قال تقرير بنك الكويت الوطني إن شهر مايو لم يحمل أنباء سارة من حيث المستجدات الاقتصادية، إذ أدى تفاقم أزمة الديون السيادية في أوروبا وتراجع بعض المؤشرات الأخرى إلى انخفاض أسعار الأسهم حول العالم مجددا، وتراجع مؤشر داو جونز الصناعي خلال شهر مايو وحتى بداية يونيو، منخفضا من نحو 11200 نقطة- المستوى الأعلى له في النصف الأول من العام الحالي- إلى نحو 9800 نقطة، قبل أن يرتفع مجددا إلى مستوى 10 آلاف نقطة حاليا، لكنه مازال متذبذبا.
وأوضح التقرير انه وعلى نحو مشابه، انخفض سعر صرف اليورو من 1.43 دولار في بداية العام إلى نحو 1.2 دولار حاليا (ما يمثل ارتفاعا بواقع 16% للدولار الأميركي)، وقد أدى تجدد الشكوك حول تعافي الاقتصاد العالم إلى انخفاض أسعار الفائدة بشكل إضافي، إذ بلغ العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات، على سبيل المثال، نحو 3.10%، بعدما كان قد وصل إلى 4% منذ وقت قريب.
وبين التقرير انه قد تم تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية لكل من اليونان والبرتغال واسبانيا خلال الربع الثاني من العام الحالي. وقد أدركت هذه الدول، كغيرها- وحتى تلك الأقوى اقتصاديا مثل ألمانيا وفرنسا- أن عليها معالجة وضعها المالي وخفض العجز في ميزانياتها إلى حدود يمكن السيطرة عليها، كي لا تواجه ما واجهته اليونان. وقد تبنت كل حكومة تقريبا في منطقة اليورو (وكذلك في المملكة المتحدة) إجراءات تقشفية. ونتيجة لذلك، بات من المحتمل أن يشهد الاقتصاد الأوروبي المزيد من الضعف، مع انحسار الضغوط التضخمية في ظل بيئة تتراجع فيها الأسعار. لذلك، لا يتوقع أن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة لفترة من الوقت.
وأشار التقرير إلى ان مجلس الاحتياط الفيدرالي وبنك اليابان المركزي انضما إلى البنك المركزي الأوروبي في خيار عدم رفع أسعار الفائدة، فالبنك المركزي الياباني مازال يواجه تراجعا مستمرا في الأسعار، ومازال معدل التضخم في أسعار المستهلك في اليابان سالبا للشهر الخامس عشر على التوالي حتى الآن (وبلغ -1.2% على أساس سنوي في أبريل).
ورغم أن معدل التضخم في الولايات المتحدة مازال موجبا، وبلغ 2.2% على أساس سنوي في أبريل، إلا أن الأسعار لم ترتفع خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، إن كان على مستوى معدل التضخم العام أو الأساس (باستبعاد أسعار المواد الغذائية والطاقة). ما يعني أن ثلاثة اقتصادات من أصل أربعة هي الأكبر على مستوى العالم مازالت تشهد تراجعا أو استقرارا قريبا من الصفر في مستوى التغير في الأسعار لديها.
ولدى البنوك المركزية الرئيسية في العالم سبب إضافي لمواجهة تراجع الأسعار في بيئة الديون المتراكمة تلك، لكون تراجع الأسعار يجعل من الصعب جدا تخفيض حجم الدين ومعدلاته إلى الناتج المحلي الإجمالي (بسبب ارتفاع قيمة الدين بالأسعار الثابتة)، ومن هذا المنطلق، حتى صندوق النقد الدولي حدد مستوى «مرغوبا» لمعدل التضخم يتراوح بين 3% و4%.
وقد تعرضت الأسواق لهزات إضافية، رغم المستويات المرتفعة نسبيا التي بلغتها، نتيجة الضبابية المخيمة على تعافي الاقتصاد الأميركي، إذ صحيح أن نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة قد بلغ 4.1% في المتوسط خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، لكن بيانات الوظائف ومبيعات التجزئة والمساكن في أبريل قد طرحت علامات استفهام حول الفترة المتبقية من العام.
وقد ارتفع عدد الوظائف في أبريل بنحو 431 ألف وظيفة جديدة، لكن هذا الرقم يعتبر مضخما بسبب توظيف الحكومة آلاف العمال بهدف إجراء إحصاءات واستطلاعات- وهو ما تفعله كل عشر سنوات- كما يعتبر هذا التوظيف ذا طبيعة مؤقتة ومتدني الأجور. وباستبعاد هؤلاء، يرتفع عدد الوظائف في أبريل بنحو 21 ألفا فقط، بعدما كان قد ارتفع بنحو 160 ألفا و223 ألفا في الشهرين السابقين.
وقد طرح هذا التباطؤ في معدل التوظيف الكثير من التساؤلات والذي تزامن بضعف مبيعات التجزئة خلال هذا الشهر، إذ انخفضت الأخيرة بواقع 1.2% في أبريل، بينما هوت مبيعات المساكن الجديدة بنحو 30% مقارنة مع الشهر الأسبق.
وتشكل مشاكل الديون السيادية في أوروبا، والخفض المقبل في المصروفات وبرامج التقشف الحكومية، والشكوك حول قوة تعافي الاقتصاد الأميركي في النصف الثاني من العام الحالي (مع انتهاء برامج التحفيز المالي وتبدد آثارها) عوامل يتوقع أن يكون لها تداعيات اقتصادية خلال الفترة المقبلة.
أضف إلى ذلك محاولة الصين كبح ارتفاعات الأسواق لديها، ولاسيما السوق العقاري، والتوقعات ببقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها المنحفضة الحالية وتزايد الضغوظ المتوقعة على اليورو وتذبذب الأسواق المالية. وعلى الرغم من قيام الصين بتحرير عملتها في يونيو، إلا أنها شددت على أن ارتفاع سعر صرف اليوان سيكون تدريجيا. وبالتالي، يتوقع أن يأتي تأثير ذلك على الاقتصاد محدودا وتدريجيا أيضا، لكن يبقى هذا القرار في الاتجاه الصحيح ومن شأنه أن يخفف من درجة التوتر المخيمة على حركة التجارة.
وفي ظل تنامي المخاوف عالميا حول معدلات النمو الاقتصادي والتضخم، فقد تأثرت الاقتصادات الخليجية بشكل غير مباشر بهذه البيئة الاقتصادية نتيجة تراجع أسعار النفط والأسهم، إذ انخفضت الأولى إلى حدود 70 دولارا للبرميل (مع ارتفاع سعر صرف الدولار وتزايد الشكوك بنمو الاقتصاد العالمي). أما مؤشر مورغان ستانلي لأسعار الأسهم الخليجية فقد ظل مرتفعا مقارنة مع مستواه بنهاية العام الماضي، لكن بشكل طفيف، بقيادة السوق السعودي والقطري والكويتي (بينما تراجعت أسواق الإمارات والبحرين عن مستواها بنهاية العام الماضي).