- وجوب السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين أصل من أصول العقيــدة الصحيحـة فلا ديـن إلا بجمــاعة ولا جمـاعة إلا بإمـامة ولا إمامة إلا بسمع وطاعة وألزم ما يكون ذلك عند ظهور بوادر الفتن
- ابن تيمية كان شديد التحذير من الخروج على الولاة ونزع اليد من الطاعة رغم تعرضه للإيذاء من قبل السلطة لنشره عقيدة أهل السنة والجماعة ورده على الفرق الضالة وسجن بسبب ذلك مراراً حتى مات محبوساً بقلعة دمشق
أسامة أبوالسعود
أكد وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية المساعد لشؤون المساجد وليد الشعيب حرص الوزارة ممثلة بقطاع المساجد على تناول القضايا المختلفة التي تمر بها البلاد من خلال منابر المساجد.
واوضح الشعيب ان القطاع عمم في خطبته المذاعة والمنقولة فضائيا والموزعة على ادارات المساجد لهذا الاسبوع بعض القيم والمفاهيم التي يجب تحلي المواطن بها، وفيما يلي نص الخطبة:
معاشر المسلمين
ما من أمة من الأمم الا وتطمح لنيل المعالي والمجد، وترنو الى مدارج العز والسؤدد تبذل قصارى جهدها وتقدم ارواحها واموالها اثمانا لتحقيق امنياتها، ولتصل الى تطلعاتها في الوحدة والتماسك، والتعاون والتكاتف. ولقد كانت امة الاسلام مثالا يحتذى، واملا يرتجى، لكل شعب من الشعوب التي ترغب في العيش الكريم وتسمو الى تحقيق اهدافها في الحضارة والبناء، اذ كانت امة الاسلام متمسكة بكتاب ربها ذي الجلال والاكرام، ومقتفية هدي نبيها صلى الله عليه وسلم، قامت على عقيدة صحيحة واعمال صالحة وصدق في الاقوال والاعمال، واخلاص في النيات والافعال، انضوى تحت رايتها الرومي والحبشي وتآخ في ظلالها العربي والفارسي مستجيبين لأمر ربهم عز وجل: (انما المؤمنون اخوة).
معاشر المؤمنين، لقد احاط الاسلام المجتمع المسلم بسياج منيع من داخله، يحول دون تصدع بنيانه وتزعزع اركانه، فاقام الضمانات الواقية، والحصانات الكافية الحائلة دون معاول الهدم والتخريب ان تتسلل الى جبهته الداخلية، فتعمل عملها هدما وتخريبا، وفرقة وتأليبا، وطالب اهل الاسلام بأن يرعوا حق الايمان والاخوة، وان يصلحوا ذات بينهم، وان يحفظوا ألسنتهم من الوقوع في اعراض المؤمنين، وان يقفوا سدا منيعا امام الجرائم المدمرة، والامراض الاجتماعية الفتاكة التي تأتي على بنيان المجتمع من القواعد، وتحوله الى مجتمع صراع دائم، وتفكك مستمر، واحن متكاثرة وفئات متناحرة. وويل للمجتمع يومئذ من اعدائه المتفرجين من بعد، حيث سيكون لقمة سائغة لهم.
أيها الأحبة.. إن مما ينبغي التأكيد عليه والتذكير به، لاسيما عند ظهور بوادر الفتنة، وجوب السمع والطاقة لولاة أمر المسلمين، اذ هو أصل من اصول العقيدة الصحيحة، فلا دين الا بجماعة ولا جماعة إلا بإمامة ولا إمامة الا بسمع وطاعة، وقد كان السلف يولون هذا الامر اهتماما خاصا نظرا لما يترتب على اغفاله أو الجهل به من الفساد العريض في العباد والبلاد.
عباد الله.. يقول الحق سبحانه (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
قال ابن عطية في تفسير هذه الآية: «ان الخطاب موجه الى الرعية فأمر بطاعته عز وجل وهي امتثال أوامره ونواهيه، وطاعة رسوله وطاعة الامراء». وقال النووي رحمه الله تعالى: المراد بأولي الأمر من أوجب الله طاعته من الولاة والامراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم.
فالآية دالة على وجوب السمع والطاعة لولاة الامر في غير معصية الله عز وجل، كما أشارت الى ذلك السنة الشريفة، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره الا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
وهذا يعني ان سمع كلام الحاكم وطاعته واجب على كل مسلم سواء أمره بما يوافق طبعه أو لم يوافقه بشرط ألا يأمره بمعصية، فإن أمره بها فلا تجوز طاعته، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، ولا يفهم من ذلك انه اذا أمر بمعصية فلا يسمع له مطلقا في كل أوامره، بل يسمع له ويطاع مطلقا الا في المعصية فلا سمع ولا طاعة.
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك». أي تجب عليك طاعة ولاة الامور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية في حالتي الرضا والسخط والعسر واليسر والخير والشر.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ان ظلمك (أي ولي الأمر) فاصبر، وان حرمك فاصبر»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «اصبر وان كان عبدا حبشيا» وعن بعض السلف: «اسمع واطع وان جلد ظهرك وأخذ مالك».
