بشرى الزين
على مدى اربعين عاما تربع على عرش فنه في الكويت، يرصد ما حوله في صمت وهدوء ويختزل العالم في نظرات عينيه، مسكونا بريشته وقلمه فاختطّ لنفسه طريقا لم يسبقه اليه احد من بني جيله. خجول كما يصفه محبوه وأصدقاؤه لكن عطاءه لامس جرأته وموهبته التي ملأت صفحات أعماله وابداعاته. الكاريكاتور والكاتب المسرحي الزميل عبدالسلام مقبول الذي رأى «ان العطاء ليس منّة ليتباهى به الانسان أمام الملأ وانما واجب تجاه من أحسن اليك»، جاء معرضه الشامل من 1971 الى 2011 تجسيدا لـ 40 عاما من «العطاء في حب الكويت» ويحتفي على طريقته بأعيادها الوطنية الثلاثة. حب الوطن لم يفارق مقبول في مسيرته وتفتقت هواجسه في لوحاته ورسوماته الكاريكاتيرية مسكونة بقضايا الوطن والأمة خطتها يده بحزنها وفرحها وأملها فحضرت فيها محنة الكويت فترة الاحتلال العراقي الغاشم وقضية الأسرى، الى جانبها مذبحة صبرا وشاتيلا وغيرها وفي واجهة أخرى لوحات حملت عناوين «قصة كفاح» و«همس الملكات» ونقل لصور من الطبيعة البرية والبحرية والأسواق التراثية، وتعليقات ساخرة على قضايا سياسية واجتماعية لخصها رواق الرسوم الكاريكاتيرية ايضا والتي أبهرت زوار معرضه في صالة احمد العدواني بعراقة فنه وتاريخ موهبته وانسانيته الكامنة في بساطته وتواضعه. «الأنباء» استطلعت بعض آراء الزوار حول الفنان
وفيما يلي التفاصيل:
زيد الرفاعي الشغوف بزيارة المعارض الفنية دفعه اهتمامه باقتناء اللوحات والاشياء التراثية الى الاطلاع على معرض الفنان الصحافي والمسرحي عبدالسلام مقبول.
رأي الرفاعي ان المعرض يعتبر متنفسا وفضاء للاستمتاع بالحس الفني الرفيع والابتعاد عن الروتين الذي يصاحب الحياة اليومية.
واضاف ان «عبدالسلام مقبول» فنان معروف وله تاريخ فني عريق، مشيرا الى ان ما تحتويه اروقة المعرض خير دليل على موهبته وحرفيته في اقتناء الالوان وخطّ رسوماته سواء الكاريكاتورية او اللوحات الزيتية.
ودعا الرفاعي الى زيادة تنظيم المعارض الفنية في الكويت حتى يتمكن الفنانون والمهتمون بالاطلاع على ما تكتنزه الكويت من كفاءات ومهارات في مختلف الالوان الفنية.
اما المهندسة والمصممة والفنانة مريم الغيث التي تعمل في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب فمكنتها الصدفة من ان تكون اول من تطلع على اعمال الفنان عبدالسلام مقبول التي يحتويها معرضه لدى مشاركتها في ترتيب وتنظيم المعرض.
وانطلاقا من حسها الفني ودراستها في هذا المجال قالت في وصفها لاعماله «ريشة الفنان قوية» لان قوتها مستمدة من نقله للواقع بدقة متناهية سواء في رسمه للطبيعة الصامتة او تقاسيم الوجه في «البورتريه» او غيره مضيفة ان كل ذلك يبرز قوة تحمله وصبره وقدرته على الرسم.
ورأت ان ما ميّز لوحات الفنان عبدالسلام مقبول هو ادراجه لفكرة جديدة تتعلق بوضع اطار البورتريه «مثلا» داخل اطار وعدم الاكتفاء برسمه منفردا بل وضع ضمن مجموعة افكار واضافات سبق بها ما تسهله التكنولوجيا التصويرية وتضيفه من «رتوش».
حرفية عالية
رسام الكاريكاتور في الزميلة «القبس» كفاح محمد وصف صاحب المعرض بأنه معلم في مجال الفن الكلاسيكي وفنان دقيق جدا في التعامل بحساسية شديدة مع الاشكال والالوان ويمتلك حرفية عالية في مجال استخدام اللون والتشكيل وتشريح الاجسام. واضاف ان اللوحات المرسومة بالابيض والاسود من اصعب الفنون التشكيلية وعلى الفنان ان يبين كل تدرجات الالوان من خلال لون واحد هو الاسود، موضحا ان هذا ما يؤكد ان الفنان عبدالسلام مقبول متمكن جدا في هذا المجال ويكاد يكون الوحيد في الصحافة الكويتية المخلص لتقاليد الفن الكلاسيكي.
