دارين العلي
وجه النائب علي الراشد الدعوة للقوى والتيارات السياسية لعقد مؤتمر وطني لمناقشة قضية الأحزاب السياسية ومدى ضرورتها بهدف الوقوف على ارضية مشتركة والخروج بنتيجة تتفق حولها مختلف التيارات السياسية وكان ذلك ضمن الندوة التي اقامتها مظلة العمل الكويتي «معك» مساء امس الاول بعنوان «قانون الأحزاب السياسية بين الحاضر والمستقبل».
واستعرض الراشد مراحل إعداده لمشروع قانون الأحزاب، الذي قدمه في المجلس الماضي، مشيرا الى انه اقتبس مسودة القانون من مختلف القوانين العربية وقام بتوزيعها على النواب والحكومة والكتاب والأكاديميين لأخذ آرائهم مرحبا بما يضيفونه من تعديلات على القانون، معربا عن أسفه من ان البعض اراد ان يتصيد الأخطاء من اجل النقد فقط ظنا منهم ان مسودة القانون هي القانون النهائي، لافتا الى انه قدم المسودة لأكثر من 150 شخصية ولم يأته رد الا من شخصين فقط أحدهما رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي، الأمر الذي فسره الراشد بعدم التعاون والرغبة في النقد وتصيد الأخطاء، واستهجن الراشد قيام النائب السابق عبدالله عكاش بتقديم مشروع للأحزاب السياسية قبله في الوقت الذي ارسل فيه الراشد الى عكاش مسودة القانون، مشيرا الى انه كان من الاجدر بالنائب الفاضل ان يرجع اليه ويدلي برأيه بدلا من ان يأخذ فكرة المشروع والمسودة وينفرد مستبقا بتقديم المشروع، ومن بعده قدمت الحركة الدستورية مشروعا مشابها ليكون هناك 3 مشاريع بقانون للأحزاب، لافتا الى انه اجرى بعض التعديلات وقدم المشروع باسم التحالف الوطني في المجلس الحالي، ولفت الى انه واجه مشكلة في المادة 20 بند «د» من القانون، حيث اراد تطبيق فكرة «الكوتا» غير انه خاف الوقوع في شبهة دستورية فاستطاع صياغتها بما يضمن تمثيل الجنسين ولا يعارض مواد الدستور.
النشاط في الخفاء
وأكد الراشد ان قانون الأحزاب لن ينشئها وانما سيشهرها لأن الأحزاب السياسية قائمة وموجودة بالفعل ولكن تمارس نشاطها في الخفاء، وبوجود قانون ينظم عمل التجمعات السياسيات يستطيع المراقبون ان يتعرفوا على طبيعة هذه الأحزاب او الكتل السياسية وحجمها ومصادر تمويلها وعدد اعضائها وأهدافها مشيرا الى ان بعض التيارات تستقطب الشباب والناشئة وتغسل أدمغتهم بعد ان تضمهم الى صفوفها.
وردا على الرأي المعارض لقيام الأحزاب بحجة فشل التجارب الحزبية في العديد من الدول العربية، تساءل الراشد: هل هذه الدول تطبق وتمارس ديموقراطية حقيقية؟ ومضى قائلا: بالطبع لا، اذا لا يمكن الحكم على نجاح التجربة الحزبية في بلد غير ديموقراطي بل يجب النظر وعقد المقارنة بيننا وبين دول عريقة في ديموقراطياتها.
وشبه الراشد قانون الأحزاب السياسية بقانون المرور، مشيرا الى ان غياب الأحزاب سيجعل الفوضى السياسية تستمر كما الشارع من دون تنظيم لحركة المرور، في الوقت نفسه سيجد الجميع صعوبة في الالتزام بالقانون الجديد الا انهم سيجنون ثماره فيما بعد، مؤكدا ان وجود الاحزاب سيقضي على الطائفية والفئوية والقبلية، ذلك ان الانسان اذا ما وجد كيانا سياسيا منظما يقوم على اساس برامج ورؤى وأهداف فلن يلتفت الى مثل هذه النوازع التي تفتت المجتمع.