معاشر المؤمنين.. إن سلف هذه الأمة كانوا يدركون هذا الاصل العظيم، ويطبقون هذا المنهج القويم مع ولاة أمر المسلمين، فهذا الإمام أحمد بن حنبل امام أهل السنة رحمه الله، يعذب في الله ويسجن ويضرب ليقول بخلق القرآن وهو خلاف عقيدة أهل السنّة والجماعة، اذ ان القرآن هو كلام الله ليس بمخلوق والكلام صفة من صفات الله عز وجل حتى جاءت المعتزلة وقالت بخلق القرآن واعتقد خليفة المسلمين آنذاك بهذه العقيدة واختبر الناس عليها ومع ما جرى للإمام أحمد بن حنبل، فعندما جاءه نفر من فقهاء بغداد وشاوروه في ترك الرضا بإمرة الواثق (الخليفة آنذاك) وسلطانه الذي أظهر القول بخلق القرآن ودعا اليه وأمر بتدريسه للصبيان في الكتاتيب وقرب من القضاة وغيرهم من قال به وعزل وأبعد من خالفه، فأنكر عليهم الامام احمد وأكثر من نهيهم عن ذلك، وقال: «لا تخلعوا يدا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا» وقال رحمه الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ضربك فاصبر، وان حرمك فاصبر، وان وليت أمره فاصبر».
وأما شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله الذي عاش في زمن كانت السلطة فيه لديها قصور وتقصير بين، بل انه رحمه الله أوذي من قبل السلطة بسبب تقريره ونشره لعقيدة أهل السنة والجماعة ورده على الفرق الضالة، وسجن بسبب ذلك مرارا حتى مات محبوسا بقلعة دمشق.
ومع ذلك كان شديد التحذير من الخروج على الولاة ونزع اليد من الطاعة فقال رحمه الله: «ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأمة وقتالهم بالسيف، وان كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الاحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفساد بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان الا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته».
فإن كان هذا شأن العلماء مع مخالفيهم من الولاة في مسائل الدين والشرع، فكيف بحالنا اليوم ونحن نتعامل مع قضايا دون المعتقدات والمسائل الشرعية.
عباد الله، ان الحكمة في الأمر بطاعة ولي الأمر عظيمة، فبطاعته تتفق الكلمة، وبمعصيته تتفرق، وكما ان طاعته فيها مصلحة الدين والدنيا فإن في مخالفته فساد الدين والدنيا، وكما أن الله سبحانه قد أمر بطاعة الأمراء والولاة أمر كذلك بالنصح لهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فحب صلاحهم، ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل.
ومن النصيحة لأئمة المسلمين: إعانتهم على ما حملوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، وإسداء المشورة النافعة لهم ودعوتهم إلى الخير وتنبيههم على الخطأ، والدعاء لهم بالصلاح والإصلاح، والاستقامة والتسديد في الأمر، فإن الدعاء لهم من أعظم النصيحة وهو دأب السلف الصالح.
يقول الفضيل بن عياض: «لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان». ونقل مثل ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وحوب، فاستغفروه وتوبوا إليه انه كان للأوابين غفورا.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة لعباده المتقين، ولا عدوان إلا على القوم الظالمين، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وسيد الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واعملوا بطاعته ورضاه فإن الله ينصر من توكل عليه، ويؤيد من لجأ إليه ويغيث من ناداه ويجيب المضطر إذا دعاه.
أيها المسلمون
اعلموا أن وحدة الأمة أمانة في أعناقنا كما قال الحق سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ونحن مسؤولون عنها أمام الله: أحفظنا أم ضيعنا؟ فعلينا أن نعمل بجد وصدق، وإخلاص ومثابرة، لنعيش الإيمان الذي لا يعرف التردد، والوحدة التي لا تعرف التفرق، والشورى التي لا يخالطها استبداد، والتضامن الذي لا تلامسه أثرة، لنتعاون على البر والتقوى، ونتناه عن الإثم والمنكر والعدوان، ولنكن يدا على من سوانا: ديننا الإسلام، ومنهجنا القرآن وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتكن آمالنا مشتركة، وآلامنا مقتسمة.
ليعطف فينا الغني على الفقير، ولينصر القوي منا الضعيف، وليرحم كبيرنا صغيرنا، وليوقر صغيرنا كبيرنا، ولنجتمع على كلمة الحق وننبذ ما دونها من الباطل، لتجمعنا أخوة الإسلام، وتربطنا رابطة الرحم والقرابة، وتقودنا الأخلاق الكريمة: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ـ الأنبياء: 92).
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا: يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» رواه مسلم وأحمد واللفظ له من حديث أبي هريرة.
معاشر المؤمنين..
يجب على الجميع أن يوطد ويعمق معاني الوحدة والتماسك، كل يحرس هذه النعمة بحسب موقعه ومركزه وعلى الجميع أن يستشعر نعمة الأمن والأمان، والوحدة والتماسك، واعلموا أن من يسع لنشر الفرقة بين الأمة فإنه يسعى لإضعاف العوامل التي ينبني عليها أساس الأمن والأمان، والوحدة والتماسك، واعلموا أن في الاجتماع البركة، وفي التفرق الضعف والخذلان، ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار.
هذا وصلوا وسلموا على نبي الهدى، والصفي المجتبى كما أمركم ربكم جل وعلا فقال في محكم تنزيله وأصدق قيله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما(.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا وأن نعمل صالحا ترضاه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
اللهم وحّد قلوبنا، واجمع على الخير كلمتنا، وطهر ألسنتنا، وأصلح ذات بيننا، وأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين أجمعين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم وفق أميرنا وولي عهده لهداك، واجعل عملهما في رضاك.
اللهم احفظهما بحفظك، واكلأهما برعايتك، وألبسهما ثوب الصحة والعافية والإيمان، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.