تناول التقرير الشهري لشركة سبائك للإجارة والاستثمار سوق تأجير معدات البناء في منطقة الخليج العربي، والتطورات التي طرأت على القطاع خلال العامين الماضيين جراء الأزمة المالية الأخيرة، بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية لهذه الصناعة في دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد ألقى التقرير، في البداية، نظرة سريعة على السوق العالمي، مشيرا الى أن حجم قطاع تأجير معدات الإنشاء والبناء الثقيلة حول العالم يبلغ 81 مليار دولار تقريبا، ومن المتوقع أن يشهد هذا السوق نموا بنسبة 8.5% خلال العام الحالي بفضل الطلب المتنامي من الأسواق الناشئة، بعد انكماش خلال عام 2009 إثر تداعيات الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصادات المتقدمة حول العالم، وحسب أبحاث أوف-هايواي، المركز البريطاني المتخصص بشؤون معدات البناء، سيأتي أغلب الطلب على معدات البناء في عام 2010 من الصين، حيث من المتوقع أن ينمو سوق التأجير 13%.
أما بالنسبة لمبيعات معدات البناء الثقيلة حول العالم، فمن المتوقع أن تتخطى 517 ألف قطعة، أكثر من نصفها ستتم في الصين، غير أن أكبر نسبة نمو في هذا الإطار سيشهدها السوق الهندي، حيث من المتوقع أن ترتفع المبيعات 34% في 2010، أما في دول أوروبا الغربية، فستصل المبيعات إلى 92.5 ألف قطعة من المعدات بزيادة 7% عن ارقام 2009. كذلك، من المفترض أن ينمو هذا القطاع في أميركا الشمالية بنسبة 3% في 2010 ليصل إلى 78.4 ألف قطعة مباعة، لكن هذا الحجم من المبيعات أقل بكثير من القمة في عام 2008، عندما وصلت مبيعات معدات البناء إلى 210 آلاف وحدة في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، وتعتبر اليابان المنطقة الوحيدة في العالم التي ستشهد انخفاضا في مبيعات معدات الإنشاء في 2010، وذلك بنسبة 9% تقريبا إلى 23.6 ألف قطعة.
صناعة تأجير معدات البناء والأزمة المالية
اما عن أسواق تأجير معدات البناء في دول مجلس التعاون الخليجي، فقد نوه تقرير «سبائك» الى أن الحديث عن معدات البناء ينحصر عادة بالمعدات الثقيلة مثل الأوناش والجرافات والشاحنات والحفارات والسقالات وما شابه، ولا يتناول المعدات الصغيرة مثل المقادح وأدوات الصبغ وغيرها.
ومنذ بداية عام 2010، لاحظ التقرير حدوث تحسن لافت في الطلب على معدات الإنشاء في المنطقة، حتى وإن كان في مستويات أقل بكثير من مستويات 2008 والأعوام السابقة، فقبل الأزمة المالية العالمية التي وصلت إلى دول التعاون في سبتمبر عام 2008، شهدت المنطقة ارتفاعا كبيرا في الطلب على هذا النوع من المعدات بفضل النمو الاقتصادي القوي والطفرة العقارية الضخمة، خصوصا أن قطاع الإنشاءات يهيمن على الحصة الأكبر من مشاريع كافة دول الخليج من دون استثناء، لكن بنسب متفاوتة.
غير أن صناعة تأجير معدات البناء في الخليج، تضررت آخر عامين بسبب الأزمة المالية التي عصفت بأغلب القطاعات، وكان قطاع الإنشاء والمشاريع بين أكبر المتضررين في المنطقة، خصوصا في الإمارات والكويت، وقد تأثر قطاع معدات البناء بفعل تأجيل المشاريع، الأمر الذي دفع الشركات المتخصصة في بيع وتأجير المعدات نحو اللجوء إلى حلول أكثر ديناميكية للتغلب على ضعف الطلب.
وعلى الرغم من أن إجمالي حجم المشاريع في الخليج يبلغ 2.1 تريليون دولار، وفق بيانات مجلة «ميد»، إلا أن التي تم إلغاؤها أو تعليقها وصلت إلى أكثر من 19% من إجمالي حجم المشاريع، وبالنظر إلى توزيع المشاريع الملغاة أو المعلقة بحسب القطاعات، فانه يلاحظ أن معظمها يتركز في قطاع الإنشاء، الذي يشمل القطاع العقاري وبعض أعمال البنى التحتية كالمرافق والجسور وسكك الحديد، فهذا القطاع استحوذ وحده على ما نسبته 80% من إجمالي قيمة المشاريع المعلقة أو الملغاة في الخليج، وتتركز أغلب هذه المشاريع في الإمارات، وخصوصا في دبي.