مشروع وطني
ومن جانبه، اكد الباحث والمحلل السياسي د.فارس الوقيان ان مشروع النائب الراشد يعتبر مشروعا وطنيا عملاقا، مؤكدا اهمية وجود الأحزاب السياسية كإحدى الركائز السياسية لقيام الديموقراطية، غير انه لا يرى الوقت والمناخ السياسي والاجتماعي على وجه الخصوص مناسبا لإشهار الاحزاب السياسية الآن، وتساءل الوقيان: هل الشعب ديموقراطي؟ وهل الصفوة السياسية ديموقراطية؟ وهل هناك قناعة بالتعددية الحزبية؟ «للأسف، لدينا ديموقراطية، ولكن لا يوجد لدينا ديموقراطيون»، اذن كيف نشهر الاحزاب في واقع فئوي غير ديموقراطي؟
وأبدى الوقيان اختلافه مع النائب علي الراشد حول ان التجمعات السياسية الموجودة ليست احزابا اذ لا تنطبق عليها شروط الاحزاب الـ 4 التي ساقها الوقيان في الآتي:
-
أن يقوم الحزب على اساس مؤسسي وليس شخصيا.
-
ان يكون للحزب نظام عضوية وقاعدة شعبية.
-
ان يكون الحزب وطنيا شاملا يضم كل الاقاليم ويقدم مرشحين في كل الدوائر الانتخابية في الدولة.
-
ادارة سلطة الحزب او بالتحالف مع احزاب اخرى مع ضرورة وضوح هدف الحزب ورؤيته ومشروعه الوطني.
واسقط الوقيان هذه الشروط والمعايير على التجمعات والقوى السياسية وخرج بنتيجة وهي انه لا يوجد اي تجمع سياسي في الكويت يمثل مقومات الحزب السياسي الوطني، مشيرا الى ان حالة التجمعات السياسية اعلى مرتبة من جماعات الضغط واقل من الاحزاب، اذ ان جماعات الضغط تقوم على اساس تنظيم ومصلحة يراد تحقيقها ووسيلة للضغط على متخذ القرار والسلطة، وهذا ما نراه واضحا من خلال سوء استخدام الادوات الدستورية.
وتابع الوقيان مستعرضا خارطة افكار التيارات السياسية الحركة الدستورية كتيار سياسي لم تقدم مرشحين من غير الطائفة السنية، كذلك الشيعة لم يمر بتاريخهم ان قدموا مرشحا سنيا على سبيل المثال، أما السلف فخارج اطار الديموقراطية فهم يرونها بذلة غربية لا تناسب، فهم يريدون تطبيق الشريعة الاسلامية، اما التيار الليبرالي فقد بات حبيس اسطوانة الاوكسجين التي يتنفس منها في حدود 20 كيلومترا فقط ولم يمر بتاريخه ان قدم مرشحين من المناطق الخارجية.
واكد الوقيان انه مع الاحزاب وضرورة اشهارها قلبا وقالبا، الا انه يعتبر ان المجتمع لم يصل الى المرحلة التي يكون فيها رأيا وفكرا مدناي ديموقراطيا وصولا الى مرحلة الاحزاب، لافتا الى ضرورة تهيئة المجتمع واصدار بعض التشريعات التي تكون بمنزلة ارضية ومقدمة لاشهار الاحزاب ومن هذه التشريعات بحسب رأي الوقيان، ضرورة تعزيز المواطنة والمساواة بين الكويتيين وانشاء المجلس الاعلى للاندماج المجتمعي، وعلى كل التيارات السياسية ان تبرهن على اهتمامها بمبادئ الديموقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة.
واكد الوقيان ان التجمعات السياسية ستتورط اذا ما أقرت الاحزاب السياسية وبدأ العمل بها من دون التأسيس لها والوقوف على اهمية مفهوم المواطنة والعدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وان تكون الاحزاب على اساس برامج سياسية لا على اساس فئوي أو قبلي أو طائفي.
