- الفيلي: الإشكالية الحقيقية ليست في منظومة القوانين ولكن في ثقافة سائدة تنظر للمتهم على أنه إنسان سيئ يجب معاملته بشدة
- الوسمي: علينا إيجاد ضمانات حقيقية لجميع المتهمين ولا يمكن أن نقبل بأقل من استقالة وزير الداخلية في واقعة المطيري
أسامة دياب
اعرب رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الأمة النائب فيصل الدويسان عن عميق أسفه لما وصلت إليه الأمور في وزارة الداخلية في حادثة لا تمثل إلا اصحابها الذين مارسوا دورا شخصيا بتعذيب مواطن بريء نتج عنه إزهاق روحه، متوجها بخالص العزاء لأسرة الفقيد، موضحا أن دم المطيري سينير الطريق ويحفظ كرامة بقية الكويتيين، مشددا على أن مثل هذا الحادث الفردي لن يؤثر على ثقتنا في وزارة الداخلية التي تزخر بالعديد من الشرفاء والكفاءات التي حافظت على أمن الكويت داخليا وخارجيا.
جاء ذلك في مجمل كلمته خلال الندوة التي أقامها التجمع الكويتي المستقل مساء أمس الأول في مقر التجمع بمنطقة الشويخ بعنوان «المؤسسات الأمنية وحقوق الإنسان» بحضور اعضاء التجمع ولفيف من الشخصيات العامة والمهتمين بالشأن العام.
القصاص من المجرمين
وأشار الدويسان الى أن الدور الهام يقع على عاتق القيادة السياسية ومجلس الوزراء ووزير الداخلية في المقام الأول للقصاص من المجرمين والأخذ بدم المغدور ليعيش كل مواطن ومقيم على أرض هذا الوطن عيشة آمنة ويطمئن أن الإجراءات التي ستتخذ ضده ستكون وفق القانون ودون تجاوزه، مشيرا للدور المنوط بأعضاء مجلس الأمة في سبيل الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته وتعزيز ثقافة احترام حقوق الإنسان والمؤسسات العقابية، لافتا إلى أنه تقدم باقتراح لإنشاء هيئة مستقلة تحت عنوان الديوان الوطني لحقوق الإنسان تنفيذا للكثير من التوصيات التي خرج بها مؤتمر جنيف والمراجعة الدولية التي تمت على ملف حقوق الإنسان ووفق مبادئ باريس، إلا أن الحكومة تقاعست عن إنشاء هذه الهيئة بالرغم من وعدها على لسان وزير الشؤون.
وبين أنه سيتقدم بمشاركة عدد من النواب بمقترح لإنشاء هيئة الإصلاح والتنفيذ الجنائي ينتقل بمقتضاها الإشراف على قطاع المؤسسات العقابية لوزارة العدل بدلا من وزارة الداخلية وذلك أسوة بالعديد من الدول المتقدمة، لافتا إلى أن مثل هذا الإجراء ليس تشكيكا في وزارة الداخلية، موضحا أن لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة ستلتقي بشكل عشوائي بعدد من السجناء في السجن المركزي وسجن الإبعاد للتعرف على مدى التزام المؤسسات العقابية بحقوق الإنسان.
وشدد على أن للكويت سجلا رائعا في الحفاظ على حقوق الإنسان بالرغم من بعض الخروقات التي تحدث في أكبر الدول الديموقراطية فمعتقل غوانتانامو كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما انه وصمة عار في تاريخ أميركا ولا ننكر وجود تجاوزات وتعذيب لبعض الملونين وذلك بالرغم من أنها من كبريات الدول ديموقراطية.
التعذيب جريمة دولية
وبين أن التعذيب جريمة دولية ينتفض العالم من أجلها وتلقى اهتماما دوليا كبيرا، مشيرا لاقتراح النائب د.وليد الطبطبائي بإنشاء مركز لرصد حالات انتهاك حقوق الإنسان، موضحا أن الأولى بالنائب الفاضل هو حضور اجتماعات لجنة حقوق الإنسان بالمجلس التي لم يحضر منها إلا اجتماعا واحدا الذي وزعت فيه المناصب، مشيرا لعضو آخر في اللجنة لم يحضر أيا من اجتماعاتها، مطالبا النواب بمد يد العون للجنة.