وقد انعكس تأجيل المشاريع العقارية في الخليج سلبا على حركة بيع آليات ومعدات البناء، إذ تراجعت نسب المبيعات بين 25% و50%، لكن تراجع الطلب على استئجار المعدات كان أقل من ذلك، وقد تراوحت نسبته خلال العام الماضي بين 15% و20%، وذلك بفعل نقص السيولة لدى المقاولين، والتشدد الائتماني لدى المصارف، إذ انتشرت بقوة أزمة تمويل شراء معدات جديدة لدى شركات التأجير المتوسطة والصغيرة، بعد أن ركزت جهات التمويل والبنوك على التحوط أكثر من الفترة السابقة للأزمة تحسبا لأي مخاطر محدقة.
خطة التنمية الكويتية
وفي الكويت انكمش سوق تأجير معدات البناء خلال العام الماضي بسبب تداعيات الازمة المالية على قطاع الشركات، التي وقعت في براثن الديون واستحقاقاتها وبالتالي لجأت الكثير من هذه الشركات خصوصا العقارية منها الى تأجيل او تعليق مشاريع بناء ابراج تجارية عدة، او حتى عمارات استثمارية في حين بقي سوق السكن الخاص مستقرا نوعا ما، لذا وجدت شركات بيع وتأجير معدات البناء نفسها مضطرة لاعادة هيكلة عقود ماضية فقط بانتظار اي عقود جديدة.
غير ان هذا الوضع يبدو انه يسير نحو التغير في عامي 2010 و2011 فمجلس الامة أقر في فبراير الماضي خطة تنمية حكومية تتضمن انفاقا استثماريا بنحو 31 مليار دينار (108 مليارات دولار) على مدى 4 سنوات وتعتبر هذه الخطة الأولى في سلسلة من ست خطط تنموية متتالية يؤمل لها ان تحقق رؤية الكويت الاستراتيجية في التحول الى مركز مالي وتجاري اقليمي بحلول عام 2035.
وبمجرد الاعلان عن هذه الخطة بدأت شركات تأجير معدات البناء تستعد لفترة انتعاش جديدة، وبالفعل تم ترسية عقود حكومية عدة في قطاع الانشاء وبناء المرافق وتطوير البنية التحتية، مما اشاع جوا من التفاؤل في قطاع التأجير، ولا تزال الشركات في انتظار انشاء شركات مساهمة عامة لتطوير المدن السكنية، من اجل تثبيت نمو اعمالها بعد ان تضررت جراء الازمة المالية الاخيرة.
إنفاق الحكومات الخليجية يدعم الطلب
اما في بقية دول مجلس التعاون الخليجي فالوضع مشابه لوضع الكويت تقريبا اذ ان اسواق بيع وتأجير معدات البناء تضررت خلال الازمة المالية كما سبق وذكرنا لكنها تفتش على الانتعاش بفضل الانفاق الحكومي فاللافت ان ثلثي المشاريع المعلقة او الملغاة بسبب الازمة تعود للقطاع الخاص لذا تعتبر اغلب المشاريع الحكومية على المسار الصحيح.
وكانت معظم دول الخليج قد اعلنت عن زيادة في حجم الميزانيات الحكومية للتعامل مع التحديات الاقتصادية المتصاعدة وتتراوح نسبة هذه الزيادات الى اجمالي الناتج المحلي للقطاع غير النفطي ما بين 3% في البحرين و9% في السعودية.
وفي السعودية ايضا من المتوقع ان يرتفع الطلب على المعدات والآليات الثقيلة ومركبات البناء لدعم مشاريع البناء التي تطلقها الحكومة التي خصصت لها ما يقارب 400 مليار دولار وتشمل مشاريع في مجالات مختلفة مثل الرعاية الصحية والبنى التحتية ومرافق النقل والاتصالات.
وفي الامارات لايزال هذا السوق واعد على الرغم من الضرر الكبير الذي لحق في قطاعه العقاري، وتبقى حركة شركات تأجير معدات البناء رهن عودة الحركة في المشاريع في وقت قريب، على اعتبار ان سوق الامارات يحظى بثقة عالية جدا في الاستثمار على المدى البعيد.
اما في قطر فاستمر الاقتصاد في وتيرة نموه رغم الازمة مما جعل بعض شركات تأجير معدات البناء تتجه الى هناك بهدف الاستفادة من عجلة المشاريع المستمرة ولم يشهد سوقا البحرين وسلطنة عمان اي جديد يذكر على هذا الصعيد خلال العام الحالي.
وعن ردة فعل شركات تأجير معدات البناء في المنطقة لتخطي الازمة المالية قال تقرير «سبائك» ان الازمة غربلت سوق شركات تأجير الآليات والمعدات اذ بدأت الشركات المتعثرة تخرج بطبيعة الحال، وذلك كان لمصلحة الشركات الجيدة ذات السمعة الواسعة.
من جانب آخر باتت الشركات تعتمد اكثر على المشاريع الحكومية بعد انخفاض الطلب من الشركات الخاصة بنسبة تصل الى 50% منذ 2009 وحتى الربع الاول من 2010، كما استحدثت خدمات جديدة للعملاء مثل الطلب عبر الهاتف المتحرك لخدمات الصيانة مع توفير الطلبيات وقطع الغيار واستحداث برامج الكترونية متخصصة لادارة العمليات.