحت تساؤلا حول امكانية ان تضفي التغيرات في القيم الاساسية للاصول الشرعية القائمة على تقلبات الاسعار وفقا لفكرة كفاءة الاسواق المالية او ان هناك تأثيرا لعوامل اخرى.
وذكرت ان هذه التساؤلات طرحت في اعقاب نكسة اسواق الاسهم عام 1987 وانتجت كما هائلا من المقالات النظرية والتطبيقية دون البت نهائيا في المسببات الحقيقية للازمة وكيفية تفاعلها، وذهبت معظم التفسيرات الى اعتبار ندرة السيولة كمسبب رئيسي للازمة، اما اذا نظرنا الى تداعيات الازمة المالية الحالية حيث خسرت على سبيل المثال مؤشرات داو جونز وناسداك كومبوسيت 32% و34% من قيمتها منذ بداية العام، فإن ارتباطها بأزمة الرهن العقاري التي ما فتأت تنتقل منذ صيف العام 2007 من مؤسسة مالية الى اخرى حتى ادت الى افلاس العديد منها في الولايات المتحدة الاميركية واوروبا، وهو ما ادى الى ازمة سيولة (مشابهة لعام 1987) ازدادت عمقا عقب عمليات تحويل رؤوس اموال كبرى في اتجاه العملات القوية (الدولار والفرنك السويسري) مما وسع نطاق الازمة، بالاضافة الى تأثير تقلص اسعار المواد الاولية وخصوصا النفط، وجاءت محاولات الانقاذ من طرف الحكومات مماثلة لما ذهب اليه غرينسبان اثر ازمة 1987 من ضخ للسيولة بلغ آنذاك 11 مليار دولار وزاد عن تريليون دولار اليوم.
واشارت الدراسة الى ان البلدان الخليجية لم تبق بمنأى عن تداعيات هذه الازمة، حيث خسرت مؤشرات الكويت والسعودية على غرار الاسواق الاخرى 23% و44% على التوالي منذ بداية العام، واوضحت ان ذلك يربطه البعض بتراجع اسعار النفط الذي تراجع بـ 39% منذ بداية العام وبـ 52% منذ شهر اغسطس.
طبيعة وتأثير المشتركين في التداول
واوضحت الدراسة انه اعيد النظر في فكرة كفاءة الاسواق المالية، حين تم الاخذ بعين الاعتبار مفهوم التوقعات العقلانية عندما وضع في اطار نموذج اقتصادي جزئي وفي ظل توزيع غير متكافئ للمعلومات، في ظل ظروف معينة يتمكن كل مشارك ان يستنتج من اسعار التوازن المعلومات التي بحوزة غيره من المشاركين، ومن ثم امكن اثبات وجود توازن لفرضية كفاءة الاسواق.
واوضحت الدراسة ان تطبيق هذه الفكرة على سوق المال اثبت استحالة وجود مثل هذا التوازن اذا اخذ بعين الاعتبار تكلفة اقتناء هذه المعلومات (اذا عزف كل المتداولين عن اقتناء المعلومات فرغ محتوى الاسعار من المعلومات)، ومن ثم وجدت الحاجة لتنقيح او اعادة صياغة افتراض كفاءة اسواق المال واضعاف مفهوم التوازن الى توازن صاخب.
ولفتت الى ان هذه النتائج ذات صلة بخصائص عملية و«الراس» لتعديل الاسعار: انعدام التداول خلال التخمين يسمح للمتداولين الجاهلين للمعلومات باعادة النظر في خططهم على اساس المعلومات التي ادرجت في الاسعار، في حين ان اولئك الذين يملكون المعلومات ـ متجاهلين تأثير قراراتهم على الاسعار على النحو المطلوب في فرضية المنافسة ـ يهدرون ميزتهم من دون مقابل.
وتوصلت الدراسة الى انه كان ضروريا نمذجة عملية تكون الاسعار بصورة اكثر واقعية والنظر في ترتيبات عملية التبادل وامكانية اعتبار السلوك الاستراتيجي للعملاء.
