أسامة دياب
أجمع المشاركون في الحوار الذي نظمه معهد المرأة للتنمية في جمعية المحامين تحت عنوان المنظور المستقبلي لمفهوم التعاون بين السلطتين على أن مفهوم التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية رسمه الدستور وحدد معالمه ووضع لكل سلطة اختصاصاتها وأعمالها، وخاصة في المادة 50 التي تنص على قيام نظام الحكم على أساس الفصل بين السلطات مع تعاونهما وفقا لأحكام الدستور، مشيرين إلى أن الايمان الحقيقي بالديموقراطية والدستور هو من أهم دعائم التعاون بين السلطتين وعزوا غياب التعاون بين السلطتين لضعف الحكومات وتراجعها وعدم الوصول لإجماع النخبة بين السلطتين على مصالح البلد الحقيقية.
مـد وجــزر
في البداية أكدت رئيس معهد المرأة للتنمية المحامية كوثر الجوعان أن موضوع التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فرض نفسه على الساحة بسبب ما تشهده العلاقة بين السلطتين من حالة من المد والجزر انعكست سلبياتها على الساحة السياسية الكويتية بشواهد عديدة أهمها غياب الحكومة عن حضور جلسات مجلس الأمة لفترة تجاوزت الخمسين يوما، تعطلت فيها مصالح البلاد بالرغم من أن المادة 50 من الدستور تنص على ان يقوم نظام الحكم على أساس الفصل بين السلطات مع تعاونهما وفقا لأحكام الدستور.
وتوقفت عند ثلاث مواد دستورية مهمة هي 100، 101، 102 والتي تنظم موضوع الاستجواب وطرح الثقة وعدم التعاون، مشيرة إلى أن هذه المواد واضحة في امتلاك المجلس للصلاحيات الثلاث بصريح نصوص المادتين 100 و101، فاستجواب الوزير من الممكن أن يؤدي إلى طرح الثقة فيه في حال قدم 10 نواب طلبا للمجلس وافق عليه بأغلبية أعضائه.
وأوضحت أن الدستور وفقا للمادة 102 منع طرح الثقة برئيس مجلس الوزراء، ولكن جعل من حق المجلس أن يصدر قرارا يسمى «عدم إمكان التعاون رسميا مع رئيس مجلس الوزراء» وهذا حق أصيل للمجلس، وبالتالي يتضح لنا أنه ليس من الجائز أن تستقيل الحكومة أو رئيسها بسبب عدم تعاون مجلس الأمة.
ولفتت الجوعان إلى أن الكثير من النواب يغيب عنهم إجراءات تقرير عدم إمكان التعاون، وهذا ما يظهر جليا في التصريحات العلنية لهم، فالعمل النيابي ليس دعاية إعلامية وعلى من يظنون أن بيدهم الرقابة والتشريع أن يدرسوا المواد الدستورية ويتفحصوها بعيدا عن التأزيم الذي مرجعه الجهل بالعمل النيابي.
الاختصاصات
ومن جهته أكد وزير النفط الأسبق د.عبد المحسن المدعج أن مفهوم التعاون بين السلطتين رسمه الدستور وحدد معالمه ووضع لكل سلطة اختصاصاتها وأعمالها وخاصة في المادة 50 من الدستور التي تنص على الفصل بين السلطات.
ولكن الإشكالية التي نعيشها الآن في هذه المرحلة مختزلة في أمرين أولهما الثقافة السياسية للمجتمع الكويتي والتي اختلفت كثيرا هذه الأيام عن فترة ما قبل الاحتلال، ثانيهما كيفية تشكيل الحكومة ومن المعروف أن تسمية رئيس مجلس الوزراء من صلب اختصاصات صاحب السمو الأمير ولكن التشكيلة الوزارية يجب أن تمر بمراحل ووفقا لمعايير معينة وموائمة يجب أن توضع في الاعتبار.
وعقد المدعج مقارنة بين التجربة والممارسة والوعي السياسي في فترة ما قبل الاحتلال ونظيرتها الحالية، موضحا أنه بعد صدور الدستور بديموقراطية عن طريق مجلس تأسيسي منتخب عام 1962، بدأ المجلس الأول عام 1963 وبالرغم من التعليم المحدود لمعظم النواب إلا أنه كان لديهم وعي سياسي وثقافة والتزام واضح تجاه الديموقراطية والمواطنة الحقة والمصلحة العامة لحاضر المجتمع ومستقبله، وكان الطرح تسوده القيم الكويتية والوعي السياسي والبرلماني المتنامي.
ولفت إلى أن هذه القيم بدأت تتلاشي شيئا فشيئا في المرحلة التي تلت الاحتلال العراقي الغاشم وبدأ الانهيار مع المجلس الثاني بعد الاحتلال في عام 1996 من داخل قبة البرلمان ودخلت ثقافة برلمانية سياسية جديدة لم يكن يعرفها المجتمع الكويتي من قبل مثل التدخل في الانتخابات بشكل مباشر من أطراف معينة لا تريد الديموقراطية في الكويت، وأطراف أخرى ترى في الديموقراطية خطرا عليها وعلى نفوذها ومصالحها وأطراف ثالثة ترى أن الديموقراطية تتعارض مع فكرها السياسي وبالتالي هذه الظاهرة كانت لأفراد كبرت وتشكلت مؤسسات من خلالها وهي التي تهيمن على معظم ما يثار على الساحة السياسية الآن.
