أسامة دياب
أجمع المشاركون في ندوة «قراءة في المشهد السياسي الكويتي» التي أقامتها مظلة العمل الكويتي، على ضرورة النهوض بالبلاد والبعد عن حالة التململ التي أصابت المجتمع من الديموقراطية، داعين الى ايجاد تكوينات جديدة.
واكد العميد السابق لكلية العلوم الاجتماعية د.علي الطراح ان الاحتلال العراقي للكويت عام 90 جسد اكبر ازمة في تاريخنا، الا ان المتابع للساحة السياسية في الكويت يجد ان مسلسل الازمات المستمر الذي تشهده الساحة منذ التحرير والى الآن لا يقل خطورة عن ازمة الاحتلال، وذلك لأن النظام السياسي في الكويت لم يتعلم من درس الاحتلال ولم يراجع مواقفه تجاه الكثير من القضايا العالقة ولم يعيد حساباته ولم يبدأ بخطوات ايجابية لتلافي السلبيات السابقة.
واوضح ان المشهد السياسي في الكويت طرأت عليه مجموعة من المتغيرات ساهمت بشكل مباشر في تعقيده واتجاهه نحو التأزيم، ففي السنوات السابقة كان النقد يوجه للنظام السياسي والحكومة نظرا لدخولهما في تحالفات ضد الديموقراطية.
الا ان الواقع يشير بما لا يدع مجالا للشك الى دخول اطراف اخرى مثل المؤسسة التشريعية والنواب والكتل السياسية كشركاء في عملية الاطاحة بالديموقراطية.
وعبر عن أسفه لأن المؤسسة التشريعية والتي يفترض ان تكون حامية للديموقراطية والمدافع عنها أصبحت شريكا في عملية التخريب المتعمد للمسار الديموقراطي في الكويت.
ولفت الى ان القوى السياسية بنضوجها وتاريخها ونشاطها الفاعل في السابق تعيش اليوم حالة من التحولات الكبيرة جعلتها جزءا من معادلة التخريب المتعمد للمسار الديموقراطي.
وبخصوص استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد اشار الى انه مهما كانت درجة الخلاف مع من قدموا الاستجواب، الا ان الحقيقة انهم مارسوا أداة دستورية متفق عليها كفلها لهم الدستور وتعد من صميم حقهم، ولكن خلفيات الاستجواب ومحركاته ليس من شأنه ان يخوض فيها.
واضاف ان الغريب في المسألة هو ان الحكومة وقفت موقف المراقب وحركت النواب ليتحدثوا بكل ما تريد وهذا ما دفع بعض النواب الى الهجوم على المستجوبين واستهجان الاستجواب بينما تعامل البعض الآخر على استحياء مع قضية الاستجواب.
واوضح ان الحكومة نجحت في خلق حالة من التململ من العملية الديموقراطية، عن طريق ايصال رسالة للشارع الكويتي بمعاونة العديد من المؤسسات الاعلامية مفادها أن المجلس يعطل خطط التنمية، وهذا ما دفع البعض لوصف الاستجواب بالعبثي.
وشدد على ان نجاح الحكومة يتمثل في قدرتها على لفت انتباه الناس الى لب الاستحواذ ومحوره الأساسي الذي كان محددا في قضية مصروفات ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء.
ولفت الى ان وضع القوى السياسية بشكل عام شركاء في الفساد والمعركة هي معركة مع الفساد وإذا استطعنا ان ندير هذه المعركة فسيتغير كثير من الأمور وكذلك كثير من بنود المعادلة السياسية في الكويت.
ومن الواضح ان هناك جمودا على المستوى السياسي والقوى السياسية التي وصلت لمرحلة القوى السياسية التي وصلت لمرحلة الكهولة وأصبحت غير قادرة على التجديد وإيجاد الحلول للأزمات ولذلك آن الأوان ان نفكر بشكل جدي في البدء في تكوين تكوينات جديدة تظهر على الساحة وتقف ضد هذا العبث الذي يحدث في الساحة الكويتية، وان تلتقي القوى السياسية كافة وتتفق على أجندة التنمية والتطوير.