واشارت الدراسة الى ان kyle مكن من الاخذ بعين الاعتبار هاتين النقطتين، حيث اعتبر تطور التبادل في نقاط مختلفة من الوقت على غرار اعتباره لثلاثة انواع متميزة من العملاء وهم المطلعون على المعلومات وصانعو السوق وغير المطلعين واسماهم، noise traders كما مكن المطلعين من سلوك استراتيجي للاستفادة من معلوماتهم قبل كشفها في الاسعار، كما تمكن admatti and pfleiderer (1988) فيما بعد من اعطاء غير المطلعين سلوكا استراتيجيا على غرار المطلعين واسماهم liquidity traders ومكنهم من اختيار وقت وحجم التداول وذلك للحد من خسارتهم تجاه المطلعين.
وقالت ان التيار الكينزي سعى الى ربط تحركات الاسواق المالية بالتغيرات في العوامل الاساسية للاقتصاد، لكن ايضا بالتغييرات في الرأي ونفسية المشاركين، فضلا عن العديد من الكتابات التي اثبتت ان التوقعات الرشيدة منذ (1953) العالم الاقتصادي الاميركي فريدمان و(1965) الاقتصادي الاميركي فاما والذي يقدم تفوق المتداولين الراشدين الذين يلحقون خسائر دائمة بمن دونهم تؤدي الى اخراجهم من السوق.
وذكرت دراسة ديلونغ اي ال ان بقاء المتداولين الصاخبين او شبه الراشدين المتفائلين ليس مستحيلا لأن وجودهم يخلق مخاطرة اضافية حتى في حال انعدام خطر اساسي مما يخلق فضاء خاصا بهم.
واضافت ان كيلي ووانغ يرويان ان وجود وبقاء مثل هؤلاء المتداولين يعتمد على مدى ثقتهم وعدوانية مداولاتهم، وهو ما ذهب اليه ديبوندت وثالر (1995) عندما اكدا ان الاحساس بالثقة عادة ما يفوق القدرات او المعارف الحقيقية للناس، وهو ما اكدته العديد من الدراسات التطبيقية منذ البرت ورافا والتي ادت الى ظهور المالية السلوكية.
وتابعت: يؤكد فوللر على قيام جزء من المتداولين، عوضا عن الاعتماد على النظرية الاحصائية للتنبؤ في حالات عدم اليقين، بالاستدلال مما يؤدي في بعض الاحيان الى احكام معقولة واحيانا اخرى الى اخطاء خطيرة ومنهجية تتفاقم نتيجة تخصيص مفرط للجدارة الشخصية من النتائج في حال ارتفاع اسعار السوق.
وقالت الدراسة انه بالقاء نظرة على طبيعة المتداولين في الاسواق الخليجية، ان نسبة المتداولين الافراد تفوق بكثير ما هو عليه الحال في الاسواق الغربية، حيث لا تتعدى هذه النسبة الـ 35% في سوق wyse و30% في سوق طوكيو على سبيل المثال.
أنظمة التداول وتأثيرها
وقالت الدراسة ان وظيفة التداول ترتبط ارتباطا وثيقا بعملية قبلية وهي عملية توجيه الاوامر وعملية بعدية هي التسوية، وقد اسفرت موجة من حوسبة وظيفة توجيه الاوامر الى الاسواق المالية التي بدأت عام 1976 مع افتتاح النظام الاميركي والذي عوض فيما بعد بنظام سوبر دوت الى اعتماد جل البورصات في العالم انظمة توجيه الكترونية مع الاستعانة بمصادر خارجية كالانترنت، فاعتمدت بورصة تورنتو عام 1977 على نظام الكتروني للتداول ثم بورصة طوكيو 1982 فباريس 1986 واستراليا 1990 الى ان تحولت اليوم غالبية الاسواق الى انظمة الكترونية.
واوضحت ان التطور السريع في انظمة توجيه الاوامر الى الاسواق وانظمة التسوية يتعارض مع بطء التطور في وظيفة التداول التي تخضع لحذر اكبر من جانب الهيئات الاشرافية. تيسير وصول الاوامر الى السوق يمكن من الحد من تأثير الاوامر على الاسعار من خلال زيادة تدفق الاوامر، ويكسب ذلك اهمية قصوى بالنسبة للاسواق الصغيرة، فضعف تدفق الاوامر قد يؤدي في حال استمرار التداول، الى تذبذب حاد في الاسعار، على ذلك فإن وظيفة التداول هي التي تستحوذ على اهتمام الباحثين في مجال البنية المصغرة لاسواق المال والتي تعنى بدراسة تأثير آليات محددة على عملية تشكيل الاسعار.
