يبدو أن حرارة الوضع السياسي في الكويت مازالت عالية حتى بعد جلسة 5 يناير الماضي، فقد انعكست هذه الحرارة على مناقشات الندوة التي أقامها الصالون الإعلامي الاثنين الماضي والذي استضاف فيها كلا من جاسم العون وزير الكهرباء والمواصلات الأسبق، وعبدالوهاب الهارون الوزير والنائب الأسبق، ود.شفيق الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، حيث قدم الضيوف قراءة في الواقع السياسي خصوصا أن الساحة السياسية قد شهدت في الآونة الاخيرة عددا من الصدامات التي أدت في النهاية إلى تقديم استجواب لسمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد انتهى بتوقيع عدد من النواب على مذكرة عدم تعاون مع رئيس الحكومة.
في البداية وجه الأمين العام لهيئة الملتقى الإعلامي العربي ماضي الخميس سؤالا للضيوف الثلاثة عن رؤيتهم للوضع السياسي الكويتي حول ما أسماه «ما بعد الأزمة»، حيث أكد الوزير والنائب الأسبق جاسم العون أن الاستجواب الذي تم تقديمه إلى سمو رئيس الوزراء كان من المفترض أن يقدم إلى الوزراء المعنيين حيث أن الاستجواب ارتكز على محور واحد وهو انتهاك الدستور والتعدي على الحريات العامة على خلفية طلب رفع الحصانة عن بعض النواب وما حدث في ديوان جمعان الحربش، مضيفا أنه كان من باب أولى أن يقدم الاستجواب إلى الوزير المعني، مشيرا إلى أنه كان يفترض على وزير العدل أن يوضح للنائب العام أن طلب رفع الحصانة فيه شبهة دستورية.
كما اشار العون الى انه كانت هناك اوامر سامية صدرت من صاحب السمو الامير للتعامل مع الاوضاع وانه عندما يصدر امر من صاحب السمو الامير فعلينا السمع والطاعة ولكن كان يجب على الجهات المنفذة للاوامر السامية ان تتعامل مع الاوضاع بشكل مختلف، وشدد العون على ان رئيس الوزراء ليس محصنا ضد الاستجوابات ولا الوزراء، لكن عندما نفكر في استجواب رئيس الوزراء لابد ان يكون الاستجواب على جانب كبير من الاهمية القصوى وان يكون الحدث حدثا جللا.
وتمنى العون ان تلتفت السلطتان الى الكويت والى مشاريع التنمية فيها، مؤكدا انه لا شك ان النائب يتمتع بسلطات كبيرة، لكن ما شهدناه مؤخرا من قبل بعض الاعضاء كان تركيزا على الشق الرقابي فقط واهمالا وتغييبا للشق التشريعي، مؤكدا على ان الصلاحيات الممنوحة للنواب لم تستغل كما ينبغي حتى الآن.
من جانبه، صرح الوزير والنائب الأسبق عبدالوهاب الهارون بأن هناك حالة من اليأس والإحباط، ولا نعرف ماذا سيحدث في البلاد فقد خلقنا شيئا من لا شيء، مضيفا أنه لم يكن هناك غياب للحكومة عن جلسة رفع الحصانة فإن حضور وزير واحد عن الحكومة لا يعني عدم حضور الحكومة للجلسة. وتساءل الهارون عن جدوى تحويل القضايا والخلافات السياسية من المجلس إلى الشارع، مشددا على أن هذا عمل غير برلماني فإذا عطل البرلمان أو تم حله فلينزل النواب إلى الشارع، متسائلا حول دستورية نزول النواب إلى الشارع وأنه ليست هناك مادة في الدستور تؤيد ذلك، مشددا على أن هذا الأمر أمر مرفوض وقد أدى إلى عدد من الاحتكاكات التي كان أبرزها ما حدث في ديوان الحربش.