جمود
ومن جهته أكد الكاتب الصحافي والناشط السياسي د.ساجد العبدلي اننا نجد في كل جزئية من جزئيات الصورة في المشهد السياسي الكويتي حراكا طاحنا بينما الصورة العامة جامدة يشعر بها الجميع، وهذا الجمود ليس وليد اليوم ولكنه نتاج سنوات طويلة ماضية، أدت الى حدوث تدهور في كل مجالات التنمية وخصوصا الجوانب الاقتصادية والخدماتية والبنى التحتية وهذا ما جعل الناس يتعلقون بأي أمل أو أي حركة حتى وإن كانت غير موضوعية أو طائشة على أساس انها المخرج من الأزمة الحالية، وهذا بسبب ان عامة الناس لا تمتلك ثقافة سياسية ونسبة كبيرة من الشعب الكويتي لا تعرف حقوقها ولا واجباتها المنصوص عليها في الدستور وبالتالي فإن فكرة الحل غير الدستوري أو تعليق الدستور لا تخيفها، وهذا لا يعتبر تجنيا على الشعب الكويتي لأن الكثير من الشعوب لا تختلف عن حالتنا ولا يدركون مسار اللعبة السياسية ونظرتهم للنظام السياسي على انه وسيلة توصلهم لقضاء مصالحهم واحتياجاتهم ليعيشوا عيشة آمنة ومستقرة بغض النظر عن الآلية.
واضاف العبدلي انه عندما يفشل النظام السياسي في توفير هذه الاحتياجات يكفر الناس بالديموقراطية فالناس لا تحب الديموقراطية لذاتها بقدر ما تحب ما ييسر عليهم احتياجاتهم ويوفر لهم الخدمات والأمثلة على ذلك كثيرة فالكثير من دول الجوار ليس لديهم ديموقراطية ولكن لديهم خدمات مميزة وتتمتع بالاستقرار ويرفضون التسويق لمفهوم الديموقراطية.
أداء رديء
واوضح ان الأداء الحكومي رديء جدا وهناك فشل على مستوى التخطيط والتنفيذ والفشل تجاوز قضية الخطة وتنفيذها ووصل الى عدم القدرة على تسيير الأمور ومصالح الناس.
ومن الجهة الأخرى نجد ان البرلمان ليس بعيدا عن إخفاقات الحكومة فأداؤه متعثر ولا يرقى الى تطلعات المجتمع، وعلينا ان نعترف بأن السلطتين في مأزق كبير وضعف الحكومة يواجهه أداء متعثر من المجلس.
واشار الى ان الحكومات السابقة لا تختلف عن حكومة اليوم ولكن الظروف المحيطة هي التي اختلفت فكشفت عن سوء أداء الحكومة على الرغم من ان الأداء لا يختلف كثيرا عن الحكومات السابقة، وبرلمان الأمس لا يختلف عن برلمان اليوم لأن المخرجات الانتخابية كانت دائما واحدة ومن يصل للبرلمان تقريبا هم نفس الوجوه ونفس البرامج ونفس طريقة التعاطي ونفس الأجندات ولكن الظروف المحيطة هي التي كشفت موطن العلة.
وحل الحكومة وإعادة تشكيلها أو حل المجلس وإعادة تشكيلها لن يأتي بجديد لأنه حتما سيعود المؤزمون والمحايدون واصحاب الاجندات.
وبخصوص البرلمان اشار إلى أننا أمام خيارين الاول أن يتجرد الشعب الكويتي بين عشية وضحاها من كل انتماءاته الطائفية والفئوية والقبلية ويختار 50 نائبا على أساس موضوعي يشكلون فريقا ضاربا قادرا على أن يقدم أجندة جيدة ويعرف إدارة الاولويات ويتجاوز الصراعات الهامشية وهذا يشبه الحلم أو المعجزة، أما الخيار الثاني فهو ان يكون هناك نظام محصن بشكل أفضل ونراجع نظامنا الانتخابي بشكل جذري بحيث تكون المحصلة مجلس أمة قادرا إحداث التغيير.