واشارت الدراسة الى ان المواجهة بين نموذج السوق التي تحركها الاسعار والسوق التي تحركها اوامر البيع والشراء تؤدي الى البحث عن التنظيم المثالي للاسواق الذي يمكن من تحقيق السيولة والكفاءة والشفافية الى جانب تصغير تكاليف المعاملات.
وتوصلت الى ان غالبية الاسواق تعمل حسب واحد من هذين النموذجين مع ادخال اشكال وسيطة، اما بالنسبة للمعايير التي تشرح الفرق فتتلخص في ثلاثة عناصر وهي التوقيت والمناظر ومكان التبادل، وتؤدي هذه المعايير الى التمييز بين سوق مستمرة او غير مستمرة وهي سوق التثبيت بين سوق تحركها الاسعار او الاوامر وسوق مركزية وغير مركزية.
معيار الزمن
واوضحت ان هذا المعيار يميز بين ما اذا كان التبادل مستمر خلال كامل الفترة او يقع في وقت محدد من اليوم، في الحالة الاولى تعرف السوق بالسوق المستمرة اما الحالة الثانية فتعرف السوق بالتثبيت.
النظراء
وبينت الدراسة ان في السوق التي تحركها الاوامر يتكفل بذلك اصحاب المصلحة المواجهة بمعنى الجهات ذات الاوامر العكسية، اما في السوق التي تحركها الاسعار فالنظير هو صانع السوق، مشيرة الى ان السوق التي تحركها الاوامر تسمى بسوق المزاد المزدوج. اوامر البيع والشراء يتم مواجهتها وتنفيذها كلما امكن ذلك، المستثمرون يختارون نوعية الاوامر وفقا لمتطلباتهم من حيث السعر والوقت.
واوضحت ان الاوامر المحددة للسعر تتراكم حسب افضلية السعر والتوقيت، فيما يسمى بسجل الاوامر، هذا الاخير يطرح اوامر الشراء من جهة واوامر البيع من الجهة الاخرى ابتداء من الاوامر الاكثر ملاءمة الى الاقل ملاءمة، فسعر المشتري (البائع) الذي يترأس القائمة هو الاعلى (الاضعف).
وورد في الدراسة مثال لاحد الاسهم المتداولة في سوق البحرين يوم 28 اكتوبر 2008، حيث بينت ان افضل (اعلى) سعر شراء هو 0.635 لـ 2000 سهم، في المقابل افضل (اضعف) سعر بيع هو 0.675 لـ 10000 سهم، يجدر الذكر ان سوق البحرين كمعظم البورصات العربية ومن فترة قصيرة تفصح من دون مقابل عن افضل خمس اوامر بيع وافضل خمس اوامر شراء بحثا عن تقليص عدم تناظر المعلومات.
اذا اصدر احدهم امرا محددا سعره عند 0.675 لشراء 15000 سهم يقع تنفيذ هذا الامر جزئيا باستعمال افضل امر بيع عن سعر 0.675 لـ 10000 سهم ويبقى الامر جاريا جزئيا بالنسبة الى الـ 5000 سهم الباقية الى ان تتم مطابقتها وتنفيذها حسب تطور سجل الاوامر.
وقالت الدراسة ان المستثمر المستعجل يتجه الى الاوامر غير المحددة السعر على عكس المستثمر الصبور الذي يبحث عن سعر افضل مما هو عليه حال السوق. اختياره للسعر يعكس تصوره للسعر الافتراضي للسهم اعتمادا على مراقبته لتطور سجل الاوامر، مما يعني ان المستثمر مطلع على معلومات ذات صلة بالسهم المزمع بيعه او شراؤه، ينجر عن اللجوء الى الامر المحدد السعر فترة انتظاره وتنفيذ غير مؤكد في حال تطور السوق بصفة عكسية تبتعد عن السعر المحدد من طرفه.
واضافت ان المستثمر المستعجل يلجأ الى اصدار امر غير محدد السعر لضمان تنفيذ الصفقة بكل سرعة قابلا شروط الجهة المقابلة من حيث السعر. اندفاع المستثمر المستعجل لا يعني اهماله لناحية السعر، بل بالعكس خوفه من تغيير السعر الى الاسوأ هو الدافع الرئيسي وراء عجلته.
ولفتت الدراسة الى انه يجدر التمييز بين نموذجين من الاسواق التي تحركها الاوامر، يعتمد الاول على نظام المعالجة الآلية والثاني على وسيط مركزي يقوم بكتابة اوامر البيع والشراء على لوحات التداول، حيث تتم عملية اتمام الصفقات عند تماثل اسعار العرض والطلب.