وأوضح أن ثقافة حقوق الإنسان لا تنهض إلا في ظل مجتمع يحترم الرأي الآخر ولا يضيق بالأقليات ويحترم حقوقها ويؤمن بالمساواة، فكيف ندين التعذيب كمنهج في وزارة الداخلية ونحن نضيق بعضنا بالبعض الآخر، تضيق الأقلية برأي الأغلبية ولا تحترمه، وطائفة تضيق بطائفة وتريد أن تضيق عليها، وفئة من المجتمع ترفض أن تتساوى بها الفئات الأخرى وبعض يرى نفسه مواطنا «سوبر» وباقي المواطنين من الدرجة ثانية، مشددا على أنه لا يمكن الاهتمام بثقافة حقوق الإنسان في ظل عقول لا تحترم هذه الثقافة التي تعتبر ثقافة كلية تعتمد الديموقراطية والتعددية كمنهج لها.
رسالة للمؤسسة العسكرية
وفي رسالة للمؤسسة العسكرية قال: إن متطلبات الرجولة العسكرية ليست بتعزيز ثقافة العنف والقوة في التدريب ولكن المطلوب هو زرع القوة في الأجسام وزرع العدالة في النفوس والإبداع الاجتماعي في العقول، مطالبا وزير الداخلية بإعادة بناء الثقة في وزارته بعد أن تهاوت هذه الثقة بتحول قضية شخصية لقضية انتقام وتعذيب، لافتا إلى أن على الوزير أن ينشئ مكتبا ملحقا به مباشرة لتلقي الشكاوى بانتهاكات حقوق الإنسان ليكون هناك درس قاسٍ لكل من تسول له نفسه بتجاوز حقوق الإنسان.
وأوضح أن على إدارة الإعلام الأمني بوزارة الداخلية أن توجه بعضا من حديثها لمنتسبي الوزارة فالإعلام الأمني لا يخص المواطنين فقط، مبينا أننا أمام فرصة مواتية لمحاسبة النفس يجب أن نستغلها بشكل سليم لنخلق مجتمعا بلا تجاوزات وديموقراطية بلا شوائب.
احترام القانون
بدوره أوضح الأمين العام المساعد للتجمع الكويتي المستقل المحامي دعيج الجري أن التجمع يرفض بشكل قاطع نهج التعذيب وإهانة كرامة المتهم مهما كانت جريمته، معربا عن أسفه لما حدث في قضية الفقيد محمد المطيري من تعذيب وإيذاء جسدي مورس بحقه وأدى الى وفاته بصورة بشعة.
وشدد الجري على احترام التجمع للقانون والمؤسسات التي تنظم الحياة العامة في الدولة، موضحا أن قضية الفقيد المطيري تحتاج الى وقفة جاد من التفكير حول مستقبل مؤسساتنا الأمنية، مؤكدا دعم واحترام التجمع لكل الاجراءات القانونية والرسمية التي تم اتخاذها في معالجة هذه القضية والكشف عن حقيقة ما جرى ومحاسبة المقصرين.
وأشار الى أن التجمع الكويتي المستقل ينطلق من 3 مبادئ وهي الوحدة الوطنية والتنمية والاعتدال، وأضاف أن هذه المبادئ هي المرتكزات الحقيقة التي من خلالها يتقدم ويتطور المجتمع ومؤسساته المدنية والحكومية، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة احترام وقبول الرأي والرأي الأخر مهما اختلفت وجهات النظر، وأن الديموقراطية الحقيقة تحترم رأي الأغلبية، مطالبا النواب باحترام رأي الأغلبية وطرح الحلول التنموية وانتهاج النهج الهادئ في إقناع الطرف الآخر.
وناشد سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بعين الرأفة والعفو لتخفيف العقوبة عن الكاتب الصحافي محمد عبد القادر الجاسم ود.عبيد الوسمي مثلما تم التخفيف عن النائب السابق د.بادي الدوسري.
حالة ثقافية
ومن ناحيته قال الخبير الدستوري د.محمد الفيلي اننا نعيش في وسط حالة ثقافية لا يمكن إنكارها فمجتمعنا لايزال يرى في القوة قيمة بذاتها تستحق الاحترام، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى الخلط والربط بين «الجلافة» والعمل البوليسي على حد وصفه، مشيرا إلى أن المؤسسات الأمنية تعيش حالة من الإغراء بالانحراف وذلك بسبب طبيعة وظيفتها التي تحتم عليها حماية النظام العام والتعامل مع الشبهات الجنائية وصولا إلى إنهاء عملها بالسرعة المطلوبة.