وأوضح أن المخرج من الازمة يتمثل في أهمية إدراكنا لوجود خلل على جميع المستويات والاصعدة، اتفاق كل الاطراف السياسية على ضرورة الاصلاح، تطوير النظام الانتخابي وإشهار وتقنين عمل الجماعات السياسية.
السياق التاريخي
ومن جهته أكد الامين العام لمظلة العمل الاجتماعي «معك» أنور الرشيد أن الصراع ليس بجديد على الساحة السياسية والازمة الحالية ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، ومن الاجحاف أن نسلخ هذه الازمة من سياقها التاريخي.
واستطرد الرشيد قائلا ان الازمات بدأت في الكويت منذ عام 1921 حينما أقر دستور الكويت وبعد العمل به تأزمت الامور وبالتالي تم صرف النظر عن العمل به، وفي عام 1938 تمت المطالبة بالمشاركة في اتخاذ القرار وأقر الدستور الثاني ومارس أعضاء المجلس التشريعي دورهم التشريعي والرقابي ولم تستمر التجربة نظرا لحدوث الصدام وعلقت الحياة السياسية من عام 1938 وحتى 1962 حينما جاء المغفور له أبو الدستور الشيخ عبدالله السالم والذي كان هبة الله للكويت وتم إقرار الدستور الثالث وعمل بموجبه وبعد وفاته بدأت الازمات تتوالي على الكويت ولا يخفي على أحد تزوير الانتخابات عام 1967 وتم تقديم استقالات أعضاء البرلمان وعادت الحياة السياسية بشكلها الطبيعي في مجلس 1971 ولكن في الفصل التشريعي الذي يليه في عام 1976 عادت الازمات مرة أخري وتم تعليق الحياة السياسية وتعليق العمل ببعض مواد الدستور المتعلقة بالحياة الانتخابية وفي عام 1981 ونتيجة الضغط الاقليمي والحرب العراقية الايرانية عادت الحياة السياسية وفي عام 1985 وبعد استجواب الشيخ سلمان الدعيج تم تعليق الحياة السياسية مرة أخري ووصل الصدام إلى الشارع السياسي أو ما يسمي بدواوين الاثنين والتي لم يتجاوز عددها الاربع ديوانيات وعملت على المطالبة بعودة الحياة الديموقراطية والسياسية على مدار شهر ونصف الشهر إلا أنهم استطاعوا التأثير في الشارع وتم إنشاء المجلس الوطني الذي أيضا لم يستمر إلى أن جاءت الحقيقة التاريخية في مؤتمر جدة الذي تم فيه التأكيد على الالتزام الابدي والمطلق بدستور عام 1962.
وأضاف انه بعد التحرير أعادت السلطة العمل بالمجلس الوطني الذي يخالف كل المبادئ والاعراف والقوانين وسادت حالة من الاستياء منه إلى أن عادت الانتخابات واستمرت على وقتنا هذا.
ولفت إلى أن الغلبة ستكون للرأي العام، والشعب الكويتي جبل على الحرية وعلى أن يقول رأيه بصراحة ولا يمكن أن القضاء على الروحية المتجزرة بداخل الشخصية الكويتية ومن يراهن على أن الشعب الكويتي سيقبل بإجراء غير دستوري سيخسر رهانه لأننا لا نقبل أن نعود للوراء ولدينا قناعة أن العمل بالدستور هو الحكم والفيصل في أي معضلة.
وأوضح أن التأزيم ليس سببا في إعاقة عجلة التنمية التي هي بيد السلطة التنفيذية والواقع أن عجلة التنمية متوقفة على كل المستويات منذ عام 1976.