الإيمان
قال تعالى: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) هذه الايام المعلومات التي نعيشها هذه الايام المباركة في العشر الاوائل من شهر ذي الحجة ومن بينها يوم عرفة الذي تفضل الله عز وجل فيه على عباده بالمغفرة والصفح، حتى ان الشيطان حينما يبصر رحمة الله على بني آدم في هذا اليوم يدعو على نفسه بالويل والثبور. حول فضل يوم عرفة يحدثنا العلماء.
يقول د.بسام الشطي: من الايام المباركة التي فضلها الله تعالى، حيث يكون فيه الوقوف للحجاج وتعرضهم لنفحات الله وهو يباهي بهم ملائكته ويندحر الشيطان لكثرة ما يغفر الله لعباده في هذا اليوم، كما جاءت بذلك الاحاديث النبوية، ويكفي انه ضمن الايام العشرة من اول شهر ذي الحجة.
صيام عرفة
واكد د.الشطي ان صيام يوم عرفة سنة، وقد جاء فيه حديث رواه مسلم أنه يكفر ذنوب سنتين، وهذا الصيام لغير الحجاج الواقفين بعرفة، لأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) افطر بعرفة وكذلك فعل أبوبكر وعمر والتابعون من بعدهم. واضاف: هذا اليوم الكريم يذكرنا بنعمة الله سبحانه وتعالى على هذه الامة، حيث يجمع بين ابنائها من اقاصي الارض ولله جميع اطرافها، من كل صوب وحدب يأتون من كل فج عميق لكي يعلنوا للناس جميعا انهم امة واحدة ينتسبون الى دين واحد موحدين إلها واحدا قائلين «لبيك لا شريك لك».
وزاد: وفي هذا اليوم تكرم الله على هذه الامة بإكمال الدين وإتمام النعمة، وهذا ينبهنا لواجبنا الذي يقتضي العمل الدائم والسعي الحثيث على التكافل والتعاون والتضامن بين ابناء هذه الامة والعمل على ازدهارها وتقدمها وتحقيق عزتها حتى تكون بحق امة يباهي بها فهي خير امة اخرجت للناس.
وقال ( صلى الله عليه وسلم ) في فضل يوم عرفة: «ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة» فقال رجل: هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال: هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا يباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين، جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم ير أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة».
ما يستحب فيه
وحول قوله ( صلى الله عليه وسلم ): «الحج عرفة» يوضح لنا د.ابواليزيد العجمي ان من السنة التوجه الى عرفة بعد طلوع شمس اليوم التاسع (يوم عرفة) مع التكبير والتهليل والتلبية، ويستحب الا يدخل عرفة الا بعد زوال الشمس حيث يبدأ وقت الوقوف بعرفة.
والمقصود بالوقوف بعرفة، هو الوجود في اي جزء من «عرفة» يقظا او نائما او قاعدا او مضطجعا، ماشيا او راكبا، طاهرا او غير طاهر كالحائض والنفساء، حيث يجوز لهما الوقوف بعرفة، ويستحب الاغتسال للوقوف بعرفة، كما يستحب المحافظة على الطهارة الكاملة واستقبال القبلة والاكثار من الاستغفار والذكر والدعاء بما شاء من امور الدين والدنيا مع الخشوع والتذلل وحضور القلب ورفع اليدين، وقد كان اكثر دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كما قال ( صلى الله عليه وسلم ): «خير الدعاء دعاء يوم عرفة»، وقد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ادعية كثيرة في هذا اليوم منها ما رواه الترمذي عن علي ے قال: أكثر دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم عرفة: «اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح».
حكمة
وعن حكمه ووقته قال د.العجمي: اجمع الائمة على ان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الاعظم، كما روى احمد واصحاب السنن ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر مناديا ينادي «الحج عرفة» ويرى الجمهور أن وقت الوقوف يبتدئ من زوال اليوم التاسع (اي وقت الظهر) الى طلوع فجر اليوم العاشر، وانه يكفي الوقوف في اي جزء من هذا الوقت ليلا او نهارا، فإذا وقف بالنهار وجب عليه مد الوقوف الى ما بعد غروب الشمس ولو لحظة اما اذا وقف بالليل فلا يجب عليه شيء، ويرى الشافعي ان مد الوقوف الى ما بعد غروب الشمس حسنه.
مظاهر الجود الإلهي
ويضيف الداعية خالد السلطان: في الآيات البينات التي تحدثت عن الحج جاء قول الله عز وجل: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) ان هذا التعظيم لحرمات الله يخبر عن الاقبال الصادق على طاعة رب العالمين، وعلى الامتثال لأوامره، كما يخبر عن حرص المسلم على تأدية ما افترض عليه في حب وشوق، وكأنه بلسان الحال والمقام ينفذ امر الله عز وجل لعباده المؤمنين في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ومع الاستجابة يكون الاجر الجزيل والثواب العظيم، وفي السنة النبوية المطهرة ما يكشف عن مظاهر الجود الإلهي لحجاج بيت الله الحرام، وما يصور انواع الخير التي تتنزل على هؤلاء الذين عظموا حرمات الله، وعظموا شعائر الله، فمن هذا الجود ما يثاب به الواقفون على عرفات، وقد اتجهوا الى الله متجردين من زينة الحياة الدنيا، وقد وجلت قلوبهم وارتفعت ايديهم وهتفت ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح في خشوع وخضوع، وخوف ورجاء، وتضرع ودعاء، سائلين الله الرحمة والمغفرة والرضوان، انهم يثابون بالمغفرة التي أشهد الله تعالى ملائكته عليها، وهي مغفرة تتأتى تتويجا لرحلة طويلة تبدأ مع اول خطوة يخطوها الحاج وهو في طريقه الى بيت الله الحرام، ان رحمة الله عز وجل تغشاه في كل خطوة، وجوده يحيط به في كل حركة ذلك حين تحسب حركاته وسكناته عبادة لله تعالى، كما اخبرنا نبينا ( صلى الله عليه وسلم ): «من جاء يؤم البيت الحرام فركب بعيره، فما يرفع البعير خفا ولا يضع خفا إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنها بها خطيئة، ورفع له بها درجة، حتى إذا انتهى إلى البيت فطاف وسعى بين الصفا والمروة ثم حلق أو قصر، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه» ثم يأتي بعد ذلك يوم عرفة الذي هو افضل الايام وفيه هذا التجلي العظيم الذي اخبر عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله: «ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء».
صفحات الإيمان في ملف ( pdf )