أجواء غير ديموقراطية
من جانبه، تساءل أستاذ العلوم السياسية د.شملان العيسى: هل الكويت فعلا بحاجة الى الاحزاب السياسية؟ مشيرا الى انه لا يرى ضرورة في قيام الاحزاب، لا الآن ولا فيما بعد، بالرغم من انه (على حد قوله) ليبرالي ديموقراطي لكنه يرى ان البيئة المجتمعية والمناخ السياسي في البلاد غير مهيئين لفكرة قيام الاحزاب، لافتا الى ان الحكومة والنظام لا يريدان الاحزاب.
وساق العيسى 12 تساؤلا حاول الاجابة عليها بما يدعم وجهة نظره ويؤكدها، ما جعل مدير الندوة انور الرشيد يطلق عليها (اشكاليات العيسى الـ 12 ومن بين هذه الاسئلة او الاشكاليات:
-
هل الشعب يريد الاحزاب؟ لا، والدليل ان المرشحين يذكرون انتماءاتهم السياسية او هويتهم الحزبية لأنهم يعون ان هناك رفضا شعبيا للاحزاب.
-
هل التجمعات السياسية تنتهج النهج الديموقراطي وتعمل على تعميق مفهوم التنمية الشاملة منذ 40 سنة؟ لا، فمعظمهم امتداد لأحزاب عربية سلطوية لا تؤمن بالديموقراطية وتصادر الحريات، وخصوصا الدينية وترفض الآخر.
-
هل التركيبة الاجتماعية في الكويت مهيأة للديموقراطية؟ لا بسبب الولاء الطائفي والقبلي.
-
هل هناك نموذج حزبي ديموقراطي على امتداد حدود الوطن العربي يمكن التعويل عليه؟ لا، فكل التجارب الحزبية العربية من اليمن الى المغرب تجارب فاشلة تقوم على سياسة الحزب الواحد الذي هو حزب السلطة والذي يملك كل المقدرات المالية والاعلامية ويلغي باقي الاحزاب الاخرى، ولا يؤمن بالتعددية رغم اللغو عن التعددية والديموقراطية.
-
هل يمكن نجاح الاحزاب في دولة نفطية مثل الكويت؟ لا، لأننا دولة رعاية تحقق المطالب الاقتصادية لا الحزبية.
-
هل التجمعات السياسية تحترم الدستور والقوانين؟ لا، فكلها تجمعات غير ديموقراطية تعتمد على مصادرة حريات البشر وخرق القوانين والدستور وعلى سبيل المثال (السلف والاخوان يتنازعون على وزارة الاوقاف لأنها وزارة الفلوس).
-
الوحدة الوطنية مفهوم غائب عن كل التجمعات السياسية والتي هي اساس لقيام الاحزاب، التيارات الدينية تكفر الشيعة والتيار الليبرالي كرس روح التفرقة.
-
هل الاحزاب وطنية أم دينية؟ الاحزاب يجب ان تكون علمانية بعيدة عن الدين، يا إما بلاها.
-
هل هذه التجمعات محايدة اداريا؟ لا، فقد استغلت ضعف الدولة وصارت بعض الوزارات مغلقة على تيارات دون غيرها من التجمعات الاخرى.
-
هل الاحزاب أو التجمعات تمتلك الشفافية المطلوبة في الاعلان عن مصادر تمويلها وقاعدتها الشعبية وعدد اعضائها واهدافها ومشروعها الوطني؟ لا، وأتحداكم فكل التجمعات قائمة على مبدأ «خش ودش».
-
هل تلعب التجمعات السياسية دورا في وصول رئيس الحكومة وهو شرط أساسي لقيام الاحزاب؟ بالطبع لا.
واختتم العيسى اشكالاته بالقول «اذا صرنا أوادم مثل الآخرين ذيك الساعة نشهر الاحزاب».