كما اشار الهارون الى ان الاستجواب فيه شبهة دستورية لأنه كان يجب ان يستجوب الوزير المختص وعدم القفز لاستجواب رئيس الوزراء، موضحا ان الدستور حدد آليات وحالات استجواب رئيس الوزراء، من جانب آخر قال الهارون انه رغم المكاسب السياسية التي شهدتها الكويت الا انه قد تم استجواب رئيس الوزراء 8 مرات خلال 4 سنوات، وهذا لم يحدث في اي برلمان بالعالم.
أما أستاذ العلوم السياسية د.شفيق الغبرا فقد أبدى عدم تفاؤله، مؤكدا أن الوضع معقد ويصعب اختزاله بسهولة وسيبقى معقدا بل وسيزداد تعقيدا، مشيرا إلى أن الصراع السياسي في حقيقته ناجم عن صراع آخر وهو ما أسماه بـ «صراع الكتل الاجتماعية»، موضحا ان القبائل قد باتت تشكل كتلة تشعر بأن لها حقا يجب المطالبة به وعدم السكوت عنه، من هنا خرجت قضايا عديدة إلى السطح لم تكن لتخرج لولا نشوء هذا التكتل، وأضاف د.الغبرا أنه لا يمكننا أن نلوم النتيجة ولكن ينبغي أن نبحث في السبب، مشددا على أن بلدان العالم تشهد مثل هذا الحراك السياسي ولكن تختلف تأثيراته، باختلاف بعض الأسس منها التعليم والثقافة والتنمية، وأن هناك دولا استوعبت هذا الحراك عن طريق احترام عقول الناس والاهتمام بالثقافة والمستوى التعليمي والحق والمساواة.
واشار الغبرا الى ان الخلل واقع في البناء الاجتماعي ويزداد عمقا وإذا لم تكن هناك كفاءة إدارية فسوف يزداد الوضع السياسي سوءا، وبين الغبرا أن الحالة الراهنة تحتاج الى خلق ثقافة مجتمعية تنظر للإنسان على أنه انسان فقط بغض النظر عن العرق واللون والطائفة.
وقد شهدت الندوة عددا من المداخلات التي تناولت جوانب من تفاصيل المشهد السياسي في الكويت حيث كانت المداخلة الأولى من الكاتب الصحافي أحمد المليفي حول أن بداية الشرارة كانت في طلب رفع الحصانة الذي ادخلنا في متاهة دستورية حيث كان من المفترض تحويل هذا الطلب إلى المحكمة الدستورية للفصل في دستوريته، كما اكد على عدم التقليل من حدث من الأحداث فلم نكن نتوقع ان نرى مثل هذه المصادمات والمشاحنات التي رأيناها في الكويت، مشددا على أن الصراع اكبر من كونه صراعا سياسيا وان سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد ضحية لصراعات اخرى وانه ليس له يد فيما يحدث على الساحة.
ومن جانبه تساءل د.الحميدي قناص عن دور النخب السياسية التي تفتقدها الكويت مشددا على ان غياب النخب عن الاحداث المهمة يضر كثيرا بالبلاد.
اما المدون داهم القحطاني فقد أكد ان المشكلة هي ان النظام السياسي كله متقدم على المجاميع الشعبية، والكويت إلى الآن ليس فيها قانون ينظم العمل السياسي.
ومن جانبها أكدت الاعلامية نظيرة العوضي ان الكويت تحتاج حاليا الى تعاون جاد بين السلطتين من اجل تقديم الحلول الجذرية لمشاكل الواقع السياسي ومن اجل المضي قدما في العملية التنموية.
وقد اكد الكاتب الصحافي سعود الراجحي على أهمية المواطنة وغرس روح المواطنة في المجتمع.
وأشارت الإعلامية فاطمة حسين الى ما أسمته «انحدار مستويات التعليم» معتبرة ان ذلك عامل أساسي وقاطع في تدهور الحالة السياسية في البلاد، لأن التعليم الجيد له قدرة على تأسيس مجتمع قوي وبيئة سياسية تتسم بالوعي.