- صيد الجراد أفضل في الفجر حيث يكون ساكناً ونائماً على الأشجار والشجيرات والحشائش
قال الباحث في التراث الكويتي الكاتب احمد بن برجس ان موسم الجراد يزدهر خلال هذه الاسابيع ويتوافر في سوق الفقع ويباع في «خياش» حيا وميتا ويفضل البعض انثى الجراد ولا تباع الصغار منه لان طعمها غير مسستساغ اذ عادة ما يتزامن موسم بيع الجراد مع موسم الفقع ويتراوح سعر (الخيشة) ما بين 5 و 8 دنانير وتزن اقل من كيلوغرام.
واضاف بن برجس لـ «كونا» ان «للجراد حكايات وتاريخا طويلا مع اهل الكويت ولعل اقسى ما تعرضت له الكويت كان في خريف عام 1929 أي قبل 83 عاما عندما غزت اسراب الجراد بشكل مخيف على حد ما عايشه وذكره وأرخه كبار السن وبدأت المعاناة بعد ان هطلت أمطار موسمية غزيرة على الكويت في خريف ذلك العام واستمرت حتى فصل الشتاء واعقبها غزو أسراب ضخمة من الجراد أحالت نهار الكويت الى ظلام».
واشار الى ظهور أعمدة كثيفة طويلة من الجراد يصل طول العمود الى خمسة عشر كيلومترا وعرضه كيلومتران حيث يسمى بـ «سرب الجراد» في اللهجة المحلية وفي اللغة الفصحى أيضا بـ «العمود» وكانت تلك الأعمدة تضرب من الأرض لتصل الى عنان السماء فحجبت ضوء الشمس وأحالت النهار الى ظلام.
واوضح ان تلك الاسراب من الجراد جاءت من جهة شرق الخليج العربي وقدر البعض اعداد الجراد في العمود الواحد من الجراد بأكثر من مليار جرادة تغطي مساحة تبلغ 20 كيلومترا مربعا وغالبا ما كان هجومها في وضح النهار أما في الليل وبعد غروب الشمس فتسكن عن الحركة وتلجأ الى الأشجار.
وقال انها كانت تلتهم في طريقها كل ورقة خضراء وملابس قطنية بلا تمييز.
وبين ان كثيرا من المراجع وثقت تلك الحادثة فقد اشارت السيدة مدام فيوليت ديكسون زوجة المعتمد البريطاني في الكويت الى الجراد في كتابها (أربعون عاما في الكويت) قائلة «في العام 1929 كانت تلك أول تجربة لي مع هذه الكائنات وهي تجربة لن أنساها ولقد رأيت السماء تحجبها أسراب الجراد الطائر وقد اختفت الشمس وكأنها قد كسفت تقريبا وكانت أسراب الجراد تتساقط في شوارع الكويت وفي كل مكان وقد شارك طفلاي سعود وزهرة بقية اطفال الكويت في التقاط بعض منه لأكله وقد استمتعا بمذاق الجراد».
وذكر ان هناك كلمات مأثورة عن اهل البادية عن الجراد منها «اذا ظهر الجراد انثر الدواء وإذا جاء الفقع احفظ الدواء» حيث ان الجراد طعام جيد وصحي ومذاقه ممتاز ولا يسبب أي مرض للجسم فهو يتغذى على الاعشاب والنباتات البرية المفيدة للجسم وبالتالي فان الانسان لا يحتاج الى حفظ الدواء فهو الدواء والعلاج والغذاء واذا جاء الفقع يحفظ الدواء لأن الاكثار من أكل الكماء يسبب عسر الهضم وتلبك المعدة.
وعن كيفية طبخه اشار بن برجس الى ان الناس كانوا يطبخونه بقدور كبيرة يوضع فيها الماء وقليل من الملح ثم توضع على النار وعندما يغلي الماء تفرغ فيها أكياس الجراد الحي والميت معا وعندما ينضج يؤكل بعضه ويتم تجفيفه ويحفظ في أوان وأكياس خاصة ليؤكل كغذاء متوافر على طول السنة ويقدم لافراد الأسرة كوجبات سريعة جاهزة عند الطلب. وبالنسبة لاهل البادية قال انهم قديما لا يطبخون الجراد بالماء لندرة الماء قديما حيث يشبون العرفج على الرمل وعندما يسخن الرمل ويكون حارا يدفن عليه الرمل حتى يستوي وبعدها يتم حرثه وتنظيفه من الاتربة وهي طريقة قديمة عرفها العرب قديما وتسمى «حنيذ»
واضاف ان الأولاد قديما كانوا يملأون مخابئ الثياب (أي جيوبها) بالجراد المطبوخ المجفف ليقضمونه طعاما شهيا وهم بالمدرسة أو يلعبون وفي سنين الدهر (المحل والجدب) يطعم اهل البادية الابل والخيل الجراد فتسمن عليه.
وفي مواسم الجراد قال ان البدو كانوا يجلبون اعدادا كبيرة من الأكياس (العدول والخياش) مملوءة بالجراد ليبيعونها في سوق الصفاة فجرت العادة انذاك ان يتم جمعه ليلا ويباع في الصفاة حيا او مطبوخا ويصيح بائع الجراد قائلا «جراد ومكن» وفي السوق تجد بعض الجراد يتطاير من هذه الأكياس والصبيان الذين يلعبون حول سوق الصفاة يلتقطون المنفلت المتطاير ويجمعونه في أكياس صغيرة يحملونها معهم.
وقال بن برجس ان أنثى الجراد تسمى عند أهل البادية (دمونة) وجمعها (دمون) وعند أهل الحاضرة (مكنة) وجمعها (مكن) ولونها بني فاتح وهي سمينة وفي بطنها البيض ومذاقها ممتاز وطعامها شهي بسبب البيض الذي في بطنها أما الذكر فهو أصفر وأنحف من الأنثى ولونه أصفر ويسمى عند أهل البادية (زعيري) وعند أهل الحاضرة (عصفور) وأخذ هذا الاسم بسبب لونه الأصفر الذي يشبه لون طير العصفور.
وافاد بان العادة جرت على ان يخرج الناس في الغبش (اي في الفجر) لصيد الجراد حيث يكون ساكنا ونائما على الأشجار والشجيرات والحشائش فيجمعونه وبعضهم يقلع الشجيرة من منبتها ويفرغ الجراد الذي عليها في العدل (كيس منسوج من الوبر او الصوف) وأفضل وقت لمقاومة أسراب الجراد بعد الغروب وبالنسبة لالوان الجراد فالذي يأتي من جنوب آسيا لونه احمر والموجود في العالم العربي بني والافريقي يميل الى الرمادي.
وعن طبيعة الجراد يقول بن برجس ان الجراد يتصرف بطريقة مذهلة فحينما تشرق الشمس وتشعر أفراد السرب الجاثمة على النباتات بالدفء تبدأ في هز أجنحتها ثم تطير طلائع الجراد منه متنقلة الى مسافات محدودة داخل منطقة الانتشار للاستكشاف ثم تعود وحينما تزداد حرارة الجو تركب الجرادات تيارات الحمل الهوائية وتطير الى أعلى وبذلك تبدأ بتشكيل مقدمة السرب استعدادا للتحليق بينما تظل باقي مجموعات السرب في حالة استعداد وهي تمثل مؤخرة السرب ولا تقلع الا بعد أن يأخذ السرب وجهته وينتظم في الحركة.