وأوضح الفيلي أن مسؤوليات جهاز الشرطة كبيرة، وهناك عدد من الأفكار الخاطئة عن هذا الجهاز ليس في عقول الجمهور وحسب وانما في الجهاز نفسه، وهذا ما يدفعنا للخوف حقيقة على حقوق الإنسان من المؤسسات الأمنية وذلك لا يعني أن كل المنتسبين للمؤسسة الأمنية أشرار ولكنه نتيجة الثقافة المسيطرة على المجتمع، وجو العمل داخل هذه المؤسسة يساعد ويدعو إلى احتمال التجاوز على حقوق الإنسان.
اعتراف وإرادة جادة
وبين أن كل المجتمعات المتقدمة والديموقراطية والتي تنادي دائما بحقوق الإنسان تشهد من وقت لآخر تجاوزات صريحة في هذا الموضوع، وأضاف أن العلاج يكمن أولا في الاعتراف بوقوع هذه الجريمة وإرادة جادة في التعامل معها، وخصوصا أنه من حسن الحظ أن الحادثة كانت استثناء من القاعدة وفردية أيضا، معتبرا ظاهرة الغضب الشعبي والسياسي من جراء الجريمة البشعة ظاهرة صحية، لأنه كانت نتيجة ردة فعل إنسانية، والمجتمعات التي لا يحدث فيها غضب وردة فعل مشابهه عليها السلام!
ولفت إلى أن الدستور الكويتي في مادتيه 31 و34 يحظر إيذاء المتهم جسديا أو معنويا وقانون الجزاء الكويتي يجرم المعاملة القاسية حتى للحيوان، مشيرا إلى أننا لدينا موقف رافض للعنف على المستوى التشريعي وخصوصا أن الكويت منضمة للاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان، موضحا أن الإشكالية الحقيقية ليست في منظومة القوانين ولكنها إشكالية ثقافة تنظر للمتهم على أنه إنسان سيئ وبغير الشدة لن تستقيم الأمور معه، بالإضافة إلى إشكالية أخرى وهي أننا مازلنا لا ندرك أن القوة خارج نطاق القانون إرهاب، فهناك فرق كبير بين القوة كوسيلة للهيبة والقانون كوسيلة لها، مشددا على أن إعلاء ثقافة القوة كوسيلة للهيبة هو الذي يؤدي إلى نشر ثقافة التعذيب داخل المؤسسة الأمنية.
المطالبة باستقالة الوزير
من جانبه قال نائب رئيس جمعية المحامين الكويتية المحامي وسمي الوسمي «في المساءلة السياسة لا يمكن أن نقبل في ظل واقعة قتل إنسان ومواطن كويتي بريء بالدرجة الأولى بأقل من استقالة الوزير كأقل ما يمكن أن يقدم لعائلة الفقيد محمد المطيري».
وأوضح الوسمي أن ما حدث في شأن المعلومات المغلوطة في بيان وزارة الداخلية بشأن مقتل المواطن محمد المطيري لا يتعدى أمرين إما ان الوزير غير قادر على قيادة الوزارة، أو يعلم ولا يريد اتخاذ إجراء «مستغربا ما جاء من قبل مجلس الوزراء بأنه سيعطي الوزير الصلاحيات الكاملة لإعادة تصحيح الوزارة».
وأضاف الوسمي «نتحدث عن وزير صار له أكثر من 3 سنوات في الوزارة «متسائلا «هل في السابق لم تكن لدى الوزير الصلاحيات الكاملة لتصحيح الوزارة؟ وهل الواقعة وليدة الصدفة؟ وهل واقعة التعذيب هي الأولي من نوعها؟ مشيرا الى وجود حوادث أخرى كثيرة ولكنها لم تصل لمرحلة القتل».
وأردف الوسمي: «الحديث اليوم ليس عن مجلس يحترم الأغلبية أو الأقلية لكن عن موت إنسان بريء. وفيما يتعلق بما طرحه النائب فيصل الدويسان عن هيئة حقوق إنسان قال: لدينا العديد من المنظمات في هذا الشأن لكن يجب أن ينصب الحديث على الضمانات التي يجب أن تقدم للمتهم».
وأوضح «المتهم اليوم يصل إلى المباحث الجنائية ويظل 4 أيام دون أن يدري عنه أحد، ويحقق معه في ظل عدم وجود محام، ويحقق معك كغير كويتي وتحتجز الى الحد الأقصى وتبعد اداريا دون أن يدري أحد ما سبب ذلك»، مضيفا «السبب لأنه ليس هناك ضمانات حقيقة وذاك ما تحدث عنه».