وأوضح أن إشكالية مجلس الأمة الآن تتمثل في أن الكثير من النواب لا يعون مهامهم وحدودهم أو يتجاهلونها لمصالح أخرى لا علاقة لها باستقرار البلد والتنمية.
وأوضح أن الشارع السياسي كان هو من يتحكم في العمل النيابي في فترة ما قبل الاحتلال والتصويت كان وفق معايير ثابتة وكان هناك شبه انعدام للتعصب القبلي أو الطائفي، والظواهر التي كنا نسمع عنها فقط مثل شراء الذمم أصبحت الآن تصور وتنشر في وسائل الإعلام وتدخل المحاكم بأدلة واضحة.
وأوضح أن مفهوم التعاون بين السلطتين يجب أن يمر من خلال الدستور واللوائح المنظمة والتي يجب على الطرفين أن يلتزما بها.
واستغرب ارتجاف الحكومات عند التلويح بأي استجواب وعدم معاقبتهم لمن يعبثون بالمال العام فمنذ شهرين ونحن نسمع صراخا متبادلا عن تجاوزات في المال العام في حين لم تقدم أي شكوى للنيابة من الطرفين على حد سواء لا الحكومة ولا النواب وهذا يدل على التدني الواضح في الوعي السياسي والفوضى والتي لا يمكن أن تحل إلا بوعي الشعب الكويتي بحيث يصوت للملتزم بالدستور وبالقوانين وعدا ذلك ستستمر الأمور في دوامة واضطراب سياسي لا ينتهي.
المادة 50
ومن جهته أكد النائب عبدالله الرومي أن المادة 50 واضحة كل الوضوح فيما يتعلق بالفصل بين السلطات مع تعاونها وبالتالي فإن تعاون سلطة مع الأخرى ليس تنازلا ولا منة لكنه تطبيق سليم لبنود الدستور.
وأوضح أن الايمان الحقيقي بالديموقراطية والدستور هو من أهم دعائم التعاون بين السلطتين، إلا أنه من الواضح أن إيمان الحكومة بالديموقراطية لا يزال غير راسخ بالدرجة الكافية لحل القضايا العالقة، وبالتالي يتم التلويح بحل المجلس، كلما ظهرت بوادر أي أزمة في الأفق، وأبرز دليل على ذلك أن قرارات البلد متوقفة منذ أكثر من شهرين بسبب غياب الحكومة عن الجلسات، وهذا واقع ينافى مع ما نص عليه الدستور بضرورة انعقاد جلسات مجلس الأمة.
وأشار إلى أن الحكومات في السابق كانت تشتكي من عدم وجود أغلبية لها في البرلمان، وهذا لا ينطبق على الأزمة الحالية، حيث ان الحكومة لها أغلبية في البرلمان تستطيع من خلالها أن تعمل بها وتنجز إن أرادت وأصدق دليل على ذلك هو نجاحها في إسقاط قضية الدواوين وقضية زيادة الـ 50 دينارا، وكذلك في قضية الاستجواب «الردي» تحرك النواب لإيصال رسالة باستخدام المادة 135، لكن فوجئنا بانسحاب الحكومة، فأين التعاون بين السلطتين؟
تراجع الأداء النيابي
على الصعيد النيابي، لفت الى وجود تراجع في الأداء النيابي وبعض التصرفات التي فيها تعمد لمخالفة للائحة والدستور والمثال على ذلك هو انسحابي أنا وزملائي من الجلسة عندما أراد الأخوان على الرغم من وضوح المادة 119 في أن كل اقتراح برغبة أو بقانون عرض على المجلس لا يجوز عرضه إلا بعد مرور أربعة اشهر، ومع ذلك صوت المجلس بأغلبية وهي مخالفة من الجانبين الحكومي والنيابي وكان يجب على الحكومة أن تنتصر للقانون.
وأبدى اعتراضه على المقولة التي يرددها النواب أن المجلس سيد قراراته، موضحا أن المجلس سيد قراراته في غياب النص وليس مع وجود النص، والأزمة الحالية تتمثل في تعطيل جلسات المجلس بمخالفة دستورية، وأصبحنا أمام رأيين أحدهما يؤكد على صحة انعقاد جلسات المجلس حتى لو لم تحضر الحكومة، والرأي الآخر يقول بعدم صحة انعقاد جلسات المجلس إلا مع حضور الحكومة، وأضاف أنه آن الأوان لأن نلجأ للمحكمة الدستورية في هذا الموضوع لنضع حدا لهذه الإشكالية.
