كانت ومازالت الكويت غنية بعطائها.. بخيرها.. بأبنائها البررة الاوفياء الذين ضربوا مثلا فريدا في الوفاء والبذل والعطاء على مدار تاريخها، ولقد كانت المرأة الكويتية واحدة من النساء الفريدات اللائي أصبحن نجمات بحق في دنيا الناس، يشار اليهن بالبنان بعدما صبغن حياتهن بالخير فعشن للخير ووهبن حياتهن لأعمال البر.
ومن هؤلاء النسوة السيدة الفاضلة غنيمة المرزوق يرحمها الله التي وافتها المنية عن عمر تجاوز الخامسة والسبعين عاما، عاشتها كنموذج للمرأة الكويتية المسلمة الوسطية المجاهدة الصابرة المحتسبة التي نذرت حياتها لله تعالى وسخرت ما حباها الله تعالى به من مال في خدمة الفقراء والمساكين واليتامى والارامل ونشر الفكر الثقافي المعتدل في اصقاع الارض.
ولقد خبرتها يرحمها الله تعالى رحمة واسعة منذ زمن بعيد ومن خلال تعاونها المبارك مع الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية ولجنة مسلمي آسيا وباقي جمعيات الخير الكويتية، والتي ما تركت جمعية من الجمعيات، ولا لجنة من اللجان الا وكانت لها فيها بصمة طيبة مباركة، بل كان اكثر ما يميزها يرحمها الله فهمها العميق لمقاصد الشرع ووعيها بأهمية الثقافة ودورها في انقاذ الناس من براثن الجهل، بل استطيع ان اجزم بأنها كانت من اكثر المتبرعات الكويتيات ادراكا لاهمية الثقافة واقامة المؤتمرات الثقافية وترجمة الكتب ونشر الوعي الديني من خلال الكتاب والمطبوعة والبرامج الاذاعية والتلفزيونية، ولم لا؟ وهي التي كانت تقوم بالرعاية والانفاق على مؤتمرات ثقافية كاملة في الجمهوريات الروسية وتنفق عليها بسخاء، مدركة اهمية الكلمة المسموعة والمقروءة والمكتوبة، ساعدها على ذلك حسها الاعلامي الراقي والثقافة الاعلامية الرزينة التي صقلتها بدراستها الجامعية ومارستها كأول رئيسة تحرير لمجلة عربية هي مجلة «أسرتي»، ولهذا فإنها حرصت على طباعة وترجمة أكثر من مائتي كتاب دعوي وفكري وثقافي لنشر الفكر الاسلامي الوسطي مما كان له اعظم الاثر في الحفاظ على هوية مسلمي روسيا، خاصة في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي، وطبع من هذه الكتب مئات الآلاف التي وزعت على المراكز الاسلامية هناك واستفاد منها طلاب العلم والراغبون في فهم الاسلام من المسلمين وغير المسلمين بصورة وسطية مبسطة.
يرحمها الله كانت ترى في الدين القيم مظلة وملاذا لفكرها وقيمها، تستمد منه كل شؤون الحياة الفانية والباقية على السواء، فقد انعكس هذا التوجه على حياتها وكانت بمثابة حائط الصد المنيع لأي هجوم على قيم الاسلام وحدوده، كما كانت تدافع بقوة عن العمل الخيري الكويتي ونزاهته ونصاعة صفحته البيضاء، فوقفت بشدة في وجه من اراد ان يلصق به تهما هو منها براء، وعمدت الى كتابة ونشر كل ما يصب في خدمة المجتمع العربي وخدمة الاسلام والمسلمين في كل مكان.
لقد كرست عنيمة المرزوق يرحمها الله حياتها لنشر دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وحرصت دائما على ان تبرز محاسن الاسلام، وانه دين المساواة وان منهاجه يعمل على تحقيق العدالة، لانه دين يرفض الظلم والعدوان، كما يرفض ظلم الانسان لاخيه الانسان، ويرفض العدوان عليه او المساس بحقوقه، وان الاسلام دين يتصدى لكل ما يهدد سلام العالم وسلامة البشرية، لانه دين الوسطية، وساندت غنيمة المرزوق يرحمها الله حقوق الانسان في كل مكان، وعاشت وفية لدينها ووطنها، لا احد يمكنه تصور ثورة هذه الانسانة الهادئة حين يمس الدين او الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يهدأ بالها حتى ترد على المسيئين وتكشف زيف المبطلين، وتفند أقوالهم بالمنطق والحجة، ولا تخشى في ذلك سوى خالقها، وكانت لا تقبل على الكويت أن تمس بكلمة وتنبري دوما للدفاع عن مصالحها، لكن ليس دفاع المحب العاشق لبلده فقط، وانما دفاع العادل العاقل الملهم الحجة في دفاعه وكلماته.
صحيح ان غنيمة المرزوق رحلت عن دنيا الناس لكنها ستظل حية في نفوس اهل الكويت وفي نفوس من تعامل معها عن قرب وعرف طيب معدنها، وصدق ايمانها وسخاءها وكرمها وبذلها اموالها لله تعالى.
ستظل غنيمة المرزوق حية بأعمالها الجليلة التي خلدتها وشيدتها من حر مالها في اقاصي الدنيا، فكم من قرية للايتام شيدت، وكم من مستشفى لعلاج الفقراء اقامت، وكم من دور لرعاية الطلاب بنتها، وكم من فقير استفاد من مالها الذي بذلته ابتغاء مرضاة الله، وكم من مؤتمرات ثقافية وبرامج اذاعية تبنتها، وكم من كتب دعوية وفكرية ترجمت وطبعت على نفقتها!
رحمك الله يا أم هلال رحمة واسعة وجعل مثواك في منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.