اما زميل المهنة والدراسة في الولايات المتحدة رسام الكاريكاتير عبدالرضا كمال بدأ حديثه عن ذكرياته مع الفنان عبدالسلام مقبول حيث بدأ مشوارهما قبل 40 عاما حين عملا في مجلة «مرآة الأمة» في العام 1971 ولم يكن احد حينذاك يمارس فن الكاريكاتير في الكويت.
وتابع كمال اثناء عملنا في مجلة «مرآة الأمة» كنت ارسم الكاريكاتير ذي الطابع الاجتماعي في حين كان عبدالسلام مقبول يخط ما هو سياسي علما ان الاتجاهين متداخلين.
واشار الى انهما اقاما اوائل المعارض على مستوى الخليج في الاعوام 1972 - 73 - 74 في وقت لا احد يعرف فيه عن الكاريكاتير قبل استقدام فنانين فيما بعد، لافتا الى ان ما يميز الفنان هو توظيفه لافكاره التقليدية في حب الوطن حيث تظهر فلسفة خياله في هذه اللمسة العاطفية تجاه الكويت، ايضا في كتاباته ورسوماته.
مسكون بالفن
الشاعر الغنائي ناشي الحربي استذكر «صديق العمر» عندما كانا زميلين في المدرسة بمدينة المقوع واسترجع ذكريات الطفولة في وصف الفنان عبدالسلام مقبول بأنه «مسكون بالفن» منذ صغره فقد كان هادئا يختزل العالم في عينيه.
واضاف ان مقبول يشعرك دائما بأنه مشغول بأمر ما في داخله ويرصد ما حوله في سكون وخجل، مبينا انه اضافة الى ابداعاته في الرسم فإن له ميولا مسرحية وفي الاخراج الصحافي ما يمنحه قوة في فنه ويستحق ان نطلق عليه فنانا «بمعنى الكلمة» مذكرا بصدق فنه الذي يتجلى في «الحميمية» في حبه لوطنه وما تتناوله لوحاته من رسم لشخصيات وشيوخ وطبيعة برية وبحرية تلخص ما يحمله قلبه من حب للكويت.
وأمل الحربي ان يمنح الفنانون امثال عبدالسلام مقبول اهتماما وتشجيعا وتكريما افضل على عطائهم اللامحدود للفن الكويتي.
الفنان مُدلّل
قالت الفنانة مريم الغيث ان الفنان عليه ان يتقبل النقد بصدر رحب سواء الإيجابي أو السلبي، مشيرة الى ان الفنان الكويتي مُدلّل الى أبعد الحدود.
وذكرت انه مادام العمل معروضا على الجمهور بشكل عام فإن الأمر يتطلب استيعاب الآراء بمختلف اتجاهاتها سواء من فنان أو متذوق أو مطلع على الفن.
واعتبرت ان هناك معوقات اجتماعية وتربوية تحول دون بروز وتطوير الفن بأشكاله علما ان مهد الفن كان في العالم الإسلامي واقتبسه الغرب وأصبح رائدا فيه.
أولمبياد الفن التشكيلي
وعيا منها بأهمية الفن ودوره وتلمسا لواقعه في العالم العربي بادرت الفنانة مريم الغيث بتقديم بحث بعنوان «أولمبياد الفن التشكيلي» الى منظمة اليونسكو لعرض سلبيات وأسباب تعثره.
واضافت ان البحث يشمل أيضا تسليط الضوء على بعض القطاعات الفنية كالموسيقى والسينما التي أصبحت لها جوائز وتقام بشأنها ملتقيات دولية للإبداع والمنافسة مذكرة بأن فكرتها في هذا البحث تتركز أيضا حول استخدام مواد بعد اعادة معالجتها في التزيين بها كإكسسوارات ومجوهرات، ما لاقت ترحيبا من المنظمة حيث اعتبرت الفنانة مريم الغيث ثاني من تقدم بهذه الفكرة بعد مواطن صيني.
نصب تذكاري
كنت طفلا صغيرا عندما كان العم عبدالسلام مقبول يلتقي والدي والعم عبدالرضا كمال في باحة ملحق صغير ببيت جدي في منطقة الروضة.
كان والدي الشاعر ناشي الحربي يرش باحة المنزل بالماء لإضفاء جو بارد على المكان الذي نجتمع فيه.
هكذا يتذكر مشعل الحربي لقاءات «الثلاثة» كما وصفها الفنانان الكاريكاتوريان عبدالسلام مقبــــول وعبدالرضا كمال ووالد الشاعر ناشي الحربي بعد صلاة عشاء كل يوم يقول «شهادتي مجروحة في العم بو أحمد الذي يعـــد من أحسن الرسامين في تاريخ الكويت والتي أعطاها من جهده وفنه الكثير ويستحق نصبا تذكاريا تكريما لعطائه اضافة الى ان فنه زرع فينا حب الكويت والتشبث بالهوية الوطنية.