سوق الأوامر
توصلت الدراسة الى ان كل الاسواق الخليجية تعتمد على نظام السوق المستمرة التي تحركها الاوامر، كما تعتمد هذه الاسواق على فترات تمهيدية يطبق فيها سعر التثبيت لمدة تتراوح بين 15 دقيقة و30 دقيقة، يبقى سجل الاوامر غير مرئي الى كل المتداولين ما عدا افضل امر بيع وافضل امر شراء، بينما قامت اسواق البحرين والكويت ودبي وابوظبي بكشف افضل خمس اوامر بيع وافضل خمس اوامر شراء (السعر والكمية) في محاولة لتحسين شفافية السوق وتمكين المتداول من استجلاء اكبر جزء من سجل الاوامر ومن ثم اتجاه السوق.
وذكرت ان عام 1996 انطلق الاتجاه نحو زيادة شفافية الاوامر في الولايات المتحدة الاميركية، حيث اعتمدت لجنة الاسواق المالية قوانين مصممة للحد من عدم تناظر المعلومات خاصة لصغار المساهمين عن طريق كشف سجل الاوامر فيما يخص الاسعار والكميات، وقد مكنت هذه القواعد من تقليص الفارق بين اسعار البيع واسعار الشراء بما يعادل 20% الى 40%، ادت هذه النتيجة الى اتباع جل اسواق المال خطوات مماثلة بحثا عن تحسين شفافيتها ومن ثم سيولتها.
وتابعت: اظهرت العديد من المقالات العلاقة العكسية بين وحدات التزايد وسيولة الاسواق ومن ثم حجم التداول، في هذا الصدد عملت السوق السعودية على تقليص وحدات المزايدة من 25 حالة لكل الاسهم الى 5 حالات للاسهم التي لا يتعدى سعرها 25 ريالا و10 حالات للاسهم التي يتراوح سعرها بين 25 و50 ريالا، مع المحافظة على وحدة مزايدة بـ 25 حالة للاسهم التي يتعدى سعرها 50.25 ريالا.
وطرحت الدراسة تساؤلا حول ما اذا كان خيار الاسواق الخليجية في الاعتماد كليا على سوق مستمرة تحركها الاوامر هو الافضل، خصوصا اذا اخذ بعين الاعتبار حجم هذه الاسواق، وهل ينبغي النظر في ا مكانية ايجاد نظم مرافقة لدعم السيولة ومن ثم الحد من التقلبات الحادة.
وتوصلت الدراسة الى ان استعراض بعض مساهمات نظرية البنية المصغرة لاسواق المال سمحت بالقاء الضوء على مختلف اسباب الازمة الحالية لاسواق المال الخليجية، مشيرة الى ان التقلبات المبالغ فيها في اسعار الاسهم المسجلة اخيرا لا يمكن ارجاعها كليا الى وصول اخبار عن القيمة الاساسية لكنها تعكس جزئيا سلوك الشبه راشدين وغير المطلعين من المتعاملين، بالاضافة الى خاصيات انظمة التداول المستمرة التي تحركها الاوامر ووقعها على تحقيق السيولة والكفاءة، ودعت الدراسة الى انه للتوصل لاستنتاجات ادق ينبغي القيام بالعديد من الدراسات التطبيقية لاستجلاء القضايا التي طرحتها الدراسة والتي من شأنها اقتراح آفاق التطور الامثل لهذه البورصات في ظل المتطلبات الحديثة والحد من التقلبات المبالغ فيها صعودا او نزولا.
واستنتجت انه من الناحية النظرية لايزال منهج البنية المصغرة لاسواق المال بعزلة عن النظرية التقليدية، ويجدر الاتجاه الى النمذجة على مستوى الاقتصاد الكلي مع الاخذ بعين الاعتبار طبيعة المشتركين في التداول، انظمة التداول الحقيقي، وعدم تناسق المعلومات المتاحة من اجل اثرائها وبناء جسور بينهما، لافتة الى ان هذا ما اتجه اليه ايفانز وليونز واوسلير في مجال اسواق الصرف، واختتمت ان نجاح هذه البحوث والنهج الجديد يقتضي قبول افتراضات كانت تعتبر مرفوضة سابقا.