وشدد على أن تدخل السلطة التشريعية في اختصاصات السلطة التنفيذية واقع لا يمكن نفيه ويعتبر تخريبا للعمل الإداري والسبب المباشر وراءه هو ضعف وتراجع الحكومة وعدم تأهيل الوزراء وضعف قدرتهم على قيادة العمل وهذا ما ينعكس سلبا على البلد بأكملها.
وأعرب عن أمله في أن تكون الحكومة المقبلة صاحبة قرار وقادرة على قيادة التنمية التي هي أهم مقومات النهضة، وهذا بالإمكان، خصوصا أن لدينا الكثير من الكفاءات القادرة على القيادة إلا أن الواقع المؤلم يجعلها تؤثر السلامة وتنأى بنفسها عن مثل هذه المهاترات.
مواطن الخلل
من جهته، حدد أستاذ علم الاجتماع السياسي د.خلدون النقيب مواطن الخلل في التعاون بين السلطتين بضعف الحكومات، عدم الوصول لإجماع النخبة بين السلطتين على مصالح البلد الحقيقية، رئيس الوزراء المعين والدائم لا يتمتع بأغلبية نيابية منظمة، غياب التنظيم الحزبي الذي ينظم الأغلبية البرلمانية والمعارضة وانعدام التعاون وعدم الشفافية في المشاريع التنموية.
ولفت إلى أن العلاقة بين السلطتين تدور في حلقة مفرغة لتفادي الاستجواب، وهذا سيؤدي في النهاية لتراكم المشكلات والقضايا المزمنة مثل قضية البدون وعدم وجود آليات واضحة للتجنيس والاعتداءات على أملاك الدولة التي سكتت عنها لسنوات طويلة.
وأوضح أنه يستغرب وضع الحكومة نفسها في موضع الشبهة فيما يتعلق بالقضايا التنموية، مثل المصفاة الرابعة والداو، وجميعها تثبت أننا ليس لدينا قطاع خاص حقيقي بل مجموعة من العلاقات المصلحية والتي تؤدي إلى خلق حالة من الاحتكار، بالإضافة إلى تحدي الحكومة للمجلس في بعض القضايا التي تشوبها شبهات والأفضل أن تتحدى المجلس في القضايا والأمور الجوهرية مثلما حدث سابقا وتم منح المرأة حقوقها السياسية، لماذا لا تتحدى المجلس في قرار منع الاختلاط، باختصار الحكومة يجب أن تكون أكثر وعيا من المجلس والشارع السياسي.
وهذا في مجمله ما يحبط النواب ويشعروا بالعجز عن تصحيح مسار العملية السياسية ولذلك يلجأوا لوسائل الإعلام والدواوين من أجل التصعيد.
دولة فاشلة
وشدد على أن الوضع السياسي السيئ سيؤدي إلى تحول الكويت إلى دولة فاشلة وهناك مؤشرات على ذلك مثل تقوية الاحتكار المحلي عن طريق مشاريع الخصخصة، ضعف الخدمات العامة في دولة بحجم إمكانيات الكويت وخصوصا في مجالي الصحة والتربية، ضعف الاندماج الوطني وبروز المحاصصة القبلية والطائفية، طريقة التشكيل الحكومي غير السوية والخلل والفساد المالي والإداري في الدولة وعجز المجلس وعدم رغبة الحكومة على مواجهته.
ولفت إلى أن من أسس الكويت الحديثة كانوا مجردين من الأغراض وكانوا فعلا رجال دولة ولكن أغلب النواب حاليا مشغولين بالأمور الثانوية وليس لنا أمل إلا في بعض النواب الذين يمكن ان نسميهم رجالات دولة.
وأشار إلى أن أول عمل يجب أن تقوم به الحكومة الجديدة هو ألا تجعل من نفسها حكومة وارثة لكل ميراث الفساد ولكن يجب أن تبدأ بداية جديدة تتجاوز فيها الأوضاع الحالية مثل العجز في الموازنة وما يحدث على صعيد دول الجوار مثل إيران والعراق وخصوصا الانسحاب الأميركي من العراق الذي لن يحدث بشكل كامل في الخمسين أو 100 سنة المقبلة وخصوصا أن الجيوش التي ستنسحب من العراق ستتمركز في الكويت.
وشدد على ضرورة عرض بنود الاتفاقية الأمنية السرية بين الكويت والولايات المتحدة الأميركية.
وفي مداخلة أكد د. شملان العيسى أن النواب لا يساهمون في تشكيل الحكومة ولا تعيين رئيسها ولا يؤمنون بالدستور ولا بالعملية الديموقراطية والدليل على ذلك استجوابهم لرئيس مجلس الوزراء لقضية دينية.
وأوضح العيسى أن هناك حالة من عدم الاهتمام الشعبي بالأزمة الدستورية والتحرك السلمي لحلها.
وأضاف أن البيئة الاجتماعية غير صالحة لأي تعاون بين الحكومة والمجلس، فعلى الصعيد النيابي فكل تيار له أولوياته المتناقضة مع التيار الآخر والواضح أننا ليس لدينا اتفاق على أولويات الدولة وأجندة التنمية فيها.